الحرب في غزة هي تهديد استراتيجي لدول الجوار، وحدث إنساني بالنسبة إلى الدول الخليجية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- فلاديمير بوتين يعرف جيداً كيف يصمم دخوله. 4 طائرات مقاتلة روسية من طراز SU-35 رافقت طائرته الرئاسية، أول أمس الأربعاء، طوال الطريق، من موسكو إلى الرياض، ثم إلى أبو ظبي، هذا بالإضافة إلى 21 طلقة ترحيبية أطلقتها المدافع الإماراتية وحرس الشرف الذي وقف في مدخل القصر الإماراتي، ومصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأيضاً محمد بن زايد، حاكم الإمارات - هذا كله برز في الإعلام الخليجي، ونافس، بنجاح، الأخبار القادمة من الحرب في قطاع غزة.
- صحيح أن غزة لا تزال تحتل معظم العناوين والتحليلات والفيديوهات، لكنها ليست كل شيء. حتى إن الفلسطينيين أنفسهم، توقفوا عن السؤال "أين الزعماء العرب، وأين العالم من الكارثة التي نعيشها"، وليس للمرة الأولى. المساهمة المركزية للدول العربية والدول الإسلامية هي إرسال قوافل من المساعدات الغذائية والدوائية إلى المستشفيات الميدانية في القطاع. حتى إنهم عقدوا قمتين لمناقشة ما يجري هناك. كما استدعى الأردن وتركيا سفيرَيهما من إسرائيل. لكن لم تقطع أي دولة علاقاتها بإسرائيل. ومرة أُخرى، تكتشف الدول العربية أن قدرتها على التأثير فيما يحدث محدودة في أثناء الصراعات الإقليمية، حتى تلك التي تتعلق بأمنها القومي واستقرارها.
- مقاربة دول المنطقة إلى الحرب في القطاع تنقسم إلى رؤيتَين أساسيتَين: الأولى، هي أن الحرب تهديد استراتيجي لأمنهم؛ أما الثانية، فهي أن غزة "حدث إنساني"، واستناداً إلى هذا الافتراض، تصوغ سياساتها. على سبيل المثال، مصر ترى أنها من أكثر الدول العربية المهددة، وذلك بسبب الخطر الكامن في أن يقوم مئات آلاف الغزيين باقتحام حدودها. موقفها الحاسم أنها لم تسمح لأي لاجئ فلسطيني باختراق الحدود، باستثناء بعض الحالات الإنسانية التي يمكنها الوصول إلى المستشفيات، بتصريح خاص، وهي بذلك تحدد مسؤوليتها بصورة لا تترك مكاناً للشك.
- هذا الأسبوع، وصلت بعثة خاصة برئاسة منسّق أعمال الحكومة في الضفة الغربية غسان عليان، ومندوب عن "الموساد" إلى مصر، بهدف تهدئة القاهرة فيما يتعلق بنية إسرائيل دفع الفلسطينيين إلى مناطقها، وأنه لا أساس لِما يُنشر بشأن خطط إسرائيل لتنفيذ عملية ترانسفير للفلسطينيين إلى مصر. يمكن أن تكون مصر اقتنعت بالتفسيرات الإسرائيلية، لكنها لم تقتنع بأن إسرائيل تستطيع، أو تريد، منع اندفاع الغزيين العفوي إلى سيناء. ولتفادي ذلك، قامت بتعزيز منظومة الدفاع على حدودها على طول القطاع.
- تسيطر مصر على معبر رفح، وهو البوابة الوحيدة، بعد إغلاق الحدود مع إسرائيل، ومنه تمرّ قوافل المساعدات للقطاع. عملياً، تستطيع فتح المعبر كما تريد، والسماح لعدد غير محدود من الشاحنات بالدخول، ووضع إسرائيل أمام معضلة صعبة. إلاّ إن خطوة كهذه يمكن أن تدفع مصر إلى مواجهة، ليس فقط مع إسرائيل، بل أيضاً مع الولايات المتحدة، وبذلك تستطيع إلحاق الضرر بمصالح استراتيجية حيوية أُخرى مهمة، في نظرها، أكثر من الحال السيئة لسكان القطاع.
- يوم الأحد، ستُفتح مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية التي تستمر ثلاثة أيام. لا حاجة قط لفحص استطلاعات الرأي، أو تحليل السيناريوهات الممكنة. السيسي سيكون هو الرئيس حتى سنة 2030 على الأقل. المرشحون الثلاثة المنافسون له يمكن أن يحصلوا على نسب ضئيلة جداً من الأصوات، يستعملها السيسي كغطاء للانتخابات الديمقراطية.
