الدعم الواسع في أوساط الجمهور الإسرائيلي لأهداف الحرب ضد "حماس"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • تم صوغ وعرض أهداف الحرب التي تشنها إسرائيل ضد "حماس"، علناً، عبر مجموعة من الصيغ، وهي تجتمع على القضاء على "حماس"، وإبادة قدراتها العسكرية والسلطوية، وعلى التهديد "الإرهابي" لإسرائيل من قطاع غزة، وبذل الجهد الأقصى لإطلاق سراح المخطوفين. من شأن منسوب الإسناد الشعبي لأهداف الحرب التي أعلنتها الحكومة، أن يمثل مقياساً مهماً لمنسوب التضامن في أوساط الجمهور الإسرائيلي. لقد جرى فحص هذه القضية في إطار سلسلة مستمرة من الاستطلاعات التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي، منذ بداية الحرب.

دعم شامل على الرغم من مرور الوقت:

  • في الاستطلاعات الثلاثة الأخيرة، التي أُجريت خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر2023، كان واضحاً الدعم القوي لأهداف الحرب من الجمهور اليهودي، في مجمله، بنسبة بلغت نحو 84% في 3/12/2023، ثم 76% في 17/12، ثم 78% في 24/12. ويبدو أن الأمر يشير إلى حاجة المستطلعة آراؤهم إلى التعبير عن مشاعر التضامن مع الجهد الحربي، ومع الجيش، وخصوصاً على خلفية الفظائع المرتكبة في هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

الميول السياسية والدعم:

  • الجمهور الذي يعرّف نفسه بأنه يميني، أو يميني معتدل، يُظهر دعماً قوياً على وجه الخصوص لأهداف الحرب، بلغ نحو 85% في استطلاع 24/12، مقارنةً بـ 76% ممن يعرّفون أنفسهم بأنهم أنصار لتيار الوسط، في حين كان دعم اليساريين للحرب أقل، إذ بلغت نسبة تأييد الحرب في اليسار المعتدل 53% واليسار 43%. من ضمن مَن يتماهون مع اليسار الذين يمثلون 10% فقط من العينة المستطلعة، تم تسجيل منسوب عالٍ واستثنائي بلغ 38% من الذين امتنعوا من إبداء آرائهم.

ما بين العلمانيين والمتدينين:

  • بحسب استطلاع 24/12، أظهر تقسيم المستطلعة آراؤهم بين علماني ومتدين صورة مثيرة للاهتمام: ففي مقابل معدل عام بلغ 78% من الذين يعبّرون عن دعمهم لأهداف الحرب، فإن منسوب العلمانيين الداعمين لأهداف الحرب بلغ 74%، مقارنةً بمن يعرّفون أنفسهم، إمّا كمتدينين، وإمّا كمحافظين، الذين كانت نسبة دعمهم لأهداف الحرب تبلغ 79% و81% على التوالي، أمّا قطاع الحريديم (الأرثوذكس) فقد مثل الدعم الأعلى، بنسبة 91%.

التوزيع العمري:

  • بحسب التوزيع العمري، يبدو أن نسبة التأييد الأعلى في الحرب هي من الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 45 و54 عاماً، بـ 84% تأييد، ثم يأتي الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18و 24 عاماً، بنسبة تأييد بلغت 80%، أمّا الأكبر سناً، ممن تبلغ أعمارهم 75 عاماً فما فوق، فهم يعكسون الدعم الأقل، بنسبة بلغت 66%.  يشار إلى أن نسبة هؤلاء تقلّ عن 5% من المستطلعة آراؤهم.

ما بين اليهود والعرب:

  • هناك 30 و34 %، على التوالي، من أبناء المجتمع العربي يؤيدون أهداف الحرب في القضاء على "حماس". هذه النسبة عالية بحد ذاتها، في ظل الظروف. فضلاً عن أن نحو ثلث الذين شملهم الاستطلاع، أجابوا بأنهم "لا يعرفون". يمكن الافتراض أن بعض هؤلاء يميل بصورة متوقعة ومفهومة إلى الامتناع من التعبير عن رأيه في تأييد أهداف الحرب، بسبب حساسية الموضوع. وبافتراض أن هذه هي الحال، فربما يبدو أن نسبة أكبر من العرب تؤيد أهداف الحرب.

