من دون استراتيجيا، تخوض إسرائيل حرباً متعددة الجبهات، وتأمل بأن تسير الأمور لمصلحتها
تاريخ المقال
المصدر
- مع بداية الأسبوع الـ13 للحرب، تخوض إسرائيل معركة متعددة الجبهات وشديدة التعقيد والتفجر بأيادٍ مكبلة، طوعاً. بدلاً من تسخير كل مواردها من أجل المعركة ووضع أي اعتبار آخر جانباً، تغرق إسرائيل من جديد في مستنقع سياسي كان يهدد بإغراقها قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. والدلائل على ذلك كثيرة، لكن أحدثها وأكثرها إثارةً للغضب، هو تأجيل النقاش بشأن "اليوم التالي" للحرب في غزة. لأن معنى هذا أن سلامة البلد ومستقبلها أقل أهميةً من سلامة ومستقبل الائتلاف الحكومي.
- هذا النقاش مهم لثلاثة أسباب. الأول، من المهم أن تبلور إسرائيل مستقبلها بنفسها، وألاّ تنتظر حدوث أمور، أو أن يأتي مَن يقودها في اتجاه لا ترغب فيه. الثاني، لأن هذا النقاش مهم بالنسبة إلى شركائها، وفي طليعتهم الولايات المتحدة، وكذلك هو مهم بالنسبة إلى دول أوروبية، وفي المنطقة، تقدم لنا دعماً مهماً في المعركة. والسبب الثالث، لأن الجيش لا يمكنه خوض معركة من دون أن يوضحوا له إلى أين يجب أن يصل في نهايتها.
- وهذه كلها أمور بديهية. وفي الواقع، يمكننا أن نستنتج من عدم وجود نقاش كهذا، أن مَن لا يريده لا يفهم شيئاً في الاستراتيجيا، أو لا يهمه ماذا سيجري في إسرائيل في المستقبل. ونظراً إلى أن نتنياهو يفهم في الاستراتيجيا، ومن المعقول أن يكون مستقبلنا مهماً بالنسبة إليه، يمكننا فقط القول إنه أسير بين أيادي المسيانيين المتطرفين الذين يقودون الدولة ومستقبلها نحو طريق خطِر.
- كعادته، يأمل نتنياهو بأن تسير الأمور لمصلحته في هذه الأثناء. لكن ثمة شك في أن هذا سيحدث هذه المرة في مواجهة متعددة الساحات والتهديدات. وفي الواقع، إن هذا لم يغيّر شيئاً. لقد كان يتعين على نتنياهو الرد بصورة واضحة على التهديد الوقح من بن غفير وسموتريتش بحل الحكومة في أثناء الحرب، وأن يقول لهما: لا أحد يهدد دولة إسرائيل خلال الحرب. وبالتأكيد ليس وزراؤها. يمكن الحديث عن كل شيء، لكن من الممنوع توجيه مسدس إلى صدغ الدولة، بينما يحاربها أعداؤها.
- من سوء الحظ أن نتيناهو يخاف من شركائه، ولا يتعامل معهم كما يجب. وهو بذلك يزيد في ابتزازهم له. والأسوأ أنه يُضعف إسرائيل. لا يمكن خوض معركة معقدة ودموية في الجنوب، من دون استراتيجيا واضحة بشأن كل موضوع محتمل: المخطوفون، اللاجئون، المساعدة الإنسانية، أيام القتال والعتاد العسكري، وكذلك مسألة "اليوم التالي للحرب". لا يمكن خوض معركة بالتوازي في الشمال، من دون استراتيجيا توضح إلى أين نحن ذاهبون من هنا، وما هو الثمن الذي نحن مستعدون لدفعه إلى كل الأطراف- من حزب الله، مروراً بسورية، ووصولاً إلى إيران.
- في غياب الاستراتيجيا، تتصرف إسرائيل على المستوى العملاني التكتيكي. وسجلت عدداً لا بأس به من الإنجازات في غزة والشمال: الهجوم المنسوب إلى إسرائيل في الأمس، قبل الفجر، على الحدود العراقية- السورية، أحبط عملية تهريب السلاح من إيران إلى حزب الله، وجاء تتمةً لمجموعة من الهجمات التي شُنت في الأيام الأخيرة ضد شحنات السلاح في دمشق. يبدو أنه بعد تعطُّل الخط الجوي، تحاول إيران استخدام الممر البري من جديد. ومع ذلك، لم تنجح إسرائيل في ضرب الحوافز الإيرانية، والضربات المحدودة التي توجهها إلى التنظيمات الدائرة في فلكها محدودة، ولا تغيّر الواقع في الشمال.
- واستمراراً لجبنها إزاء إجراء نقاش عميق، تتخوف الحكومة من أن تقول الحقيقة للجمهور. مثلاً، هي تخاف من أن تقول له إن الجيش الإسرائيلي لن يبقى في غزة مدة طويلة، وفق الشكل الحالي، وأنه سيغيّر تموضُعه كجزء من استمرار المعركة. أو أن أغلبية سكان الجنوب يستطيعون العودة إلى منازلهم لأن التهديد أصبح ضئيلاً، وأنه حتى في المستقبل المنظور، من المحتمل أن يستمر إطلاق الصواريخ المتقطع، ولا يجب الاستمرار، من أجله، في وقف العمل في جزء كبير من الاقتصاد.
- وهي لا تجرؤ على أن تقول لهم إنه لا يوجد الآن حل ناجح لوجود حزب الله على السياج الحدودي في الشمال، من دون الدخول في حرب واسعة النطاق، لذا، من المحتمل أن يجري التوصل إلى حل سياسي- مرحلي موقت، وإلى جانبه، سيبقى الجيش بقوات كبيرة على طول الحدود من أجل السماح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم. أو أن الوضع الاقتصادي الصعب يفرض علينا تقليصات واسعة النطاق، هدفها منع الانهيار.
- لقد امتنعت الحكومة من قول كل هذه الأمور. وبدلاً من ذلك، هي تزرع الأوهام وتواصل الانشغال بالسياسة. الرئيس الأميركي جو بايدن قال هذا الكلام بوضوح لنتنياهو: بينما يدفع بايدن ثمناً باهظاً، داخلياً، بسبب موقفه من إسرائيل في سنة انتخابات، فإن نتنياهو يرفض أن يدفع ثمناً سياسياً هنا في إسرائيل.
- المشكلة هي أن هذا الكلام يمكن أن يتحول إلى أفعال، وستضطر إسرائيل إلى إطفاء الحرائق، أو تصل إلى نقطة بشروط أقل ملاءمةً لها. وهذا يمكن أن يحدث، تحديداً، في مسألة المخطوفين، فإذا تحقق المخطط الذي يجري الحديث عنه الآن، فستدفع إسرائيل ثمناً أغلى من الثمن التي كانت ستدفعه قبل شهرين، في مقابل إطلاق المخطوفين.
- ذات مرة، قال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق، إن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط. لقد كان هذا صحيحاً، آنذاك، وللأسف الشديد، لا يزال صحيحاً اليوم أيضاً، لا بل تضاعف. إسرائيل غير منشغلة فقط بسياسة صغيرة، بل ليس لديها استراتيجيا، لديها فقط تكتيك، ولقاء هذا، هي ستدفع ثمناً باهظاً.