في غزة، وفي لبنان، وداخل الحكومة- آن أوان اتخاذ القرارات الحاسمة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • إن الحرب التي تشنها إسرائيل على "حماس" ليست مجرد صراع محلي ضد منظمة "إرهابية". فما هو على المحك هنا يتمثل في انتصار أخلاقيات المجتمعات الليبرالية في العالم، على المنظمات "الإرهابية"، وتتوقف على ذلك قوة التحالف الغربي- العربي المناهض لإيران، ومكانة الولايات المتحدة. لهذا السبب، عاد وزير الدفاع الأميركي، أوستن لدى زيارته البلد، كما هي حال مَن سبقوه، إلى التعبير عن الدعم الكامل لحاجة إسرائيل إلى الانتصار.
  • إن تحوّل الولايات المتحدة على مدار الأعوام الماضية إلى الانشغال بالتهديد الصيني وأوكرانيا، إلى جانب ما شاب العلاقات بينها وبين إسرائيل نتيجة التوتر السائد مع حكومات نتنياهو، أمور خلّفت فراغاً إقليمياً سرعان ما هبت إيران إلى ملئه. وشرعت إيران، بدعم من روسيا والصين، في بناء حلف مقاومة إقليمي بدأ يستقطب إليه السعودية، ودول الخليج، وأيضاً مصر. أما قرار السنوار المتسرع بشأن مهاجمة إسرائيل، بتشجيع من إيران، فسيؤدي إلى تدميره هو، ويتيح لنا خلق تحوّل في مسار النجاحات الإيرانية، والتمكن من إحداث انقلاب إقليمي، لكن هذا كله مشروط بالقضاء على "حماس". إن غزة تمثل فرصة هائلة لإطلاق عدة إجراءات ستعيد إحلال النظام القديم، بقيادة الولايات المتحدة،  في الإقليم، وتوجيه ضربة خطِرة لاستراتيجية التوسع الإيرانية.
  • تدرك واشنطن حجم المخاطر الكامنة في الأمر، لكنها أيضاً تدرك حجم الفرص التي ستنشأ بعد القضاء على "حماس"، وبدأت تدرك أنه بات من الضروري، بالنسبة إليها، خلع القفازات الحريرية لدى التعامل مع محور إيران. إن إنشاء تحالف من أجل مواجهة الحوثيين والحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر، ليس سوى الخطوات الأولى على هذه الطريق. أما بايدن، الذي يبرز الآن كزعيم قوي، فسيكون مطالباً بسرعة شديدة باتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة عسكرية إلى اليمن، يمكن لها أن تمثل للأميركيين، استعراضاً عالمياً لأهدافها يمكّنها من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، على الرغم من أنه لا يخلو من المخاطر.
  • لإسرائيل والولايات المتحدة مصالح مشتركة في بتر جميع أذرع إيران العسكرية الخارجية، وهي خطوة مهمة، من شأنها تفكيك الدفاعات الإيرانية الإقليمية. فمن دون "حماس"، والحوثيين، وحزب الله، سيظل رأس الأخطبوط مكشوفاً للضربات وضعيفاً، وهذا ما سيتيح التوصل إلى حل سياسي بشروط محسّنة من أجل وقف المشروع الإيراني النووي، ووقف اتساع التأثير الإيراني في الإقليم، ووقف الإمدادات العسكرية الإيرانية الموجهة إلى روسيا.
  • لإسرائيل دور مركزي في قيادة تفكيك مكونَين مركزيَين لإيران، أي "حماس" وحزب الله. صحيح أن هاتين الخطوتين ستُدخلان إسرائيل في حالة حرب طويلة، لكنهما ستحسّنان، بصورة واضحة، حالة الأمن القومي الإسرائيلي على مدار سنوات طويلة، مستقبلاً. ستُمكّن هاتان الخطوتان من استعادة الردع الإسرائيلي، واستعادة القوة الإقليمية لإسرائيل، بصفتها الحليفة الأولى للولايات المتحدة في الإقليم.

 

