السيطرة على غزة مهمة أكبر من أن تتحملها السلطة - لكن لا يزال لديها وظيفة في اليوم التالي
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • تقدُّم المعركة العسكرية في غزة يفرض السؤال عن ماهية اليوم التالي لِما بعد إبعاد "حماس" عن مكانتها كمسؤولة في المنطقة. وفي هذا الإطار، تُطرح فكرة قديمة جديدة، وهي بالأساس تمنٍّ إسرائيلي، بحسبه، تعود السلطة وتسيطر على القطاع كما كان عليه الوضع حتى سنة 2007، قبل سيطرة "حماس" بالقوة.
  • يجب تحليل هذا الهدف بتروٍّ. السلطة غائبة عن غزة منذ 20 عاماً تقريباً، وهي فترة نما فيها جيل شاب، زرعت "حماس" في وعيه أن أبو مازن هو "أحد الأعداء الأكثر حدةً للفلسطينيين"، و"مسؤول عن ضائقة سكان غزة". وأكثر من ذلك، لا يوجد لدى السلطة قواعد حقيقية في غزة، و"فتح" منقسمة على نفسها بين معسكرات متنافسة، كما أن سلطة أبو مازن تواجه صعوبات في السيطرة على الضفة، لذلك، فإن السيطرة على 2.2 مليون فلسطيني متمردين في منطقة ستكون مدمرة كلياً، هو أمر يفوق قدرات عباس. والأهم من هذا كله - لا يبدو أن السلطة، أصلاً، معنية الآن بالقيام بهذه المهمة الصعبة.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يجب تجاهُل السلطة في اليوم التالي. مجموعة البدائل الاستراتيجية الموجودة أمام إسرائيل سيئة، وعليها الاختيار بين السيئ والأقل سوءاً. وفي هذا السياق، يبرز إمكان إقامة إدارة محلية تستند إلى قوى من داخل القطاع، وغير مرتبطة بـ"حماس"، كالمخاتير، مثلاً، ورجال الأعمال والأكاديميين البارزين، والمسؤولين من "فتح". وهذا كله بتدخُّل عميق من إسرائيل ومصر وأميركا والدول العربية، باستثناء قطر التي ثبت أن تأثيرها سلبي في الساحة الفلسطينية.
  • الوظيفة المستقبلية لهذا الكيان ستتركز على تقديم الخدمات للجمهور، وإعادة إعمار القطاع، والحفاظ على النظام العام، ومن المفضل أن تكون علاقته وطيدة بالسلطة، ويكون هناك نوع من أنواع المسؤولية الرمزية لرام الله على الواقع في غزة. في المرحلة الأولى، من المرجح أن يواجه النظام العام للسلطة الجديدة تحديات كبيرة، وعلى رأسها عدم ثقة الجمهور الواسع، ويمكن أن يواجه أيضاً مقاومة فاعلة من بقايا "حماس" وبقية التنظيمات "الإرهابية" في القطاع. لكن، إذا حصل على دعم مالي وسياسي خارجي، فيمكن أن يستقر بعد مضي وقت، ويسمح للسلطة الفلسطينية بالتمركز كعنوان واحد للمنطقتين الفلسطينيتين.
  • هذا البديل هو "الأقل سوءاً"، وتنفيذه سيفرض على إسرائيل تقديم مساهمات وتنازلات. أولاً - عندما لا تسيطر على غزة أي جهة محسوبة على "حماس" - سيكون على إسرائيل التدخل في تجنيد المساعدات الخارجية لها - وهو أمر لا يتضمن وقف التزويد بالمياه والكهرباء وعبور البضائع والأشخاص ، وهو ما يجب الحفاظ عليه بهدف الإبقاء على الانفصال التاريخي عن قطاع غزة.
  • ثانياً، سيكون من الضروري التوجه إلى حوارات معمقة بشأن مستقبل العلاقات مع النظام الفلسطيني. وفي هذا الإطار، يجب حل المعضلة المركزية التي برزت في مذبحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر: من جهة، فإنه من الواضح لأغلبية الإسرائيليين اليوم، أنه لا يوجد نضوج للسلام في الطرف الفلسطيني؛ ومن جهة أُخرى، من الواضح أن المجتمعَيْن اللذين يعيشان في حالة عداء، لا يستطيعان التعايش في الكيان ذاته، وهي فكرة اتضحت وتعززت في الأعوام الماضية، بالأساس من طرف جهات يمينية، بل إنها تطورت في أعقاب توسيع المستوطنات في الضفة خلال العام الماضي.
  • سيكون على إسرائيل القيام بخطوة واعية مصحوبة بأقصى حد ممكن من الانفصال الجغرافي عن الفلسطينيين - من دون التزام منها بإقامة دولة على الحدود؛ وفي الوقت نفسه- فإن المصالح الوجودية لإسرائيل، وعلى رأسها السيطرة على غور الأردن والحدود بين غزة ومصر، تستوجب أن يكون لديها قدرة على التدخل فيما يحدث في الميدان الفلسطيني في كل مرحلة.
  • إحدى مكونات النظرية التي انهارت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، هي أنه يمكن الدفع بالتطبيع مع العالم العربي، من دون التطرق إلى الموضوع الفلسطيني. وبدلاً من هذه النظرية، يجب إجراء نقاش واقعي يتفادى الشعارات، مثل "محو حماس" و"العودة إلى غوش قطيف"؛ أو أوهاماً، مثل "عودة السلطة للسيطرة على غزة"، أو "تغيير الوعي لدى الفلسطينيين". بدلاً من هذا، يجب صوغ استراتيجيا واعية للمدى البعيد في السياق الفلسطيني، والتزود بفهم أنها تحتاج إلى طول نفَس واستثمار مستمر، وبالأساس إلى جاهزية لاتخاذ قرارات تاريخية.
 

المزيد ضمن العدد