المناورة العسكرية في جنوب القطاع تُشير: الهدف هو السنوار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • اليوم هو اليوم الـ59 للحرب في غزة، وقد تم أمس قصف منطقة تل أبيب الكُبرى، كما تم رصد إطلاق للصواريخ طوال اليوم على النقب الغربي، بالإضافة إلى أنه خلال ساعات ما بعد الظهر، رُصدت قذائف كانت قد أُطلقت على منطقة بئر السبع، وهو أمر نادر الحدوث في الآونة الأخيرة. إن مخزون صواريخ "حماس" آخذ في التضاؤل بعد شهرين من القتال، ويبدو أن التنظيم يستصعب الإطلاق من منطقة شمال القطاع، ويحاول أن "يقتصد في السلاح"، وذلك عبر تركيز القصف على مواقع استراتيجية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. لكن الخلاصة واضحة، "حماس" لا تزال تقاتل، ولا تُظهر أي إشارات عن نيتها التخلي عن سلاحها في الوقت المنظور.
  • ويحدث هذا على الرغم من التقدم في العملية البرية؛ ففي شمال القطاع، تقوم الكتيبة 36 باحتلال متدرج لحي الشجاعية، وهي المنطقة الأخيرة التابعة لـ"حماس" التي لم تتم معالجتها برياً بعد. كما أن قائد الكتيبة المحلية لـ"حماس" وأغلب ضباطه قُتلوا خلال الضربات الجوية التي رافقت الخطوة البرية، بالإضافة إلى أن المقاومة الفلسطينية في الشجاعية ومخيم جباليا للاجئين، حيث تعمل الكتيبة 162، لا تستند إلى وحدات كبيرة ومنظمة، وإنما الذين ينشطون هناك هم خلايا صغيرة من المسلحين، يخرجون من الأنفاق ويحاولون مهاجمة قوات الجيش.
  • إن الضرر الذي أُلحق بالقيادة العملياتية لـ"حماس" يتعمق، فقد قُتل نصف قادة الألوية لديها تقريباً، وتمت إصابة عدد مماثل من الضباط أيضاً. وفي الوقت نفسه، يبدو أن هناك نجاحاً عملياتياً متصاعداً في مجال إلحاق الضرر بمنظومة الأنفاق، على الرغم من أن أغلبها لم يُصب بعد، لكن الجيش يعمل الآن بصورة فاعلة أكثر من أجل تفكيكها، ويقلص بالتدريج قدرات "حماس" على نقل القوات من الشمال إلى الجنوب. وقد ادعى وزير الدفاع يوآف غالانت أمس أن "حماس" قريبة من نقطة الانكسار في شمال القطاع.
  • أمّا في جنوب القطاع، فيبدو أن الخطوة العسكرية موجهة الآن إلى موقع مركزي واحد، وهو مدينة خانيونس ومخيم اللاجئين الملاصق لها. فمنذ بداية الحرب، تشير إسرائيل إلى أن قيادات "حماس" ويحيى السنوار يتواجدون هناك، ومن المؤكد أنهم تحت الأرض، كما أن الكتائب العملياتية المركزية للحركة تتواجد هناك أيضاً، وعددها 4، وتقريباً لم يصبها أي ضرر، ولا تبدو عليها أي إشارات استنزاف، وذلك لأنها لم تشتبك في قتال جدّي مع الجيش. وفي اليومين الماضيين، تشير مصادر فلسطينية إلى قصف جوي حاد في خانيونس، وحركة أولية للدبابات الإسرائيلية في شرق المدينة.
  • قبل انهيار الهدنة، كان هناك حوار جاد بين إسرائيل والولايات المتحدة على مستوى سياسي وعسكري أيضاً، وذلك بشأن عمليات الجيش في خانيونس، وفي ظل انتقال مليون لاجئ فلسطيني تقريباً من الشمال نحو الجنوب، وقد تمركز كثيرون منهم في مدينة خانيونس ومحيطها. وتطالب إدارة بايدن إسرائيل بتفهُم هذا الوضع والامتناع من قصف الأهداف جواً، كما حدث في بداية العملية البرية في الشمال، وضمان عمل الممرات الإنسانية من مصر بهدف نقل المساعدات الإنسانية. وفي الأيام القريبة، سيتضح ما إذا كانت إسرائيل فرضت على نفسها قيوداً، وإن كانت هذه القيود ستؤجل أو تصعب الخطوة البرية للجيش حول خانيونس.
  • لا يبدو اختيار خانيونس صدفة، فمن الواضح أن الهدف من هذه الخطوة الإسرائيلية تشكيل ضغط على مجموعة محددة، متمثلة في السنوار ومجموعة القيادات حوله، فبعد الضرر الرمزي عبر رموز سلطة "حماس" في مدينة غزة، وهدم البنايات والمواقع ومكاتب الحكومة، توجد الآن محاولة للتأثير في القيادة. كما أن اقتراب القوات البرية من المدينة سيزيد من الخطر على المدنيين الفلسطينيين، ويصعب عملية نقل المساعدات الإنسانية، وقد طالب الجيش أمس سكان بعض الأحياء في شرق المدينة بالانتقال إلى غربها، لكن من غير الواضح إن كانت "حماس" ستسمح للسكان بالهرب من المنطقة، كما حدث في شمال القطاع. هذه خطوة سيكون على القيادة العسكرية والسياسية أن تديرها بتخطيط دقيق.
