كيف يمكن "تفسير" الفظائع في غزة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- لا توجد طريقة "لتفسير" السلوك الإسرائيلي في غزة. الأحجام المروعة للدمار، والقتل، والتجويع، والحصار، لا تسمح بتقديم تفسير بعد الآن، ولا حتى من خلال آلة دعاية ناجعة، مثل الدعاية الإسرائيلية. الوضع الذي أدخلت إسرائيل نفسها فيه غير قابل " للتفسير الدعائي" (hasbarable) المصطلح الذي اخترعه الدبلوماسي الإسرائيلي يوحنان مروز.
- لا توجد دعاية يمكنها تغطية كل هذا الشر. وحتى إن المزيج الإسرائيلي الدائم من التضحية والحياة اليهودية وشعب الله المختار والمحرقة، لا يمكنه طمس الصورة. إن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر المرعبة لم ينسَها أحد، لكنها لا تبرر الفظائع في غزة. ولم يولد بعد مَن يستطيع أن يفسّر مقتل 162 طفلاً في يوم واحد، الرقم الذي نشرته شبكات التواصل، هذا من دون الحديث عن مقتل نحو 10.000 طفل في شهرين.
- لقد أنشأت إسرائيل لنفسها نسخة محدّثة من "ياد فاشيم" [متحف ذكرى المحرقة النازية]. المئات من رجال الأعمال اليهود من الولايات المتحدة يصلون في جسور جوية لزيارة الكيبوتسات المحروقة في الجنوب. حتى إن ناتان شارانسكي [من أهم المدافعين عن هجرة اليهود من الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى إسرائيل، وشغل مناصب وزارية] زار هذا الأسبوع كفار غزة، لكي يرى ماذا فعل "المعادون للسامية" بنا. ولن يصل أي ضيف رسمي إلى دولة إسرائيل من دون أن تُفرض عليه زيارة كيبوتس بئيري، وإذا تجرأ، وحوّل نظره إلى قطاع غزة، فإنه يُتهم بالعداء للسامية.
- الآن، الدعاية الإسرائيلية هي أداة غير أخلاقية. وكل مَن يكتفي بالصدمة التي تسببوا بها لنا، ويتجاهل ماذا نفعل بهم منذ ذلك الحين، هو إنسان بلا أخلاق، وبلا ضمير. لا يمكن تجاهُل ما يحدث في غزة، ونشرع في الصدمة فقط مما جرى في كفار غزة. من الواضح أن من واجبنا أن نظهر، وأن نروي للعالم ماذا فعلت بنا "حماس". لكن أن تبدأ الرواية وتنتهي هنا، من دون أن نروي تتمتها، هو عمل حقير.
- إلى جانب المعاناة الإسرائيلية المروعة التي لا يمكن التقليل من أهميتها، الآن، هناك المعاناة الأكبر كثيراً في قطاع غزة. معاناة بأحجام هائلة، وتبعث على اليأس، ولا تفسير لها، ولا حاجة إلى ذلك. إذ تكفي التقارير التي تخرج من غزة، وتُبَث في شتى أنحاء العالم، باستثناء دولة صغيرة، عيونها مغلقة، وقلبها من حجر.
- الدعاية الإسرائيلية هي عملية خداع. فهي تروي رواية لا تمثل الحقيقة الكاملة. والعمل الدعائي يصبح عملاً مشيناً في حال إخفاء أكثر من نصف الحقيقة. لكن على ما يبدو، ليس في إسرائيل. هنا، تتحول شخصية سخيفة، مثل نوعا تشيبي [ممثلة إسرائيلية نشرت الصحف صورتها مع بني غانتس وهو يقبّلها على خدها]، تحولت إلى بطلة اللحظة. الهجوم الغبي على بني غانتس لأنه حضر حفلة في منزل إيل فيلدمان، تكريماً لابنته التي قُتلت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يبتسم، ويحمل كأساً من الخمر في يد، ويحضن نوعا تشيبي في الثانية، لم يفهم الأمر الأساسي.
- الشيء الأساسي هو أن الذين يقومون بالتضليل، تحولوا هنا إلى أبطال. أتصفح صفحة نوعا تشيبي على منصة "إكس"، وأشعر برغبة في التقيؤ. صور نتالي دادون [عارضة أزياء وممثلة] مع الدموع والابتسامات الهوليودية مباشرةً من الغلاف. تقول مهاجرة وصلت للتو إلى إسرائيل، إن الشعب اليهودي هو الشعب الأصلي في إسرائيل، نحن من هنا. وكانت فور وصولها من المطار، هرعت إلى الملجأ، وصورت نفسها هناك من أجل التأثير في قلوب "أصدقاء إسرائيل"، ودفعهم إلى البكاء.
- ... تريدون أن تعرفوا كيف سيبدو الشرق الأوسط، بعد القضاء على "حماس"؟ غزة مدمرة بالكامل، ومليونا شخص من دون مأوى في مواجهة دولة أبارتهايد.