تلخيص ومغازٍ

  • تشير نتائج الاستطلاعات إلى أهداف الحرب العامة من خلال سؤال واحد، من دون الإشارة إلى المكونات الضمنية للقرار الحكومي والمصاغ بصورة غامضة، عن قصد كما يبدو. إن دراسة العلاقة بين أهداف الحرب وبين الصمود الاجتماعي الإسرائيلي في أثناء الحرب، هي مسألة تتطلب بحثاً معمقاً، بعد الحرب. أمّا الدعم الشامل لأهداف الحرب، كما يبدو في الاستطلاعات، فهو مرتفع جداً ومستقر، حتى اللحظة.
  • منسوب الدعم العالي جداً لأهداف الحرب يعكس شعوراً واضحاً بالمصير المشترك، وينسجم مع الوطنية والتضامن الاجتماعي العالي في إطار الحرب في هذه الأوقات. يُعتبر التضامن الاجتماعي أحد أهم مكونات الصمود الاجتماعي. واستناداً إلى هذا، يمكن الاستنتاج أن الجمهور الإسرائيلي، في أغلبية قطاعاته، متجند بصورة واضحة حتى اللحظة، من أجل الدعم الشامل للحرب، التي يُنظر إليها على أنها "حرب دفاعية عادلة" مفروضة على الإسرائيليين.
  • هذه الحرب، التي تُعتبر غير مسبوقة، تاريخياً ومصيرياً، اندلعت في ظل استقطاب اجتماعي وسياسي عميق، ظهر على مدار شهور طويلة، في صورة شرخ متعدد الأبعاد، وناشط، وخطِر، هدّد وحدة المجتمع الإسرائيلي بشدة. وعلى هذه الخلفية، يمثل دعم أهداف الحرب والجيش تغييراً حاداً وانتقالاً إلى شعور التجند الواضح والفوري للجمهور في الجهد الوطني الذي يمكنّنا من استعارة تعبير "rallying around the flag" لوصفه.
  • يشمل الدعم التام لأهداف الحرب فئات سكانية تمثل وجهات نظر سياسية واجتماعية مختلفة ومتعارضة: إن توزيع المعطيات وفق منسوب التدين، على سبيل المثال، يشير إلى وجود فروق معينة في نسبة الدعم (بين الحريديين: 91%، والمتدينين 79%، والمحافظين 81%، والعلمانيين 74%)، إذ إن نِسب تأييد هذه القطاعات جميعها قريبة من المعدل القطري الأعلى، البالغ 78% لجميع المستطلعة آراؤهم. كما تبرز ظاهرة، مفادها أنه كلما ازداد منسوب تديُّن الخاضعين للاستطلاع، كلما ازداد منسوب التأييد لأهداف الحرب.
  • ينطبق هذا أيضاً عندما ننظر إلى الانتماء السياسي، إذ يظهر مقدار ما من الاختلاف بين الفئات السياسية: فكلما كان الذين شملهم الاستطلاع يمينيين أكثر، كلما كان دعمهم للحرب أعلى. في حين أن الفارق بين أقصى اليمين واليسار في هذا الشأن يبلغ 42%، وهو فارق أكبر بكثير من الفارق المتعلق بمستوى التديُّن، البالغ 17%. يمكن أن نستقي من ذلك أن الاستقطاب على خلفية سياسية هو أكبر بكثير من نظيره الديني.
  • إجابات العرب من سكان إسرائيل مثيرة للاهتمام، وتكشف صورة فريدة: أشار نحو ثلث هؤلاء إلى أنهم يؤيدون أهداف الحرب. وفي ظل غياب معطيات تتعلق بمنسوب معارضة أهداف الحرب في أوساط المواطنين العرب، يمكننا أن نستنتج أن جزءاً كبيراً منهم، نسبياً، يوافق على الأهداف الإسرائيلية للحرب، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي ألحقتها هذه الحرب بأبناء شعبهم.
  • يبدو أن الصورة العامة أكثر تعقيداً بكثير: فمن ناحية، يرتبط الدعم الشعبي، كما أظهرت الاستطلاعات، بأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والصدمة الجماعية المستمرة في أعقاب أحداث ذلك اليوم، واعتبار الحرب "حرباً عادلة" لا مفر منها، فإن سلسلة الاستطلاعات تُظهر، من جهة أُخرى، ثقة عالية جداً ومستقرة بالجيش (تبلغ نحو 90 %)، وهي ظاهرة تتسّق بصورة جيدة مع الدعم الواسع لأهداف الحرب، مقارنةً بنسبة منخفضة جداً ممن يعبّرون عن ثقتهم بالحكومة (نحو 28% فقط).
  • يمكن التوقع أن النتائج المتعلقة بالمتغيرات التي تؤثر في الحصانة الوطنية، ستتغير مع استمرار الحرب، وخصوصاً إذا تعقدت الحرب، واتسعت، واستغرقت عدة أشهر، بأشكال وميادين مختلفة. منذ الآن، بات واضحاً وجود شكوك وتساؤلات لدى الجمهور الإسرائيلي بشأن قضايا حساسة، على غرار العقبات التي تعترض استعادة المخطوفين، وما يبدو تراخياً متواصلاً في التحرك العسكري، والحالة على الجبهة الشمالية، ومسألة "اليوم التالي" في قطاع غزة. كما أن الخطاب الشعبي المستقطب والمسموم الذي ساد قبل الحرب، بات يعود إلى مكانه في المقدمة الآن. كل سبب من هذه الأسباب وحده، أو كلها مجتمعةً، يمكن أن يؤدي إلى تراجُع الدعم لأهداف الحرب، والشعور بالتضامن الشعبي الإسرائيلي حيالها.
 

المزيد ضمن العدد