  • في ظل الخطوات العسكرية، تغدو مأساة المخطوفين الموجودين في القطاع أصعب؛ فصحيح أنه تم تحرير 110 محتجَزين منهم في المفاوضات المتعبة والمستنزفة، لكن لا يزال لدى "حماس" 130 رهينة (بعضهم تم إعلان وفاته)، وتدرك عائلات الرهائن أنه لا يوجد وقف تام لإطلاق النار، وفي اللحظة التي عاد فيها الجيش إلى القتال، أصبح من الصعب إيقاف الآلة العسكرية المتطورة، وفي ظل المعارك وأوضاع الأسر الصعبة، فإن الخطر على حياتهم يتصاعد بصورة حادة. وفي الوقت نفسه، فإن العائلات رأت كيف يمكن للضغط الجماهيري الحاد أن يؤدي إلى تحرير 110 رهائن، بعد أن كانت في البداية تبدو أمراً خيالياً، وبالتالي، فإنهم لن يتراجعوا عن احتجاجاتهم، وهذا مبرَر.
  • بعد جهود كبيرة، تم ترتيب لقاء اليوم بين ممثلي العائلات ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكابينت الحرب، ومن المتوقع أن يسمعوا من نتنياهو أن الخطوة العسكرية تقرب إعادة الرهائن، ويمكن افتراض أنه سيكون صعباً عليهم تصديق هذا الادعاء، فعملياً، تم تجميد المفاوضات، وأشك في أن توافق "حماس" على إجراء مفاوضات قريباً، من دون تغيير حقيقي في صورة القتال يرغمها على القيام بذلك.
  • كلما امتدت الحرب، يبدو أن التفكير الإسرائيلي يتركز على الحاجة إلى إصابة السنوار، وهنا تكمن قضية رمزية، فهو المخطِط والقائد "لمذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن أيضاً هناك تحليل عملي بشأن تأثيره في صوغ النهج العدواني والقتالي لـ"حماس" ضد إسرائيل. ويخلُص التفكير في إسرائيل إلى أن إخراج السنوار والمحيطين به من الصورة سيسمح بتغيير موقف الحركة بشأن الاستمرار في القتال، لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب القول إن الطريق لتحقيق هذا الهدف غير واضح، فلدى إسرائيل ميل منذ سنوات إلى البحث عن "صورة نصر" رمزية لا تؤدي عادة إلى انتصار عملي في الحرب.
  • تُضاف نقطة الضعف هذه إلى رفض نتنياهو الحوار مع الأميركيين بشأن ما سيحدث في اليوم التالي بعد هزيمة "حماس" (ومن غير واضح حتى الآن كيف سيتم تحقيق ذلك)، واصراره على أن السلطة الفلسطينية لن تكون جزءاً من الحل، وتحاول إدارة بايدن الالتفاف على هذه المشكلة عبر حوارات بشأن تغييرات في السلطة، إلاّ إن الأمور ليست شكلية، والرئيس، على عكس موقف جزء من المسؤولين الكبار في الإدارة، غير مستعد للمطالبة العلنية بوقف إطلاق النار، وذلك لأن خطوة كهذه يمكن أن تزعزع دعمه لعدالة حرب إسرائيل. والسؤال هنا: "هل سيلتزم هذا الموقفَ في حال باتت الحرب في الجنوب أكثر تورطاً؟"، وغياب الهدف الاستراتيجي الواضح للحرب يشكّل حالة من الضبابية للجيش، ويصعب التنسيق مع الولايات المتحدة، ويمكن أن يستنزف الصبر الدولي على خطوات إسرائيل في جنوب القطاع.

منافس عنيد ومتطرف

  • لقد أعاد تجدد القتال في القطاع المواجهة في الحدود الشمالية إلى ما كانت عليه، فقد أعلن "حزب الله" أمس مسؤوليته عن 10 هجمات شنها ضد قوات الجيش على طول الحدود مع لبنان، وتخللها إطلاق قذائف وصواريخ ضد المدرعات، ولا تزال إسرائيل تحاول تدفيع حزب الله الثمن عبر إصابة خلايا الإطلاق، لكن يجب الانتباه إلى أن أغلبية المصابين، كما يبدو، هم من أفراد الأمن التابعين للتنظيم، وأن عدداً قليلاً جداً منهم جزء من قوة "رضوان".
  • لكن التطور الدراماتيكي الأكبر في المنطقة يرتبط بما يحدث في اليمن؛ إذ تتصاعد ضربات الحوثيين ضد الملاحة البحرية في بحر العرب والبحر الأحمر، وهذه لم تعد مشكلة إسرائيل وحدها، فعلى الرغم من أن المسيرات والصواريخ تم توجيهها نحو سفن ذات ملكية إسرائيلية جزئية أو غير مباشرة، فإنها ألحقت الضرر أيضاً بسفن أُخرى، وضمنها تلك التابعة للقوات الأميركية. وقد أعلنت شركة "تسيم" تغيير مسار السفن الخاصة بها، الآتية من الشرق الأقصى إلى إسرائيل، لتلتف حول أفريقيا. وهذه الضربات الحوثية يمكن أن تشوش على العمل في قناة السويس وترفع من تكلفة النقل البحري، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الاستيراد لدول كثيرة.
  • لقد تحولت هذه الأزمة إلى مشكلة الولايات المتحدة، وعليها أن تتعامل معها في وقت ما، وأن تعزز اشتباكها المباشر مع الحوثيين، وهُم منافس عنيد ومتطرف من الصعب إخافته عبر زيادة الألم على الدولة الموجودة أصلاً في أسفل كل مقياس اقتصادي دولي. وهذا يمكن أن يكون مهمة مشتركة لتحالف دولي، وفي الوقت نفسه، آن الأوان لتتطرق الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى من يمول الحوثيين وحزب الله من دون أن يدفع أي ثمن لذلك؛ أي إيران.