هل يجب مواصلة القتال؟
المصدر
القناة 7 "عروتس شيفع"

شبكة اعلامية إسرائيلية تملكها يشيفا بيت –إيل مدرسة يهودية دينية تعنى بتعليم الشريعة اليهودية. ووتملك الشبكة موقعاً إخبارياً يصدر بثلاث لغات: العبرية والإنكليزية والروسية، يمكن الاشتراك فيه مجاناً، وما يشنره الموقع يعبر اجمالاً تعبر عن وجهة نظر الأحزاب الدينية وجمهور المتدينين من المستوطنين.

  • مع اقتراب التوصل إلى صفقة مع "حماس"، أعلن الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير أنهما يؤيدان استعادة المخطوفين لكنهما ضد صفقة سيئة.
  • وفي المقابل، برزت أصوات وسط شخصيات بارزة في تيار الصهيونية الدينية تدعو إلى مواصلة القتال ضد "حماس" حتى إخضاعها، ويدّعي الذين يريدون رؤية نصر حاسم وقاطع ويعارضون صفقة سيئة أنه من دون ذلك لا يمكن لهما العيش هناك بالتأكيد، وفي رأيهم، فإن الهدف التكتيكي المتمثل في إخضاع "حماس" وعدم الخضوع لإملاءاتها يخدم الهدف الاستراتيجي المتمثل في قيام ردع إسرائيلي. وفي رأيهم، فإنه من دون جدار جابوتنسكي الحديدي الذي سيردع "حماس" من مهاجمتهم مرة أُخرى، والذي لا يمكن اختراقه، لن يستطيعوا العيش هناك بالتأكيد.
  • لكن "أنصار الردع" يعانون جرّاء صعوبتين أساسيتين: واحدة عملية، وأُخرى مفاهيمية. الصعوبة العملية هي أن "أنصار الردع " يمكنهم أن يلحقوا الضرر بالردع الإسرائيلي، فالردع هو مفهوم لا يمكن قياسه بدقة، وليس من المستبعد أن يكون قد تم تحقيق الردع الأقصى. ومن الواضح بعد هجوم "حماس" "الإجرامي" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أنه كان يجب ضرب قدرات المقاومة العسكرية بصورة كبيرة، لكن استمرار القتال يمكن أن يدفع إسرائيل إلى الغرق في الوحل الغزّي، ولن يؤدي سوى إلى تحقيق إنجازات أمنية ضئيلة، وسيكبّدها أثماناً أمنية وداخلية وخارجية كبيرة، ويمكن تحديداً أن يضر بالردع. هل كان الردع الإسرائيلي بعد سنوات من الغوص في الوحل اللبناني أقوى من الردع في نهاية الحرب [الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982]، وطرْد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت؟
  • والمشكلة هي أنه من دون أن يحدد "أنصار الردع" بدقة أو بصورة تقريبية أهداف الاستمرار في القتال (الإطاحة بـ"حماس" ليست وصفاً دقيقاً)، فإنه لا يمكن التوصل إلى قرار عقلاني بشأن الاستمرار في القتال. وعلى سبيل المثال في تقديري، فإنه لا يقصد "أنصار الردع" أن على إسرائيل أن تدمر كل نفق وكل سلاح وعتاد لـ"حماس"، والقضاء على كل "مخرب"، واغتيال كل كبار المسؤولين فيها، لأن هذه المهمة ليست واقعية. إذاً، ما هو المطلوب؟ كيف يمكن بعد احتلال وتدمير 60% من القطاع، والمس بـ50% من القدرة القتالية لدى "حماس"، وقتل نحو 20 ضعفاً من العدد الذي قتلته "حماس"، ألاّ يكون الردع الإسرائيلي الآن قد تمت استعادته؟ في تقديري، لقد وصلنا إلى الردع الأقصى، وهناك إمكان إلحاق الضرر بالردع الإسرائيلي في حال استمرار القتال، لأن الفائدة من استمراره أقل من الثمن.
  • لكن المشكلة الأصعب هي أن حجج "أنصار الردع" بشأن استرجاع الردع يمكن أن تثير ارتباكاً في المفاهيم بين الوسيلة والهدف، فيجب ألاّ يكون الردع الهدف الاستراتيجي لدولة إسرائيل، وإنما وسيلة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الحقيقي للعيش بأمان (وليس بالتحديد بسلام) مع جيراننا.
  • لقد فهم ذلك بن غوريون وجابوتنسكي، وحتى بالنسبة إلى جابوتنسكي، فإن فكرة الجدار الحديدي هي فقط وسيلة لتحقيق الهدف الاستراتيجي للتوصل إلى اتفاقات سياسية بين الطرفين.