معضلتا إسرائيل في كلّ من غزة ولبنان

  • يوماً بعد يوم، تصبح المعضلة الكامنة على الحدود الشمالية تتطلب حسماً ضرورياً. ويبدو أن نصر الله غير عازم على التوجه نحو تصعيد شامل، بل إنه يسعى فقط للحفاظ على مواقعه على الحدود الشمالية، في حين أن إسرائيل باتت مطالبة باستجماع مزيد من الشجاعة، والذهاب، عسكرياً، إلى نقطة أبعد، وبصورة أشد، لا أن تنحصر أهدافها في إبعاد حزب الله إلى بضعة كيلومترات معدودة عن السياج الحدودي، بل أن تفرض على الحزب، عسكرياً وسياسياً، تطبيق القرار رقم 1701 الذي يفرض على الحزب الابتعاد إلى ما وراء خط الليطاني، لكي يتمكن سكان الشمال من العودة إلى بلداتهم، من دون أن تكون منازلهم مهددة. فإن لم تقم إسرائيل بذلك، فستكون للأمر عواقب تجعل إنجازات "حماس"ضئيلة في مقابل ما سيحدث، بل إنها ستعزز مكانة نصر الله، بصفته تهديداً هائلاً نجح في ردع إسرائيل.
  • أما بشأن غزة، فمن المحتمل أن تنتهي المرحلة الهجومية في أواخر كانون الثاني/يناير. وسيتعين على الجيش الإسرائيلي، من أجل استكمال تحقيق مهماته، أن يتموضع في خط دفاعي متقدم في فترة لا تقل عن نصف عام إضافي، في الخطوط التي وصل إليها حتى الآن. من دون ذلك، لن يتمكن من تحقيق أهداف الحرب: استعادة جميع المخطوفين؛ القضاء على قيادة "حماس"؛ نزع سلاح الحركة وبنيتها التحتية في القطاع بصورة شاملة؛ بناء خط دفاعي مستقبلي؛ وفصل القطاع عن سيناء. إن الدعم الأميركي في هذا الشأن ضروري لكي نتمكن من الحصول على الرصيد الائتماني الزمني المطلوب، والأمر مشروط بتوفير الإمدادات الإنسانية الواسعة النطاق للاجئين، وبقدراتنا على طرح حل مدني جاد على الطاولة، فيما يتعلق باليوم التالي للحرب.
  • بعد الحرب، لن تتمكن أي جهة أجنبية مصطنعة من السيطرة على غزة. إن محاولات إسرائيل السابقة تنصيب أنظمة عميلة لها، ابتداءً من روابط القرى في الضفة الغربية في الثمانينيات، ووصولاً إلى "المسيحيين في لبنان في إبّان حرب لبنان الأولى"، إلى جانب محاولة الأميركيين الشبيهة التي فشلت في جميع حروبها، لن تصمد في غزة أيضاً. ومَن يدفع ثمن هذا الإخفاق ستكون إسرائيل وسكان "غلاف غزة" الذين سيعودون فوراً للعيش في ظل التهديد، هذا إن لم نتمكن من التوصل إلى حل مستدام.
  • يتمثل الحل المحتمل في إقامة حكومة محلية غزية لا تتبع لـ"حماس": زعيم ذو مكانة عالية، آتٍ من غزة، يحظى بثقة المصريين والخليجيين والولايات المتحدة، ولديه ما يخسره إذا نهضت "حماس"من جديد. إن مرشحاً مثل محمد دحلان، من شأنه أن تنطبق عليه جميع هذه المعايير، وسيكون قادراً على بناء غزة كمنظومة مدنية- اقتصادية، مستقلة تشغيلياً، وغير معتمدة على إسرائيل، بقدر الإمكان.

 

المطلوب راهناً، وعاجلاً: حكومة طوارئ وطنية

  • لكي تتحقق هذه الإجراءات الكبيرة، وتشكل ضمانة لنتائج الحرب، على إسرائيل السير مع الأميركيين، جنباً إلى جنب، إلى جانب التفكير الاستراتيجي واتخاذ القرارات الشجاعة على مستوى سياسي رفيع. للأسف الشديد، لا يمكن للحكومة الراهنة أن تتحمل ثقل هذه القرارات وثقل هذه المسؤولية التاريخية الموضوعة على كتفيها. إن نتنياهو مرغوب كثيراً من شركائه، الذين يشكلون عبئاً ضاراً على تحقيق أهداف الحرب. وفي ضوء خشية الرجل من تركهم له، فهو يفضل تبذير ائتمان الوقت الأميركي المصيري الممنوح له، من أجل القيام ببهلوانيات سياسية على حساب الأميركيين، من أجل إرضاء مَن تبقى من ناخبين لديه، وهذا يُعتبر تفويتاً كبيراً جداً للفرصة، يمس بصورة كبيرة بإنجازات الحرب.
  • في المقابل، يبقى بني غانتس في ورطة صعبة: فهو سيتحول بسرعة شديدة من منقذ لإسرائيل في أثناء الحرب [نتيجة قبوله الانخراط في حكومة الحرب وتوفير الدعم لحكومة نتنياهو]، إلى منقذ نتنياهو للمرة الثانية. من جهة أُخرى، فإن احتمال انسحابه من الحكومة في وقت الحرب قد ينقلب عليه، ويجعله يظهر بمظهر مَن تخلى عن واجبه في وقت الحرب، وهو ما سيضر بمكانته وقوته الشعبية، إلى جانب التسبب بإضعاف إنجازات الحرب.
  • تتوفر هنا فرصة منطقية واحدة، تتمثل في إدراك أهمية اللحظة التاريخية وإنشاء حكومة طوارئ وطنية حقيقية من خلال ضم ليبرمان، وإرسال  سموتريتش وبن غفير إلى المنزل. إن حكومة تدرك ثقل القرارات المطلوبة، بالاستناد إلى رؤية شجاعة وتاريخية، ستضمن اتخاذ القرارات الصحيحة التي توجهها رؤية سياسية صائبة، حكومة تكون قوتها كامنة في التكافل المشترك الكامن فيها، وعلى الرغم من أن ولايتها ستنتهي في نهاية الحرب، لكنها ستضمن تنفيذ القرارات الصحيحة سياسياً. ستكسب جميع الأطراف المشاركة في هذه الحكومة من الإنجاز المحتمل، وسيعود الجمهور ليثق بقراراتها، أما هي، فلن تضحّي بإنجازات هذه الحرب الباهظة الثمن، من أجل تحقيق أهداف سياسية ضيقة تتمثل في التشبث بالمناصب.