سياسة نتنياهو الخاطئة تؤدي إلى تصدّعات في العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- الزيارة السادسة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن لإسرائيل منذ "المذبحة" في "الغلاف"، تطرح تساؤلات عن سياسة الولايات المتحدة إزاء الحرب في غزة. يبدو أن تصريحاته، قبل الزيارة وخلالها، تتضمن تناقضات، وتؤدي إلى نتائج معاكسة لتلك التي تريد إدارة بايدن التوصل إليها. وتشير أيضاً إلى تصدّعات في التنسيق العسكري والسياسي والدبلوماسي مع إسرائيل، جزء منها نابع من السياسة الخاطئة لنتنياهو، الذي ينشغل بنجاته السياسية أكثر مما ينشغل بالمصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل.
- لقد قام بلينكن بمقارنة مستفزة بشكل خاص، عندما قال في جملة واحدة: "نزع الإنسانية الذي مرّ به الإسرائيليون يوم 7/10 لا يبرر القيام بالفعل نفسه مع الآخرين"، وأضاف أن "عدد المصابين في غزة كبير جداً". كان يجب أن يُسأل عمّا إذا كان يؤمن فعلاً بما يقول. جنود الجيش "لا يقتلون الأطفال والنساء والعجزة" من دون تفرقة. فعلاً، قُتل كثير من المدنيين في قطاع غزة، لكن كيف يعرف بلينكن عدد المدنيين المصابين في غزة، والنسبة بينهم وبين مقاتلي "حماس"؟ وما هو العدد "الصحيح" والعدد "المرتفع جداً"؟
- المدنيون في غزة يُصابون نتيجة عدم اهتمام قيادة "حماس" بحياتهم واستعمالهم كدروع بشرية. التقارير الصادرة عن "حماس" لا تفرّق بين المقاتلين والمدنيين، "والمعروف عنها أنها توزع الأكاذيب". يشير بعض الأبحاث التي نُشرت مؤخراً إلى أن نسبة الذين يصابون (بحسب ما تنشره ’حماس’) في مقابل عدد السكان الكلي منخفضة جداً نسبةً إلى الحروب التي نشبت منذ بداية القرن الحالي.
- كلّ متحدث أميركي تطرّق بشكل مختلف إلى ردّ "حماس" على اقتراح إسرائيل بشأن صفقة تبادُل الأسرى. بايدن قال إنه "مبالَغ فيه". أمّا بلينكن فأوضح أن "ردّ حماس يتضمن بعض المطالب غير المقبولة كلياً، لكننا نعتقد أنها تخلق هامشاً يسمح بالتوصل إلى اتفاق". وفي الوقت نفسه، قال مسؤول كبير في البيت الأبيض "إننا نشك في إمكان التوصل إلى اتفاق قريباً".
- لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ردّ "حماس" موقفاً افتتاحياً صعباً للبدء بالمفاوضات، أو تعبيراً عن شعور السنوار بأنه انتصر في الحرب، ولا يريد التوصل إلى صفقة، ويفضل إذلال إسرائيل. لقد احتاج إلى 10 أيام لصوغ شروطه "الواهمة"، وهو يفرض توترات لا تتوقف، وخصوصاً بالنسبة إلى عائلات الرهائن. الولايات المتحدة معنية جداً بالتوصل إلى صفقة لأنها تشكل شرطاً لهدنة طويلة في الحرب، يعتقدون أنها ضرورية من أجل القيام باختراق دبلوماسي كبير للتوصل إلى اتفاق سلام عربي إسرائيلي شامل.
- الإعلان الذي بحسبه، الولايات المتحدة تبحث في الاعتراف بدولة فلسطينية، هو مكون مهم في هذا الاختراق الدبلوماسي، وأدى إلى نتيجة عكس ما هو متوقع. السلام الإسرائيلي السعودي في قلب هذا الاختراق الدبلوماسي. حتى الآن، وردت أخبار تفيد بأن السعودية لا تتنازل عن اتفاق مع إسرائيل، وأنها ستسمح بذلك بعد انتهاء الحرب. في البداية، تحدثوا عن "أفق سياسي" للفلسطينيين. الآن، أعلنت السعودية أنه لن يكون هناك سلام من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية. لا يمكن أن نطلب من السعودية أن يكون موقفها أكثر ليونةً من موقف الولايات المتحدة.
- اعتقدت إدارة بايدن أن الإعلان بشأن حق الفلسطينيين بدولة، سيشجع على إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يسمح لها باستبدال "حماس" والسيطرة على غزة. السلطة فرحت بهذا الإعلان، وتطالب الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل. هم لا ينوون إجراء أي تغيير في تركيبة الحكومة الفلسطينية وطريقة عملها. الاقتراح بهذا الشأن سيصل إلى مجلس الأمن قريباً، وسيكون من الصعب على إدارة بايدن استعمال الفيتو، كما فعلت سابقاً.
- رفضُ نتنياهو النقاش في "اليوم التالي للحرب" في غزة بسبب الحسابات الائتلافية، يساهم في تغيير سياسة بايدن واللاعبين الآخرين المهمّين في المنطقة، كالسعودية. لا فراغ في العلاقات الدولية. إن لم تعلن إسرائيل ما الذي تفضّل حدوثه في غزة، فإن جهات أُخرى ستقترح خططاً تتلاءم مع مصالحها، وليس مع مصالح إسرائيل. هذا المبدأ صحيح، استراتيجياً وتكتيكياً. إذا كان هناك فهم بأن الأونروا هي مؤسسة تسيطر عليها "حماس" وتساعدها، فهناك حاجة إلى تطوير منظومة مساعدات إنسانية بديلة، ليس الآن، بل خلال الأسابيع الأولى من الحرب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة جمّدت المساعدات للأونروا بسبب تدخُّل موظفيها في "المذبحة"، فإنه كان يتوجب على بايدن وبلينكن وإردان أن يقولوا إنه لا يوجد بديل آخر منها.
- وبدلاً من القول لا لكل اقتراح أميركي، كان يمكن صوغ شروط، بالضبط كما فعلت "حماس" بإجابتها عن صفقة تبادُل الأسرى: "نعم، ولكن"، والـ"لكن" أكبر من الـ"نعم". بايدن يريد دولة فلسطينية، علينا أن نجيب بـ"نعم، ولكن"، إذ إن الـ"لكن" تتطلب وقتاً طويلاً. وما دام نتنياهو لا يزال متمسكاً بائتلافه، فلا مجال لدبلوماسية إسرائيلية ذكية تستغل إلى أقصى حد الإنجازات العسكرية اللافتة في غزة.