هناك مسار واحد يمكنه إنقاذنا من الغرق في وحل غزة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر هي الأخطر في تاريخ الدولة. 1300 قتيل و250 مخطوفاً، فضلاً عن الإذلال والتقصير والخلل في أداء عمل المنظومة السياسية، كل ذلك خلق أزمة ثقة كبيرة، ومتعددة الأبعاد، وغير مسبوقة. المنظومة الأمنية عادت إلى رشدها بسرعة، وانتقلت فوراً إلى شن حرب ضد "حماس"، من خلال إظهار الوحدة والتكاتف المثير للإعجاب مع المقاتلين، من كل أطياف الجمهور الإسرائيلي، وعلى الرغم من الخلافات التي قسّمتنا في العام الماضي، دعماً للذين يخاطرون  بحياتهم من أجلنا، كتفاً بكتف.  لقد انكشف تقصير المنظومة السياسية والاقتصادية. أما المنظومة المدنية فقد حلت محلها المساهمة الكبيرة من المجتمع الإسرائيلي، ومن المتطوعين، وعلى رأسهم "أخوة في السلاح".

 

ماذا تحقق حتى الآن؟

  1. لا تزال "حماس" تسيطر على منطقتَي رفح والمواسي، اللتين يوجد فيهما أكثر من مليون ونصف مليون شخص، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين في القطاع.
  2.  لقد تضررت القدرة العسكرية لـ"حماس" بشدة داخل المناطق التي يتحرك فيها الجيش الإسرائيلي، لكن حتى هناك، لا تزال "حماس" قادرة على شن هجمات من الخلف، والمضايقة،  ولا تزال تحافظ على قدرة عملانية كبيرة في الأجزاء الأُخرى من القطاع، التي لم تهاجَم بعد.
  3. يوجد 129 مخطوفاً في حيازة "حماس"، نحو 20 منهم لم يعودوا في قيد الحياة، وجزء منهم يُستخدَمون دروعاً بشرية للسنوار وقيادة الحركة. لا توجد صفقة ملموسة مطروحة، وتطالب "حماس" "بإنهاء القتال"، ويجب عدم الموافقة على ذلك كشرط للصفقة.
  4. تستمر المواجهة مع حزب الله، في ظل تكبُّد الطرفين أضراراً كبيرة. ومن المحتمل أن تتوسع إلى مواجهة واسعة تضطر فيها إسرائيل إلى استخدام قوة أكبر لإبعاد حزب الله عن الحدود، إذا فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق سياسي لتطبيق القرار 1701.

 

اليوم التالي

  • في مواجهة هذه الظروف، ومن أجل تحقيق أهدافها، كان يجب على إسرائيل، منذ اليوم الأول للحرب، البحث في مخطط "اليوم التالي" مع الأميركيين، ومع مصر والأردن والإمارات والسعودية، وهذه الدول هي جزء من محور الدول المعتدلة  الذي بلورته الولايات المتحدة، في مقابل "محور الدول المارقة"، الذي يشمل إيران وسورية وحزب الله و"حماس" والجهاد الإسلامي، بتأييد من روسيا. هناك مثل روماني قديم يقول: "إذا كنت لا تعرف إلى أي مرفأ تريد الوصول، لا توجد رياح تحملك إلى هناك"، وهذا ينطبق على حكومة إسرائيل في هذه الأيام.

 

ماذا تريد إسرائيل؟

  • إسرائيل غير مستعدة، وهي محقة في ذلك، للقبول باستمرار سيطرة "حماس" على غزة، وأن تشكل تهديداً لمواطنيها. وهي تسعى للقضاء على قدراتها العسكرية والسلطوية، واستبدالها بجهة أُخرى. من ناحية ثانية، لا تخطط إسرائيل (باستثناء بن غفير وسموتريتش) للبقاء بصورة دائمة كحاكم مدني في غزة، ولتحمُّل مسؤولية مليونَي فلسطيني، مع كل ما يترتب على ذلك . والفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان آخر. ومَن يؤمن بأن في الإمكان تحقيق "الهجرة الطوعية" لمليونَي غزّي ـ وتحقيق "الترانسفير" في سنة 2024، فإن حلمه هو مجرد حلم صيف.

 

المسار الصحيح

  • مَن يستطيع تحمُّل المسؤولية؟ لا يوجد حاكم عربي، حتى من بين أصدقاء إسرائيل، يقبل أن يفعل ذلك بصورة دائمة.  الحل المعقول هو قوة عربية من الدول التي وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل، أو اتفاق تطبيع، وحتى السعودية. على سبيل المثال، قوة بقيادة مصر ودعم من الولايات المتحدة والجامعة العربية. قوة تحمُّل من إسرائيل على السيطرة على القطاع حتى الانتهاء من تفكيك سلطة "حماس"، ولفترة زمنية محدودة، تتراوح بين نصف عام وعام، مع إمكان التمديد. خلال هذه الأشهر؛ تعمل هذه القوة، بالتدريج، على استعادة السلطة الفلسطينية "المعززة" السيطرة المدنية على القطاع، وتعمل هذه القوة إلى جانب السلطة الفلسطينية لفترة زمنية أُخرى، تسمح بتفكيك ما تبقى من قدرات عسكرية لـ"حماس"، وخصوصاً الصواريخ والعتاد العسكري.
  • مع مراعاة حاجات إسرائيل الأمنية: إيجاد إطار حرية العمل المضاد، ورقابة أمنية ضد دخول السلاح، وغيرها، ويمكن لدول "محور الاعتدال"، في الأساس السعودية والإمارات، أن تكون الجهة الممولة لمشاريع إعادة بناء البنى التحتية في غزة...