- إلا إن المشكلة الرئيسية لدى الرئيس ليست في انتخابه، إنما كيف يستطيع تسوية دين 29 مليار دولار خلال هذا العام. صحيح أن صندوق النقد الدولي أعلن أنه غير مستعد لزيادة القروض التي طلبتها مصر - من 3 مليارات إلى 5 مليارات دولار - إلاّ إنه سيكون على مصر تحمُّل ظروف صعبة، كتحريك سعر صرف الجنيه المصري وخصخصة شركات حكومية.
- حالياً، يتم إرغام سكان مصر على الوقوف ساعات طويلة لشراء كيلو أو اثنين من السكر، بسبب النقص الحاد في الإنتاج المحلي والإدارة الفاشلة للاستيراد. وزير التموين المصري طلب من المواطنين الصبر وعدم شراء السكر حتى نهاية الأزمة، التي ستكون "بعد أسبوعين"، بحسب كلامه. مصر التي ساهمت كثيراً في المفاوضات بشأن تحرير الرهائن، وتلقّت لقاء ذلك إطراءات علنية كثيرة من الرئيس الأميركي جو بايدن، لن تستطيع الاكتفاء بشهادة شكر. عليها تجنيد الدعم الأميركي لأجل الحصول على قروض اضافية من المؤسسات الدولية؛ وهذا الدعم لا يُمنح مجاناً، من دون مقابل سياسي ينص على التنسيق الكامل للخطوات الحربية الإسرائيلية في غزة، والالتزام بحجم قوافل المساعدات المتفق عليها. مصر لا تستطيع السماح لـ"الأزمة الإنسانية" بإلحاق الضرر بمصالحها الاستراتيجية.
الضغط الأردني يزداد
- الأردن هي الدولة المهددة الثانية التي تتخوف من ترانسفير إسرائيلي يدفع سكان الضفة الغربية إلى مناطقها. الحرب الرديفة التي تجري في الضفة، وفي الأساس، ازدياد اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين - وتجاهُل حكومة نتنياهو لتحذيرات واشنطن- ترفع حدة الضغط الأردني. إلاّ إن عمّان أيضاً لا تستطيع القيام بالكثير، لا في الضفة، ولا في غزة. هذا بالإضافة إلى أنه تم الدفع بالأردن جانباً خلال المشاورات الأميركية بشأن النقاش في اليوم التالي للحرب في غزة، أو خلال نقاش أي حل سياسي يدفع به الرئيس بايدن.
- استقبال سكان غزة في مناطقها، بعد وجود نحو مليون لاجئ سوري في الأردن وبقايا لاجئين من حرب العراق، هو موضوع لا يمكن الحديث عنه. والأسوأ أن كل إضافة للاجئين فلسطينيين ستخل بالميزان الديموغرافي، الحسّاس أصلاً، وتقوّي الرؤية الإسرائيلية بأن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين. صحيح أن الأردن زاد في حدة تصريحاته العدوانية ضد إسرائيل، والنظام يتجاهل التظاهرات ضد إسرائيل أيضاً، إلا إن المملكة لا تزال حذرة من اتخاذ أي خطوات لا يمكن العودة عنها، وبذلك تفقد حزام الأمان الأميركي.
- صحيح أن الأردن ومصر يقفان كرأس حربة في معارضة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لكنهما ليسا الوحيدَين. لا يوجد أي دولة عربية وافقت على استقبال لاجئين من غزة، حتى تلك التي وافقت على استقبال لاجئين سوريين. التبرير المُعلن أيديولوجي - استقبال لاجئين فلسطينيين يعني "وأد القضية الفلسطينية"، بحسب الزعماء والصحافيين العرب. لكن السبب الرئيسي هو التخوف من أن تؤدي الأعداد الكبيرة للاجئين الفلسطينيين من غزة، إلى نشوء بؤرة جديدة وعدائية، وحتى إلى تهديد أمني داخل الدول العربية. ذلك بأنه على عكس اللاجئين السوريين والعراقيين، ليس لدى اللاجئين الفلسطينيين دولة للعودة إليها، بعد نهاية الحرب.
