من الذي سيحكم [قطاع غزة] في اليوم التالي للحرب؟
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • تتناقض الإنجازات المتمثلة في القدرات العملياتية المثيرة للإعجاب، التي يتمثل فيها الجيش الإسرائيلي على جميع الجبهات، إلى جانب صمود المجتمع المدني الإسرائيلي، مع غياب تفكير استراتيجي منظّم لدى الحكومة الإسرائيلية لتحديد ما الذي سيحدث في "اليوم التالي للحرب". بالنظر إلى سلسلة التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء، يبدو أن إسرائيل لا تملك استراتيجيا للخروج من الحرب، أو خطة بعيدة المدى بهذا الشأن.
  • تستند قوة إسرائيل إلى القدرات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، إلى جانب الحكمة السياسية وبُعد النظر الاستراتيجي. وكل ما ذُكر آنفاً، يرتكز بصورة حاسمة على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلى جانب العلاقات الخاصة التي تربط إسرائيل بدول السلام والتطبيع. وبناءً عليه، يجب أن تأخذ صيغة هذا التفكير الاستراتيجي نقاط القوة التي تملكها إسرائيل في الحسبان، إلى جانب القيود المفروضة عليها.

نقاط القوة الاستراتيجية

  • أولاً، وقبل كل شيء، هناك القوة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، إلى جانب تماسُك المجتمع المدني، وهما مصدر قوة يتيح تحقيق أهم أهداف هذه الحرب: تقويض حركة "حماس"، واستعادة جميع المخطوفات والمخطوفين.
  • في ضوء الإخفاق الذي جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تبرز، على وجه التحديد، سِمتان من سِمات ضعف حركة "حماس"، واللتان تتناقضان مع توقعاتها وخططها الاستباقية. السِمة الأولى هي فشلها في إشعال مواجهة متعددة الجبهات في الشمال، ومنطقة "يهودا والسامرة"، وفي داخل إسرائيل. أما السِمة الثانية، فتتمثل في الفظائع المرتكبة صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والتي لا تترك أمام إسرائيل سوى خيار واحد: القضاء على حركة "حماس" كمنظمة "إرهابية"، مدمجة بكيان سياسي.
  • إن الدعم المتعدد الأبعاد الذي توفره الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرائدة، يمنح إسرائيل شرعية واسعة، ودعماً سياسياً وعسكرياً لإسقاط حركة "حماس".
  • العلاقات الخاصة التي تربط إسرائيل بدول السلام والتطبيع، والتي، على الرغم من الضغوط [الشعبية] الداخلية [في تلك الدول]، تتجنب المساس، بصورة جسيمة، بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل. لقد عكست قرارات القمة الإسلامية، التي افتقرت إلى أي مظهر عملاني، على الرغم من اللغة الحاسمة التي صيغت وفقها، الفوارق بين معسكر السلام وبين المحور الراديكالي في تلك الدول. وإلى جانب ما تقدم، فإن إطار التعاون العسكري الإقليمي، تحت راية الولايات المتحدة (القيادة العسكرية المركزية للولايات المتحدة (USCENTCOM) يثبت نجاعته، ويعكس عُمق التعاون الإقليمي.
  • على مستوى الوعي، هناك الكشف عن استخدام حركة "حماس" "الانتهازي" المستشفيات كمراكز قيادة عسكرية ومواقع لاحتجاز المخطوفين.
  • سِمات الرد الحازم والعنيف للجيش الإسرائيلي في مواجهة الأهداف التابعة لحزب الله، وناشطي هذا الحزب، تشكل عاملاً حاسماً في ردع التنظيم عن توسيع الأعمال القتالية، ومن شأنها تمهيد الأرض لخلق واقع أمني محسّن في "اليوم التالي للحرب".
  • النشاط العسكري الناجح الذي تنفّذه الجهات الأمنية الإسرائيلية في الإحباط الوقائي لأعمال "الإرهاب في يهودا والسامرة" والحؤول دون اشتعال الميدان. وذلك بالترافق مع إلحاق الضرر بخلايا حركة "حماس" في ذلك الحيز (حيث تم حتى الآن اعتقال أكثر من ألف "مخرب" من تلك الحركة).
  • القدرات المثيرة للإعجاب لدى نظام الدفاعات الجوية الإسرائيلي على اعتراض الهجمات الصاروخية، والمقذوفات، والطائرات المسيّرة.