 

المزيد من التفاصيل عن المخطط

  • هذا المخطط لحل معقول، والوحيد تقريباً. مَن يحاول إفشاله، سيكون المسؤول عن غرق إسرائيل في الوحل الغزّي أعواماً طويلة، وهذا الوضع، أضراره كبيرة ودموية. أو إعادة "حماس" إلى السلطة، أو الفوضى الخطِرة جرّاء سيطرة العصابات والعشائر. ومن الممكن إنضاج الحلول، مع تغييرات معينة بشأن تفصيلات محددة، ونتيجة المفاوضات والتنسيق المطلوب. من الواضح أن على السلطة القيام بقفزة حقيقية من أجل تحسين قدرتها على العمل، ومن الواضح  أيضاً أن أجهزة السلطة يجب أن تشمل أشخاصاً من غزة، بينهم تكنوقراط، مع خلفية إسلامية، لكنهم لم يشاركوا في العمليات "الإرهابية". هذا الحل ليس مثالياً، لأن مثل هذا الحل غير موجود. يجب أن نختار البديل العملي الذي يمحو "حماس" ككيان "إرهابي" مع قدرات عسكرية على حدودنا. وهذا المخطط يمكنه أن يواجه هذا الاختبار.

 

لماذا أميركا؟

  • إسرائيل دولة ذات سيادة. ونحن مَن يقرر المسائل الحيوية  التي تتعلق بأمننا ومستقبلنا. وحتى أقرب أصدقائنا الذين أثبتت هذه الأيام أنهم لا يستطيعون إجبارنا على العمل ضد مصالحنا. لكن قراراتنا يجب أن تكون مرتبطة جيداً بأرض الواقع. والولايات المتحدة دولة ذات سيادة، وهي من أقوى وأهم الدول في العالم. عندما نطلب منها احترام سيادتنا، يجب أن نحترم سيادتها. وللولايات المتحدة مصالحها الحيوية في المنطقة كلها. وتجاهُل ذلك له ثمن.
  • تعتمد إسرائيل على الولايات المتحدة في مجالات كثيرة. وأميركا تقف إلى جانبنا، من خلال جسر جوي لم نشهد مثيلاً له منذ سنة 1973. ودفعت 14 مليار دولار من أجل السلاح وقطع الغيار لمنظومات سلاح أميركية نستخدمها في القتال. وهي التي تردع حزب الله، حالياً، وتمنع توسُّع نطاق الحرب، وهي التي نشرت فوق إسرائيل شبكة أمان في مجلس الأمن، وتدافع عن إحالة زعماء إسرائيل على محكمة العدل الدولية في لاهاي. وهي التي تضع أمام إسرائيل صورة معقدة تتطلب تنسيقاً وتعاوناً في مواجهة أعداء مشتركين.  تجاهُل الاقتراح المذكور أعلاه، والمصمَّم جيداً كي يلائم حاجاتنا، هو عدم مسؤولية تاريخية.

 

حائط مسدود؟

المخطط المذكور أعلاه، الذي امتنعت إسرائيل من انتهاجه فوراً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يبتعد عنا بإرادة إسرائيلية، لثلاثة أسباب:

  1. نتنياهو غير قادر على العمل في هذا الاتجاه، ما دام يخضع لابتزاز بن غفير وسموتريتش، اللذَين لا توجد حكومة من دونهما.
  2.  لا ينوي نتنياهو العمل في هذا الاتجاه لأن خطوطه العريضة تسمح بإنهاء هذه المرحلة من القتال خلال شهر، وبالتالي مواجهة الجمهور الذي يريد محاسبته...
  3.  في إطار المخطط، يتعين على الزعماء العرب العمل فوراً في البداية. وهم الذين يجب أن يتخذوا قرارات بناء القوة وكبح التظاهرات في الشوارع ضدهم. وهم الذين عليهم العمل والتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل استئناف العملية السياسية، عندما يحين الآوان، في اتجاه "حل الدولتين". بالنسبة إلى نتنياهو، حتى لو وعد بشيء من هذا القبيل، ما من أحد في البيت الأبيض أو في العالم يصدقه.

 

ما هو الحل؟

  • الخلاصة المؤلمة هي أن المخطط المعقول والوحيد الذي يلبّي المصلحة الإسرائيلية والأميركية والإقليمية لـ"محور الدول المعتدلة"، لا يمكن أن يتحقق، ما دام نتنياهو رئيساً لحكومة إسرائيل وبن غفير وسموتريتش وزيرَين.
  • ... استمرار حُكم هذه الحكومة سيؤدي إلى ضياع الفرصة في انتهاج المخطط الممكن والجيد، وسنكون أمام أمرَين: "نزول مُهين عن الشجرة"، من دون تحقيق أهداف الحرب في غزة، مع خطر كبير لاندلاع الحرب في الشمال، واحتكاك خطِر بالولايات المتحدة، مع تحميل مسؤولية الوضع المهين للجيش والعناصر الأمنية من جهة، ولبايدن من جهة ثانية. أو مخاطرة مجنونة من خلال جرّ الولايات المتحدة، رغماً عن إرادتها، إلى مواجهة إقليمية مع إيران...
  • لا يمكن لمن يتحمل المسؤولية الأساسية عمّا جرى لنا في السابع من أكتوبر، أن يكون هو الذي سينقذنا منها. حان الوقت للذهاب إلى انتخابات جديدة، وحده الشعب سيقرر مَن سيختار، ولمن يسلّم عجلة القيادة، وما هو المسار الذي يجب أن تسير فيه الحرب من أجل تحقيق أهدافها، وإعادة الاستقرار والأمن الذاتي والثقة بالقيادة. الطريق إلى ذلك ليست قصيرة، وغير سهلة.