- يمكن سماع هذه المخاوف في لبنان أيضاً، بعد أن أعلنت "حماس" إقامة تنظيم جديد باسم "طلائع طوفان الأقصى"، يهدف إلى قتال إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وهو ما أدى إلى احتجاجات تخطت الأحزاب في الدولة، والقيادات من جميع أطراف النظام السياسي طالبت بالامتناع من العمل العسكري التابع لـ"حماس" من لبنان.
- دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بعيدة عن الحدود الغزية، وحتى الآن، تتطرق إلى الوضع في غزة على أنه كارثة إنسانية. السعودية تقود مجموعة من وزراء الخارجية الذين التقوا القيادات الصينية والروسية والفرنسية، ومن دول أُخرى، بهدف الدفع بوقف إطلاق نار بدوافع إنسانية، لكن ليس من أجل الحديث عن خطوات سياسية مستقبلية.
قيود التعاون العربي
- حالياً، هناك تهديد جديد للدول الخليجية، وهو تهديد الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر. وكالة "رويترز" نشرت خبراً هذا الأسبوع، مفاده أن السعودية توجهت إلى الولايات المتحدة من أجل "ضبط النفس" بشأن ردها على ضربات الحوثيين من اليمن، وذلك بأن الرياض تتخوف من أن يؤدي الرد الأميركي الحاد إلى إلحاق الضرر باحتمالات نجاح المفاوضات التي تدور بين السعودية والحوثيين لإنهاء الحرب، أو حتى إنها تعيد السعودية إلى قائمة أهداف الحوثيين.
- الإمارات والسعودية لديهما شؤون طارئة للانشغال بها، كتنسيق سعر النفط الدولي مثلاً، وهو ما كان في صلب زيارة الرئيس الروسي هذا الأسبوع. بوتين، الذي لا يخرج من المنزل تقريباً منذ بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، يمكنه أن يشعر بالأمان في السعودية والإمارات - ليس فقط بسبب الأسراب المقاتلة التي رافقته. الدولتان لم توقّعا اتفاقية محكمة الجنايات الدولية، التي أصدرت أمر اعتقال دولي ضد الرئيس الروسي.
- السعودية والإمارات لا تتبنّيان أيضاً العقوبات المفروضة على روسيا، والتبادل التجاري بينهما وبين روسيا يزداد. حتى أن بوتين صرّح، هذا الأسبوع، بأن "الإمارات هي الشريك التجاري الأهم لروسيا في الشرق الأوسط". هذا التصريح صحيح على الرغم من الحرب على غزة، لوصف علاقات إسرائيل بأبو ظبي أيضاً.
- الفجوات في مواقف الدول العربية وقراءتها للتهديد الناجم عن الحرب في غزة، لا يجب أن يكون مفاجئاً. في سنة 2011، اتخذت الجامعة العربية قراراً استثنائياً جمّد عضوية سورية في الجامعة العربية. استمرت مقاطعة سورية 12 عاماً، قبل أن تعود إلى الجامعة، من دون أن تغيّر سورية في سياستها تجاه مواطنيها. في سنة 2017، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً اقتصادياً على قطر بسبب ما تم تعريفه بأنه دعم "للإرهاب"، أي علاقاتها الوطيدة بإيران، وعمل شبكة "الجزيرة" كأداة للتحريض ضد الأنظمة العربية.
- استمر الحصار 4 أعوام حتى تم التوصل إلى مصالحة، ولم يحقق التحالف العربي أي نتيجة حقيقية. قطر لا تزال تعزز علاقاتها بإيران، و"الجزيرة" لم تُغلق، ولا تزال الدوحة تمول "حماس". يبدو أن الحرب في غزة تُضاف إلى الخلاصات العربية، وبحسبها، هناك قيود على القدرة على تنظيم عمل جماعي ضد خطوات عسكرية، أو سياسية، في المنطقة.
- المحور الوحيد الذي يمكنه أن يضمن نجاح هذه الخطوات هو نفسه الذي يربط ما بين الدول العربية وبين واشنطن. لكن يبدو أن هذا المحور، حتى الآن، لا يتأثر كثيراً بالضغط العربي، وقرارات الرئيس جو بايدن - وضمنها القيود التي يفرضها على إسرائيل - تنبع في الأساس من ضغط سياسي داخلي في الولايات المتحدة، أساساً، بسبب الثمن الإنساني الصعب الذي يدفعه الغزيون، أكثر من التخوف من أزمة مع الدول العربية.