  • وإذا اتفقنا على أن الهدف الاستراتيجي هو العيش والوجود الآمن مع جيراننا، فإن السؤال الذي يُطرح هنا على سبيل المثال: لِمَا لا تُعَد الإنجازات التي حققناها، بالإضافة إلى اتفاق وقف القتال، الذي يتضمن نفي زعماء "حماس"، وتسليم غزة إلى قوة دولية تقوم بتغيير جوهري لمنظومة التعليم الفلسطيني، بحيث تعلّم العيش إلى جانب إسرائيل، إنجازاً استراتيجياً كبيراً؟ هذا من دون أن نأتي إلى ذكر الهدف الأول؛ تحرير المخطوفين، والمحافظة على مكانة إسرائيل في العالم.
  • عموماً، كيف يمكننا الحديث عن تحقيق أي هدف استراتيجي من دون الحديث عن اليوم التالي؟ يريد بن غفير وسموتريتش رؤية سلطة إسرائيلية في غزة تدير شؤون القطاع، وتمول الكارثة الإنسانية هناك في الوقت الذي تواجه فيه "الإرهاب" ضد جنودها ومواطنيها، وانهيار عملية التطبيع مع الدول العربية المعتدلة، مع اشتعال العنف في الضفة ولبنان وسائر دول المحور الإيراني.
  • يحب "أنصار الردع" ادعاء أنه من دون توجيه ضربة حاسمة إلى أعدائنا، فإنهم لن يتخلوا عن حلمهم بتدميرنا، ويطرحون على سبيل المثال اتفاق السلام مع مصر، الذي في رأيهم جرى التوصل إليه بفضل الانتصار الإسرائيلي المذهل في حرب يوم الغفران، والتي وصلت خلالها إسرائيل إلى بُعد 100 كيلومتر من القاهرة.
  • لكن التعلُّم من التاريخ أمر معقد، فعلى سبيل المثال، فإن انتصار إسرائيل الباهر في حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] لم "يلقن أعداءنا درساً"، إنما، على العكس، شجعهم على قتالنا من دون هوادة، كما حدث بعد مرور 6 سنوات على ذلك. وكذلك القول، فإن وجود قوات الجيش الإسرائيلي على بُعد 100 كيلومتر كانت له صلة باتفاق السلام مع مصر، وهذه مجرد تخمينات.
  • لقد اعتبر المصريون حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 انتصاراً لهم، وهم يحيون هذه الذكرى سنوياً، والسادات نفسه قال إنه بفضل هذا النصر كان قادراً على إجراء مفاوضات من موقع المساواة، وليس الإذلال. ومن جهة أُخرى، فلا شك في أن صدمة حرب يوم الغفران دفعت إسرائيل إلى الاستيقاظ من نشوة حرب الأيام الستة، وأن تدرك أنها ليست "لا تُهزم"، وأن سلاماً من دون شرم الشيخ أفضل لها من شرم الشيخ من دون سلام.
  • هل من الممكن أن هذا هو الوضع الذي وصلنا إليه إزاء "حماس"؟ هل من الممكن أننا وصلنا إلى النقطة التي يعتقد فيها أعداؤنا أنهم استرجعوا الكرامة الفلسطينية، ونحن فهما أننا لسنا أمة "لا تُهزم"؟ هل هذا التغيير في الوعي يمكن أن يُحدث تغييراً جيو - استراتيجياً يمكنه أن يضمن مستقبلنا الأمني هنا كما جرى بعد حرب يوم الغفران؟ إن نظرة إلى التاريخ الإسرائيلي تكشف أن الإنجازات الاستراتيجية الأمنية البعيدة المدى تحققت عبر اتفاقات وقف إطلاق نار في اتفاقات سلام.
  • وكل هذا التحليل هو من أجل حجة واحدة، هي حجة الردع. لكن في الواقع المرير الذي نعيشه، هناك مخطوفون حياتهم عُرضة للخطر نتيجة إخفاقنا العسكري والسياسي، وهناك خطر العزلة الدولية لإسرائيل التي تضر أيضاً بالردع، وهناك الحرب التي تديرها حكومة من دون تأييد جماهيري كبير. وعندما نأخذ في الحسبان كل هذه الأمور، يبدو أنه من الصعب تبرير استمرار القتال أكثر من ذلك.
  • لست أكشف للاستخبارات ما هو مطلوب من أجل معرفة ما إذا كان يجب الاستمرار في القتال أم إن الوقت حان لوقفه كي لا نضر بالردع الإسرائيلي، لكنني أعرف أنه في دولة ديمقراطية تطلب فيها الحكومة من مواطنيها التضحية بحياتهم من أجل مصلحة الجميع، يجب أن تفعل ذلك بصورة مسؤولة، عبر وضع استراتيجيا واضحة، ولا تختبىء وراء حجة ردع مراوِغة، وعليها دراسة جميع البدائل الممكنة لتحقيق الردع، وأن تقدّم إلى مواطنيها حججاً عقلانية لتبرير استمرار القتال إذا كان هذا ضرورياً في رأيها، وبخلاف ذلك، فإنه يتعين عليها السعي لوقف إطلاق النار، واتفاق سياسي طويل الأجل.