نتنياهو يتجاهل الأميركيين؛ وسيُدفع ثمن لذلك
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إسرائيل وصلت إلى مفترق طرق استراتيجي وحاسم في المعركة ضد "حماس": من جهة، عليها أن تستكمل الهجوم وتصل إلى الحسم ضد التنظيم "الإرهابي"؛ ومن جهة أُخرى، عليها أن تفهم أن غزة ستتحول في اليوم التالي للحرب إلى الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم. وفي حال لم يكن هناك مَن يتحمل المسؤولية- فإننا سنتحمّلها، وسيدفع أطفالنا وأحفادنا ثمن هذا الخطأ.
- على مدار 15 عاماً، قامت "حماس" ببناء بنية تحتية قتالية كبيرة جداً. عملياً، قامت ببناء "عش نمل" عظيم بين المناطق السكانية، ويمتد على مناطق غزة كافة. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تقف "حماس" في مواجهة أكبر هجوم عسكري للجيش الإسرائيلي منذ سنة 1982: دفعت بنا إلى تفكيكها المتوقع، لكنها لم ترَ أنها المسؤولة عن النتيجة، وكانت تأمل فقط بالوصول إلى صورة نصر بأي ثمن.
- الجيش الذي خرج إلى هذه الحرب كأسد مجروح ومليء بالغضب، يثبت مرة أُخرى أنه آلة حرب قوية، ولا يمكن وقفها. وعلى الرغم من ذلك، فإن وتيرة الحرب بطيئة، ولا يزال هناك كثير من الإنجازات الحاسمة التي لم تتحقق بعد. وبكلمات أُخرى - إعادة الرهائن تسبق الإنجاز العسكري. إذا استطاع العالم أن يفرض على إسرائيل وقف الحرب، فإن "حماس" ستُعتبَر منتصرة. وعموماً، فإن الانتصار في الحرب لن يكون حقيقياً من دون حل سياسي لليوم التالي.
الوقت ليس لمصلحتنا
- الساعة التي فعّلها العالم أمام إسرائيل تدق: الرصيد الأميركي محدود، ويسمح بهجوم مركزي واحد كبير، قبل أن تطلب واشنطن نهاية المعركة. بعد وقف إطلاق النار المقبل، سيكون على الجيش أن يركز جهوده في هجوم مركزي واحد، يمنحه حسماً واضحاً- ثم يتحول إلى الدفاع. السنوار يحاول منع الهجوم المركزي والحاسم بأي طريقة ممكنة: بدءاً من تمديد أيام الهدنة، مروراً بمحاولات إشعال الضفة الغربية، عبر تحرير الأسرى والضغط الدولي. السنوار يعلم جيداً بأنه وصل إلى نقطة بدأ يتحول فيها ميزان النصر الذي خطّط له إلى سلبي، وحتى إلى خسارة من طرفه، ويضع حياته نفسها في خطر.
- اتخذ "الكابينيت" خياراً شجاعاً وصحيحاً بشأن الرهائن، بفضل غالانت وغانتس، إلا إن مهمته الأهم هي إدارة المعركة سياسياً، ومحاولة الوصول إلى رصيد. وفي الوقت ذاته، هذه هي نقطة ضعفه- في الأساس لأن إسرائيل لم تضع على الطاولة أي حل سياسي.
- وبدلاً من قبول الاقتراح الأميركي- يختار نتنياهو الانشغال بسياسة البقاء، التي يمكن أن تؤدي إلى فشل سياسي. إنه يقوم ببناء فخ سياسي لغانتس، وهو مستعد مرة أُخرى للتضحية بمستقبل إسرائيل من أجل شعار سياسي يخدم بقاءه الشخصي. وهو ما يشير إلى عدم وجود نية لديه بتحمّل مسؤولية الكارثة الأكبر في تاريخ الدولة، ويختار الآن تحضير الأرض لمعركة انتخابية مقبلة.
اليوم التالي: معضلة تحمُّل المسؤولية
- تفكيك "الإرهاب" سيؤدي في نهاية الحرب إلى تفكيك البنية التحتية لغزة، ونتيجة الحرب ستكون صعبة: مليونا لاجئ سيبقون في القطاع من دون بيت، أو سقف، للعودة إليه، ومدن كاملة على مساحة مئة كلم مربع تحولت إلى خراب، من دون ماء وكهرباء وطرقات. هذا بالإضافة إلى أن الخدمات الطبية ومصادر الحياة تلقت ضربة حرجة. الحديث يدور حول مشكلة لن تُحل على مدار 20 عاماً- حتى لو كان هناك مصادر تمويل مالية.
- حالياً، لا يوجد مَن يتحمل مسؤولية غزة: لا مصر، ولا "قوة متعددة الجنسيات"، بحسب البيانات. طرحُ حلول أُخرى، ليس أكثر من شعارات غير واقعية. إذا رفضت إسرائيل مقترح إدخال السلطة الفلسطينية، فإنها ستتحمل المسؤولية الأمنية بنفسها عن قطاع غزة، وستتحمل أيضاً المسؤولية الشاملة عن خراب غزة والمليونَي لاجئ. معنى ذلك- كارثة سياسية.
