الصحافيون يعرفون الحقيقة ويسكتون
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تشن هذه الحكومة حرباً ضد الجميع. ضد "حماس" وحزب الله، بل ضد الجيش والشعب. "حماس" لا تكترث لِما يحدث للغزيين. فهل الحكومة لا تكترث لِما يجري لنا. إنهم يَهْجروننا كما يهجر الملاحون سفينة بدأت بالغرق. إنهم ينهبون، يأخذون كل ما في وسعهم أخذه. يقومون بتحويل الأموال إلى أصدقائهم، يساعدون الحريديين، ويتجاهلون حاجات الجنود.
- بدأ الجنود أيضاً يفهمون أن الحكومة "تركب على ظهورهم" اليوم، وأنهم ليسوا سوى وقود لها. فالجنود ليسوا منفصلين عن الواقع، أو أنهم أغبياء. إنهم يرون إلى أين تذهب الأموال [الميزانيات]، وتمديد فترة خدمة الاحتياط، وعجز الحكومة عن معالجة مشكلة المهجّرين، وتخلّيها عن المخطوفين. إنهم يُصعقون وهم يرون كيف تتبدل أهداف الحرب كل أسبوع. من "تقويض حماس" في الماضي، وصولاً إلى "النصر المؤزر" الآن. مَن يعرف ما المقصود بـ "النصر المؤزر" الذي يضحي هؤلاء الجنود بحياتهم من أجله؟
- وسائل الإعلام تعرف. الصحافيون الذين يدّعون القدرة على تحليل كل خلية في دماغ السنوار، يعرفون ما يجري في دماغ نتنياهو. إنهم يعرفون أن "النصر المؤزر" ليس سوى تمكُّن نتنياهو من الاحتفاظ بمنصبه. إنهم يعرفون ويسكتون. إنهم يعرفون أنه ما من أهداف أُخرى، ولا خطة لهذه الحرب، وأنه لا يوجد ما يسمى "اليوم التالي"، ولا تقويض، ولا تحرير. جميعهم يخدمون الهدف نفسه، حتى الجنود الذين سيسقطون عمّا قريب، والرهائن الذين سيتحررون عمّا قريب، جميعهم يخدمون هدفاً واحداً، وكل شيء مستمد منه، ويجب ذكره في كل تقرير صحافي.
- يعرف الصحافيون ذلك، لكنهم لا ينشرون في نشراتهم ما يجب على الجمهور معرفته، ويكتفون بتقديم ما يرغب الجمهور في معرفته. أمّا الأمور التي لا يريد الجمهور معرفتها، فهي أن أبناءه يقاتلون من أجل الدفاع عن كرسي نتنياهو. أُجريَ استطلاع في الجامعة العبرية، أثبت أن الجمهور، في أغلبيته، يفترض أن القناة الأولى هي القناة الأكثر صدقية. فضلاً عن أنها القناة التي يُعتبر عدد مشاهديها الأقل على الإطلاق. والاستنتاج هنا هو أن الصدقية غير مهمة، فالجمهور يفضل أن يُكذب عليه، لا أن يتم تعذيبه بالحقائق الموجعة الدامغة.
- المحللون في الأستوديوهات لا يعرضون حقائق موجعة أمام الكاميرات، إنهم يمارسون إرهاباً نفسياً، ولا يقومون سوى بعرض مشاهد لجنود الاحتياط الذين يقولون أنهم مستعدون للخدمة عامين إضافيَين، بل ثلاثة أعوام، بشرط تحقيق أهداف الحرب. يقوم هؤلاء الصحافيون بحجب حقيقة أن هدف الحرب أصلاً غير واضح.
- لكن الحكومة لا تقدّر هذا التفاني والخضوع من جانب الصحافيين الإسرائيليين، وتتعامل مع المحللين العسكريين بصفتهم جنوداً في الاحتياط. فلمن تتوجه الحكومة لكي تبلّغ بشأن وفاة 30 مخطوفاً؟ إلى المحلل ألون بن دافيد؟ لمن تقوم بإرسال العميد باراك حيرام لكي يفسّر أسباب قصف منزل يوجد فيه رهائن؟ إلى نير دفوري؟ لا، بل تتوجه إلى "نيو يورك تايمز".
- تتلقى وسائل الإعلام الإسرائيلية الصفعات بخضوع. إنها تترك المنصة خالية لكي تستقبل الخطابات العديمة القيمة، التي يلقيها سياسيون فاقدو القدرة على القول. وبدلاً من أن تمدّنا بالمعلومات، فهي تغرقنا بالريبورتاجات المتعلقة بحياة المخطوفين، وفي خلفية التقارير الإخبارية، يتأكدون من وضع موسيقى حزينة. وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تريد أن تُكسر فرحتنا بتحرير مخطوفَين اثنين، من خلال التحدث عن الأعداد المهولة لجثث الغزيين الذين قُتلوا في أثناء تحريرهما.
- الذين يجلسون في الأستوديوهات، يفترضون أننا حمقى، وأنه من السهل ملء رؤوسنا بالتفاهات، وأنه ليس من مصلحتنا، في المقابل، أن نعرف الأخبار السيئة. لم تكن الأخبار السيئة التي "سُمح بنشرها" سوى تلك الأخبار التي لم يكن في الإمكان إخفاؤها تحت الإنجازات الرائعة" و"النجاحات". فهؤلاء الجالسون في الأستوديوهات لن يقولوا لنا الحقيقة: لن يقولوا لنا إن الحرب لم تعد سوى نزوة من نزوات شخص متسلق خطِر. وأن الأمر سيضرّ بسردية "وحدة الشعب" التي يروجونها. إنهم لا يريدوننا أن نعرف أن كلّ مَن سيُقتل منذ الآن، لن يُقتل دفاعاً عن الدولة، بل دفاعاً عن الحكومة! إنهم لا يقومون بالتحقيق في الأخطاء، بل يخفونها. وبدلاً من تقديم المعلومات للناس، فإنهم يقومون بإغراقهم بالمعلومات غير المهمة. على غرار انتقال اللواء الفلاني من الموقع "س" إلى الموقع "ص". معلومات لا علاقة لها بالواقع، ولا تهم أحداً. ما هي المعلومات المهمة حقاً؟ إنها المعلومات المتعلقة بالمخطوفين، والمهجرين، والأخبار المتعلقة بالهجوم على رفح.
- كيف يمكن الانتصار من دون القضاء على آلاف اللاجئين؟ كيف يمكن التخلص من هؤلاء؟ يستخدمون عبارات مصقولة وملمّعة، مثل "نقل". فهم "ينقلون" اللاجئين.
- لكن، كيف نصدق أن الأدمغة اللامعة في الحكومة، التي لا تعرف كيف تعالج مسألة مئة ألف لاجئ إسرائيلي، ستعرف كيف "تنقل" 1.4 مليون لاجئ غزي؟
- كيف سينقلونهم؟ كالخراف؟ كما لو كانوا حبات برتقال؟
- يبدو الأمر سهلاً: يقوم الجيش بإلقاء منشورات من الجو تدعوهم إلى "الانتقال"، فمن يتمكن منهم من الانتقال، سينجو بحياته، أما مَن يبقى، فعليه الرحمة.
- لديّ مقترح لمعدّي استطلاعات الرأي: اجروا استطلاعاً، افحصوا فيه ما إذا كان الجمهور الإسرائيلي يؤيد عملية برية في رفح يُقتل فيها، لنقل 5000 رجل مسنّ وامرأة وطفل.
- أراهنكم على أن الجمهور سيوافق، بشرط ألّا يعرضوا عليه مشاهد القتل بعد ذلك.