القيود الدبلوماسية والعسكرية

  • قد تشكل الساعة الرملية الدبلوماسية، التي تتناقص رمالها، تناقضاً مع مسألة تحقيق الأهداف الاستراتيجية، والذي قد يشكّل عائقاً طالما استمرت المعركة وتصاعدت الأزمة التي يعاني السكان جرّاءها.
  • إن الضغوط الداخلية المتصاعدة من ساحات العالم العربي، وخصوصاً في الأردن ومصر، قد تؤدي إلى قيود على تعامُل هذه الأنظمة مع إسرائيل.
  • النشاط العنيف الذي يمارسه ناشطو اليمين المتطرف ضد السكان الفلسطينيين في "يهودا والسامرة"، والذي قد يشعل اشتباكاً واسع النطاق، يمكن أن يؤثر أيضاً في "عرب إسرائيل"، كما سيكون له تأثير أيضاً في الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التي ستضطر إلى تخصيص الموارد والاهتمام لمعالجة الأمر.
  • سلّم الأولويات القُطري المختل، وإهمال قطاعات مهمة في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليَين، اللذين يواجهان اليوم مصاعب في العثور على حلول من أجل توفير معالجة مُثلى للمشاكل في مجالات كثيرة ومتنوعة. إلى جانب التساؤلات عن تماسُك وصمود اقتصاد إسرائيل.
  • انعدام الشعور بالأمان، وعلى وجه الخصوص، في أوساط سكان خطَّي المواجهة في الشمال والجنوب. وقد يُظهر هؤلاء عزوفاً عن العودة إلى منازلهم من دون تحقيق معالجة جذرية للجهات "الإرهابية"، وإزالة المخاطر التي تهدد هاتين الفئتين السكانيَتين.
  • مظاهر الاحتجاج، وتصاعُد موجة معاداة السامية في جميع أرجاء العالم. إذ تخلق هذه المظاهر ضغوطاً على الحكومات التي وقفت إلى جانب إسرائيل، وباتت انعكاساتها السلبية تظهر على الشعور بالأمان لدى يهود الشتات.

استنتاجات وتوصيات

  • ينبغي أن تقترن الإنجازات الكبرى المتحققة ضد حركة "حماس"، بالنشاط الدبلوماسي الذي تقف الولايات المتحدة على رأسه، من أجل تحقيق إطلاق سراح جماعي لجميع المخطوفين والمخطوفات.
  • يتعين على إسرائيل العمل على بلورة استراتيجية انسحاب شامل، تضع في رأس أولوياتها تصفية حركة "حماس"، بالتزامن مع ترسيخ قبضتها الأمنية، الذي سيتيح إعادة سكان "غلاف غزة" إلى منازلهم. وفي الموازاة، يتعين على إسرائيل المشاركة في الجهود الدولية التي تقف الولايات المتحدة على رأسها، وبالتنسيق الكامل معها، من أجل تحديد العنوان الأساسي الذي يجب تعيينه لإعادة إعمار قطاع غزة وإدارته في "اليوم التالي للحرب".
  • إلى جانب ضمان القبضة الأمنية الإسرائيلية الناجعة على القطاع، من الضروري خلق احتمالات تشكّل ركيزة مدنية فلسطينية وعربية مشتركة، تحت رعاية الولايات المتحدة والدول الأوروبية. يتمثل الهدف من وراء خلق هذه الركيزة، في إعادة الإعمار الشامل الضروري الآن لقطاع غزة.
  • يجب تجنُّب المبادرات الضارة بأمن إسرائيل، والتي تشكل خطورة عليه، وعلى رأسها الأفكار المتمثلة في تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، أو الأردن. يتم النظر إلى مثل هذه المبادرات بصفتها تهديداً محققاً للأمن القومي لتلك الدول، وهي تعكر صفو العلاقات الاستراتيجية الضرورية لإسرائيل.
  • أما في مواجهة حزب الله، فمن الواضح أن الوضع القائم لا يجب أن يستمر على هذا النحو، وعلى إسرائيل خلق واقع جديد على الأرض، يزيل التهديد الذي يتعرض له سكان الشمال، بما يتيح لهؤلاء العودة إلى منازلهم. في هذا الإطار، ينبغي لإسرائيل، إلى جانب خياراتها العسكرية، المطالبة بالتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
  • سيتعيّن على إسرائيل أيضاً صوغ استراتيجيا شاملة من أجل كبح التعاظم الإيراني المتعدد الأبعاد. وينبغي لمثل هذه الاستراتيجيا الاستناد إلى مرتكزين: الأول، المستوى العسكري، من خلال تسريع عمليات بناء القوة، بمعونة أميركية. والثاني، على المستوى الدبلوماسي، من خلال التنسيق مع المجتمع الدولي.
  • أما على الساحة الداخلية الإسرائيلية، فسيتعين على الحكومة التي ستُشكَّل بعد الحرب، إعادة ترتيب الأولويات الوطنية. على رأس تلك المهمات، سيتوجب على الحكومة العمل على رأب الصدوع والاستقطابات الناشئة في المجتمع الإسرائيلي، مع تعزيز الهوية الوطنية الإسرائيلية الموحدة والمشتركة. ويجب أن تكون هذه الهوية قادرة على أن تشمل "عرب إسرائيل"، وأبناء التيار الأرثوذكسي (الحريدي) في إطار المجتمع الإسرائيلي. كما يجب أن يتم ذلك من خلال تغيير حاد في تقسيم كعكة الميزانية، بالانطلاق من إدراك الحاجة إلى صرف مبالغ مالية طائلة على إعادة إعمار البلدات في الشمال والجنوب، وإعادة السكان إلى منازلهم، وتأهيل المصالح التجارية المتضررة نتيجة الحرب، وتعزيز المنظومات التي جرى إهمالها طوال السنوات الماضية (مثل الشرطة الإسرائيلية، ومنظومة الخدمة النفسية والعمال الاجتماعيين، وغيرها).