- إسرائيل دفعت، ولا تزال تدفع ثمناً كبيراً جداً، لكن، وحتى في غزة، يفهمون الآن أن "حماس" لن تعود كما كانت. الجيش قام ببناء خط دفاع سميك مشكَّل من لواءين في مقابل بقايا "الإرهاب"، سيستمران في إبادة بقايا "حماس" خلال الأيام المقبلة، مثلما يجري في الضفة الغربية. المسؤولية الأمنية التي يقترحها رئيس الحكومة كانت مطلوبة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما كان الجيش لا يزال مشغولاً بمهمات أُخرى، إلا إن نتنياهو لم يستمع إلى تحذيرات رؤساء الأجهزة الأمنية، واستمر في مسار فتح الباب لهجوم "حماس"، التي اعتقدت أن إسرائيل مقسّمة وضعيفة، وشخّصت ساعة ملائمة.
- الحل السياسي- الأميركي سيمنح إسرائيل مخرجاً من أهداف الحرب غير الواضحة الآن، ويمنحها أيضاً الوقت المطلوب لدعم أميركا، بهدف إنهاء الحرب، كما يجعل إدارة بايدن ملتزمة بحل طويل المدى. الخيار الذي اتخذه رئيس الحكومة بشأن تجاهُل اقتراح بايدن، بعد دعمه غير المحدود الذي أنقذ إسرائيل، هو خطوة تضر بمصالح الأمن القومي في وقت الحرب.
- صحيح أن "حماس" هي المسؤولة الوحيدة عن خلق مليونَي لاجئ في القطاع، إلا إن ضم غزة يمكن أن يدفع إسرائيل إلى كارثة: بدءاً من ضعف الجيش، مروراً بانهيار الاقتصاد، ووصولاً إلى ضرر كبير في الشعور بالأمان الشخصي وزيادة الانقسامات الداخلية. وهذا قبل التطرق إلى الهجوم الدولي المتوقع في العالم ضد إسرائيل.
على الرغم من كل شيء: فإن إسرائيل بحاجة إلى السلطة الفلسطينية
- يوم السبت الأسود دفعنا إلى تعلُّم الدرس وقراءة الواقع وتبديد الأوهام السياسية المزروعة أمامنا. إضعاف السلطة الفلسطينية، الذي بنى نتنياهو قاعدته السياسية، استناداً إليه، والمسار الطويل من تقوية "حماس"، كجزء من سياسة إضعاف السلطة، انهار وأدى إلى الكارثة الأثقل في تاريخ دولة إسرائيل.
- الادعاء أن الانسحاب من قطاع غزة هو ما أدى إلى الكارثة ليس أكثر من نكتة سياسية. بحسب هذا الادعاء، فإنه لم يكن على إسرائيل أن تنسحب من لبنان، لأن ذلك خلق عدواً أكبر وأخطر بأضعاف من "حماس". بحسب هذا الادعاء، لم يكن علينا أن ننسحب أيضاً من سيناء وسورية. مَن يتبنى هذا الادعاء، لا يعرف أيضاً حدود القوة، ولا يفهم أن قيود القوة هذه كانت المركّب الأساسي في ضعف الجيش يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. في نهاية المطاف، الجيش لا يستطيع أن يكون قوياً طوال الوقت، وفي كل مكان، ولذلك، لا يستطيع أن يضيف إلى مسؤولياته أيضاً المسؤولية عن مليونَي لاجئ فلسطيني في غزة.
- لا يوجد في الجمهور الإسرائيلي مَن يحب السلطة الفلسطينية "الفاسدة" وأبو مازن "الكاذب" الذي يساعد عائلات "الإرهاب"، ويهرب من المسؤولية عن شمال الضفة. لكن لولا وجود السلطة، لَكان وضعنا أصعب بكثير، ولَكان علينا مضاعفة قوة الجيش من أجل العمل في رام الله وطولكرم وبيت لحم وأريحا والخليل وعشرات الأماكن الإضافية. إن كنا منتشرين هناك، لَكان وضعنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر أصعب بكثير.
- هناك أهمية حاسمة للحل السياسي: من أجل الحصول على رصيد من الأميركيين، ومن أجل الحصول على الوقت المطلوب لإخضاع "حماس"؛ وأيضاً كي يكون لدينا طريقة لإنهاء الحرب، والأهم من هذا كله، تحويل المسؤولية من إسرائيل إلى جهة أُخرى. عملية التسييس التي يقوم بها نتنياهو تُلحق الضرر بالقرارات الاستراتيجية المطلوبة، وتضع إنجازات الحرب ومستقبل الدولة في خطر. بعد هذه الحرب، سيكون على إسرائيل أن تحافظ على استقرار سياسي داخلي طويل من أجل السماح للسكان بالعودة إلى الغلاف، وتقوية الجيش والاقتصاد والمجتمع المنقسم. هذا بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى قيادة جديدة لا دخل لها بفشل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وكل الأسباب التي أدت إليه.