إسرائيل لا تقوم بمهاجمة نقاط ضعف قطاع غزة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • يبدو الهدفان اللذان وضعتهما إسرائيل لهذه الحرب، وهما إسقاط سلطة "حماس" واستعادة المخطوفين (أحياء)، بعيدين عن التحقّق في هذه الأيام. يتمثل السبب الرئيسي الكامن وراء ذلك في اختيار استراتيجيا خاطئة. تستند الاستراتيجيا الإسرائيلية إلى جهد واحد فقط: استخدام القوة العسكرية. وبحسب هذا النهج، يتعين علينا مراكمة مزيد ومزيد من الانتصارات التكتيكية الصغيرة، وحين نتمكن من الوصول إلى الكتلة الحرجة الناجمة عن تراكمات هذه النجاحات التكتيكية (المتمثلة في قتل "الإرهابيين"، وتدمير الأسلحة)، ونتمكن من كسر القدرات العسكرية التابعة لحركة "حماس"، وهذا ما سيؤدي إلى تقويض سلطتها.
  • ينسجم هذا النهج مع السردية الأميركية الخاطئة، التي نتنباها من دون اعتراض، والتي تقضي بأن حركة "حماس" هي فعلاً "منظمة إرهابية شريرة"، وتجوز محاربتها، لكن يوجد مليونان من المدنيين الذين "علقوا" في ساحة المعارك من دون ذنب، ويجب علينا حماية حياة هؤلاء، لا بل تقديم كل ما يحتاجون إليه. حسناً، ما من علاقة بين هذا التوصيف الساذج وبين الواقع. الواقع هو أن غزة أصبحت دولة معادية منذ وقت بعيد، وكما هي حال ألمانيا النازية في الماضي، لقد نجح يحيى السنوار في تجنيد الدعم المطلق من السكان، ومن المؤسسات المدنية (مدراء المدارس والمستشفيات)، إلى جانب وكالة الغوث، التي تبدو ظاهرياً، كإحدى أذرع الأمم المتحدة، وهي تعمل في الواقع كمؤسسة سلطوية تابعة لحركة "حماس".
  • عندما نخوض حرباً ضد دولة معادية مجاورة، من المناسب تحديد نقطة ضعف العدو والعمل ضدها، لا العمل ضد المكوّن القوي للدولة. إن العنصر الأقوى في دولة غزة هو تلك القوة العسكرية المذهلة التي تمّ بناؤها على مدار 15 عاماً، بتمويل قطري ومساعدة إيرانية. أما نقطة ضعف دولة غزة، فتتمثل في افتقارها إلى أي موارد مدنية: لا طعام، ولا غاز للطبخ، ولا وقود، بل حتى ولا ماء (بعض الماء توفره إسرائيل، والبقية تتوفر بواسطة تحلية مياه الآبار التي تضخ مياهاً مالحة).
  • إن إسقاط نظام "حماس"، كما فهمنا، هو هدف الحرب. وبناءً عليه، فإن الأنظمة تسقط، عموماً، نتيجة الضغوط الداخلية. انظروا مثلاً إلى "الربيع العربي" وما حدث في مصر، وتونس، وليبيا، وما كاد يحدث في سورية. ما من أمر يوتّر ديكتاتوراً أكثر من الجموع المحبطة والجائعة. يجب أن يكون استنتاجنا واضحاً هنا: علينا فرض حصار على دولة غزة، واستغلال المناورة البرية من أجل تقطيع القطاع إلى ثلاثة أجزاء، ومن دون أن يكون في الإمكان نقل الإمدادات من منطقة إلى أُخرى.
  • بدلاً من اتباع هذا النهج، يجري أمر مذهل؛ فقبل نحو خمسة أسابيع، توصلنا إلى اتفاقية مع "حماس"، نتسلم بموجبها مخطوفين، عشرة في كل يوم، في حين تحصل الحركة على ثلاثة أمور: وقف إطلاق النار، تحرير أسرى من سجون إسرائيلية، وفتح معبر رفح أمام الإمدادات: 200 شاحنة وبضع حاويات وقود. بعد ذلك بأسبوعين، قامت حركة "حماس" بخرق الاتفاقية، وفي أي حال، بعد ثلاثة أسابيع لم يعد خلالها أي مخطوف. من ناحية أخرى، تواصل إسرائيل في هذه الأثناء الالتزام بالبند الثالث من الاتفاقية: الإمدادات. علاوةً على ذلك، تزيد في حجم هذه الإمدادات. ما من عجب إذاً في أن السنوار يجلس في مخبئه ويبتسم، فإسرائيل تساعده في القتال ضدها.
