رؤية كيسنجر للقوة كانت ملائمة لدولة إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قام هنري كيسنجر بصوغ الحلف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في صيغة نجحت في الصمود، على الرغم من تبدُّل الإدارات والحكومات والحروب واتفاقيات السلام. وأكثر من أي شخص آخر، قام كيسنجر بمأسسة مكانة إسرائيل الخاصة بالسياسة الخارجية الأميركية، كدولة غير ملزمة بالقيم التي تطلبها الولايات المتحدة من أي دولة أُخرى في مجالَين أساسيَين: السلاح النووي، والاحتلال المستمر الذي يرافقه نزع حقوق المواطن عن سكان الأراضي المحتلة.
  • المساهمة الأولى والأهم التي قام بها كسينجر كانت في سنة 1969، في الأشهر الأولى من ولايته كمستشار الأمن القومي للرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون. حينها، صاغ، إلى جانب إسحاق رابين الذي كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن، "التفاهم النووي" الذي تم الاتفاق عليه بعدها بين نيكسون ورئيسة الحكومة، حينها، غولدا مئير خلال لقائهما في أيلول/ سبتمبر 1969 في البيت الأبيض. هذه التفاهمات مأسست "سياسة الغموض" الإسرائيلية، ومنحتها دعماً أميركياً. حينها، وعدت مئير بأن إسرائيل لن تعلن امتلاكها سلاحاً نووياً، ولا تقوم بتجارب نووية، ونيكسون وعد بألا يضغط على إسرائيل للانضمام إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية. ورَثتهم احترموا هذا الاتفاق.
  • هذه التفاهمات النووية أنهت عشرة أعوام من التوتر بين إسرائيل، التي أنشأت المفاعل في ديمونا بمساعدة فرنسية، وبين الإدارات الديمقراطية، وبصورة خاصة إدارة كينيدي وجونسون، اللتين حاولتا كبح النشاط النووي الإسرائيلي وفرض الرقابة عليه. كيسنجر أوقف زيارات المراقبين الأميركيين لديمونا، وقام بتفهّم الضبابية. وبعد أن انتهت ولايته في سنة 1977، جنّدته إسرائيل لمهمة خاصة كي يشرح لإدارة الرئيس جيمي كارتر تفاصيل التفاهمات التي لم يتم توثيقها باتفاق مكتوب.
  • سمح كيسنجر لإسرائيل بالحفاظ على ديمونا، حتى عندما عملت الولايات المتحدة على إحباط خطط نووية لدول صديقة أُخرى في آسيا وأميركا اللاتينية. إلا إن عمله في المجال النووي بقي سرياً. تفاصيل "تفاهمات غولدا- نيكسون" كانت معروفة من طرف دوائر صغيرة جداً، ولم تُنشر إلا بعد أعوام طويلة، عندما كان سياسياً سابقاً، واعتاش أساساً من الاستشارات للحكومات والشركات الكبيرة.
  • خلال ولاياته كمستشار للأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة، تم التعامل مع كيسنجر في إسرائيل كشخصية إشكالية، لأنه فرض عليها الانسحاب من مناطق احتلتها في سنة 1967، في مقابل اتفاقيات سياسية. قبل حرب "يوم الغفران"، حاول كيسنجر الدفع باتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، في مقابل الانسحاب من سيناء. وأمِل بحق، بأنه بهذه الطريقة، سيكون من الممكن نقل مصر من المعسكر الداعم للاتحاد السوفياتي إلى المعسكر الأميركي، في إبان الحرب الباردة. عارضت مئير أي انسحاب من الأراضي، وماطلت حتى فتح الرئيس أنور السادات الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 1973. وبحسب الباحث يغآل كيفنيس (1973)، فإن صمت كيسنجر عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في سيناء، كان له ثمن على شكل التزام إسرائيلي بعدم توجيه ضربة استباقية. هذا هو أيضاً السبب وراء انتظار إسرائيل للضربة المصرية، وعدم محاولة إحباطها، على الرغم من حصولها على إنذار في آخر دقيقة.
  • حرب "يوم الغفران"، كانت ساعة كيسنجر الكبيرة في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة تركت إسرائيل تنزف إلى أن أرسلت إليها قطاراً جوياً من السلاح الضروري، وحينها فقط، خرج كيسنجر في جولة بين القدس والقاهرة وموسكو، أدت إلى وقف إطلاق النار، وإلى اتفاقيات فصل القوات بين مصر وسورية وإسرائيل، بعد الحرب؛ وفي إطارها، انسحبت إسرائيل من القنيطرة في الجولان، ومن الضفة الشرقية لقناة السويس في سيناء. بعد ذلك بعامين، توسّط كيسنجر بين رابين والسادات، وريث مئير، من أجل الوصول إلى اتفاق في سيناء، في مقابل انسحاب آخر. معارضو الانسحاب تظاهروا ضده مع يافطات لا سامية، حتى إن الصحافي ماتي غولان نشر كتاباً تضمّن بروتوكولات محادثات سرية في إسرائيل، تحدث فيها عن غولدا، وهو ما أضر بشعبيته أكثر هنا.
  • في أعقاب الحرب، توصل كيسنجر إلى أهدافه الاستراتيجية: مصر تحولت إلى المعسكر الغربي، والدول العربية رأت أن أميركا وحدها قادرة على إرغام إسرائيل على التنازل عن أراضٍ. كيسنجر لم يستكمل ما بدأه، وتم توقيع اتفاق السلام الكامل بين مصر وإسرائيل خلال ولاية كارتر. لم يكن كيسنجر داعماً كبيراً لاتفاق "أوسلو" الذي وقّعه صديقه رابين مع ياسر عرفات. وفي اللقاء الأخير في نيويورك، قبل أسابيع من مقتل رابين، شرح له رئيس الحكومة المنطق الاستراتيجي في المسار. آمن كيسنجر بالقوة، وسخر من الأفكار السطحية بشأن الأخوة والديمقراطية والحرية التي كانت تدفع بها الولايات المتحدة. وفي كتابه "الدبلوماسية" في سنة 1994، برّر رؤية "المصلحة القومية كأساس للسياسة الخارجية، كما طالب القيادات الأميركية بعدم ترك هذه السياسة، حتى بعد الانتصار في الحرب الباردة.
  • رؤيته كانت ملائمة جداً للسياسة الخارجية الإسرائيلية التي آمنت بالقوة منذ بن غوريون حتى يومنا هذا، وتحفّظت بشكل كبير عن المؤسسات الدولية وقيم حقوق الإنسان والرقابة على السلاح. هذا هو السبب الأساسي وراء الانتقادات الحادة لكسينجر من اليسار، إذ إنه المسؤول الأساسي عن القتل الجماعي والقمع والأحداث المقرفة في كمبوديا وتشيلي وبنغلادش وشرق تيمور، وكذلك استمرار الحرب الدامية في فيتنام. هذه الانتقادات تُسمع، في الأساس، في إسرائيل من طرف فئة صغيرة جداً من اليساريين المعادين لأميركا. أما النظام والرأي العام الإسرائيليان اللذان يدعمان أميركا، فإنهما نسيا الغضب عليه منذ أعوام طويلة، بسبب ما جرى في السبعينيات، ويفخرون بأنه المسؤول اليهودي الأكثر تأثيراً في الإدارات الأميركية تاريخياً؛ حتى إنه اليهودي الأكثر تأثيراً في تاريخ الولايات المتحدة، إلى جانب بوب ديلن.