  • هناك مَن يدّعي أنه ما من خيار أمامنا سوى القيام بذلك، لأن هذا المطلب أميركي. من الواجب هنا أن نرد على هذا الادعاء بثلاث نقاط: فأولاً، دعونا نفصل بين المتغيرات، ونسأل أولاً: ما هي المصلحة الإسرائيلية، إذا تمثلت في منع توفير المؤن للعدو، فعلينا أن نرى كيف يمكننا توضيح ذلك للأميركيين.
  • ثانياً، لم يوضح أحد للأميركيين أمرين: الأول، واقع غزة، حيث 90% من سكانها مؤيدون متحمسون لحركة "حماس"، وجميع نساء غزة "المسكينات" هنّ أمهات، أو أخوات، أو زوجات، مَن قاموا بتنفيذ المجزرة الفظيعة. وثانياً: غزة ليست الموصل، و"حماس" ليست "داعش". فهذه المنطقة تحولت إلى الهدف الأكثر تحصيناً في تاريخ الحروب. لا يمكننا التفريق بين "حماس" والمدنيين، ولن نتمكن من تحقيق النصر في وقت قصير. إذا كنا نبحث عن تشبيه يمكن للأميركيين فهمه، فعلينا أن نستخدم المعركة الأميركية لاحتلال جزيرة أوكيناوا في ربيع 1945. لقد قاتل اليابانيون من وسط أنفاق وتحصينات تحت أرضية، وقُتل خمسون ألفاً من الأميركيين، ونحو مئة ألف من المدنيين، بالنار الأميركية، إذ استخدمهم اليابانيون كدروع بشرية. من ناحية التحدي العسكري، فإن غزة هي أوكيناوا، مضروبة بعشرة أضعاف.
  • وثالثاً، أنتم، الأميركيون، تريدون أن تكون الحرب في غزة قصيرة، وأن تسفر عن قتل الحد الأدنى من المدنيين. ما يمكنه تحقيق هذين الهدفين الحصار المشدد، لا غير.
  • للأسف الشديد، هناك أيضاً تحدٍّ رابع يواجهنا في التعامل مع الأميركيين: يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلي مواجهتهم بالذات بشأن موضوعين آخرَين. إذ يشكو الأميركيون (بحق) من تنكيل المستوطنين بسكان الضفة الغربية. ويتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن الأمر طوال الوقت، لكنه يُستقبل بنظرات استنكار من سموتريتش وبن غفير، في ظل تجاهُل نتنياهو. أما الموضوع الثاني فهو "اليوم الذي يتلو الحرب". إن الإجابة الوحيدة التي تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة هي أن السلطة الفلسطينية لن تدخل إلى غزة، لكننا لا نسأل الأميركيين مَن الذي سيدخل إليها. وهكذا، عندما نواجه الأميركيين في هذين الموضوعين اللذين لا يساهمان في شيء، لن يكون في إمكاننا مجادلتهم في الأمر الوحيد المهم حقاً، وهو أن عليهم إدراك ثلاثة أمور:
  1. توفير الإمدادات لغزة، ليس "مساعدات إنسانية"، بل يصل إلى حكومة "حماس"، ويوفر لها مساحة كبيرة للتنفس، وهذه هي الحقيقة.
  2. لا يمكن سقوط أي سلطة في الدول العربية إلا حين يثور الشعب. وحتى اليوم، لا يجد الشعب في غزة سبباً للتمرد على حاكم يهتم بتوفير الغذاء، والماء، وغاز الطبخ، والوقود.
  3. الرئيس بايدن ملتزم ببذل الجهود لاستعادة المخطوفين. والسياسة المعمول بها حالياً تضمن عدم حدوث ذلك، فلا يوجد ضغط فعال في هذا الشأن.