العالم مخطئ؛ الدولة الفلسطينية ليست حلاً لهذه الحرب
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • إلى جانب كون الحرب الدائرة في غزة مفترق طرق تاريخياً في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنها تشكّل أيضاً حجر أساس في إنشاء المنظومة الفلسطينية. وتجسد المواجهة الحالية النجاح غير المسبوق الذي حققته حركة "حماس" في فرْض جدول الأعمال الفلسطيني واستراتيجيتها الوطنية، مع تمكُّنها من إقصاء التيار الوطني الذي تمثّله السلطة التي قادت النظام الفلسطيني على مدار عشرات الأعوام، والتي صار تأثيرها فيه شديد المحدودية اليوم. وفي ضوء هذه الحالة المعقدة، وطالما الحرب في غزة لا تزال بلا نهاية بادية للعيان، فإن طرح أفكار من قبيل إعلان دولة فلسطينية من جانب جهات في الإدارة الأميركية وأوروبا يبدو أنه يفتقر إلى أي أسس موضوعية.
  • وتواجه فكرة الدولة الفلسطينية، أساساً، مشكلة توفير حلول للمشكلات الحادة المتجسدة في النظام الفلسطيني الحالي، وأولها القدرة على تحدّي "حماس"؛ فهذا التنظيم، بقدراته العسكرية، وسعيه للقضاء على إسرائيل، لن يختفي إذا تم إعلان دولة مستقلة من المفترض أن تحاول احتواءه وتحويله في اتجاه العمل السياسي الداخلي أو الاجتماعي، وهذا هدف منذور للفشل في ضوء الحماسة الأيديولوجية المتأصلة في التيار الإسلامي. وقد تعلّمت إسرائيل، بلحمها الحي، وبصورة لا تخلو من الصدمة، أن تهديد "حماس" لا يمكن اجتثاثه سوى بواسطة العمل العسكري، وبناءً عليه، فمن الضروري مواصلة معارضة أي أفكار لدمج "حماس" عن طريق صيغة جديدة في النظام الفلسطيني.
  • أمّا المشكلة الثانية، فهي كامنة في الضعف الخطِر الذي تعاني جرّاءه السلطة الفلسطينية؛ إذ إن أداءها منخفض، وصورتها في أنظار الجمهور الفلسطيني وصلت قاعاً لم تصله من قبل، والتصريحات الصادرة عن رام الله بشأن استعدادها لتولّي المسؤولية بشأن "اليوم التالي" أو الدفع في اتجاه إصلاحات هي تصريحات سخيفة للغاية، لأنها تَصْدُر عن ديوان أبو مازن، الزعيم الذي أخفق في كثير من المفترقات التاريخية، وهو يشكّل عملياً جزءاً من المشكلة، لا الحل.
  • والمشكلة الثالثة ناجمة عن العداء المستشري الذي ساد بين المجتمعَين [الفلسطيني والإسرائيلي] منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي لا يتيح التوصُّل إلى تسوية سياسية، ناهيك بمصالحة تاريخية؛ فالإسرائيليون لا يزالون يعيشون صدمة عميقة نتيجة "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، ليست أقل من أنهم مصدومون من الإسناد الواسع الذي تحظى به "المجزرة" في الشارع الفلسطيني، ومن غياب التعاطف والنقد الذاتي السائدَين في أواسط الجمهور الفلسطيني. هذا إلى جانب الإدراك المتغلغل في نفوس كثير من الإسرائيليين، بمن فيهم من كانوا يؤيدون حل الدولتَين، وفحواه أن مصادر النزاع ليست نابعة بالضرورة من الاحتلال أو الفجوة الاقتصادية بين المجموعتَين البشريتَين، إنما هي من العداء العميق الذي لن يمكن تغييره إلاّ بواسطة تغيير الوعي الفلسطيني، وبمبادرة من الفلسطينيين أنفسهم، وهو أمر لا يبدو ممكناً في الأفق المنظور.
  • وفي ظل واقع كهذا، فمن المرجح أن يؤدي الحديث عن دولة فلسطينية إلى تفاقُم التوتر القائم بين المجموعتَين البشريتَين أكثر مما من شأنه أن يساعد في تخفيفه. وكما هو الحال في قضية التطبيع مع السعودية، فإن المبادرات في أساسها إيجابية، لكنها تُطرح في سياق غير صحيح، ومن دون تكيُّفها مع نوع المشكلات القائمة على الأرض وحدّتها.
  • إن إسرائيل مطالبة بصوغ استراتيجيا منظمة بشأن القضية الفلسطينية، لتحل محل "سياسة إطفاء الحرائق" التي سادت على مدار أعوام طويلة، كما أن إسرائيل مطالبة بتغيير الشعارات المرفوعة في الحرب الراهنة؛ فعلى المدى القريب، فإن المطلوب التركيز على اجتثاث قدرات "حماس" العسكرية والسلطوية، وهو أمر يستوجب السيطرة الحقيقية والعملية على قطاع غزة بأسره، والاعتراف بأن التكتيكات العسكرية المعمول بها حالياً، والمقتصرة على الغارات والحملة المضادة، لن تتمكن من تحقيق تغيير جذري في واقع القطاع.
  • وعلى المدى المتوسط، الذي لن يكون من الممكن الشروع فيه إلاّ بعد الإنجاز التام لأهداف المرحلة الأولى، فإنه يمكن البدء في تشكيل بديل لحركة "حماس" كسلطة سيادية، وذلك عبر إدارة مدنية تستند إلى قوى محلية لا تتماهى مع التنظيم، ولديها علاقة بسلطة رام الله. وعلى المدى البعيد، وهو الأهم، فعلى إسرائيل النظر في تسوية بعيدة المدى تستند، من جهة، إلى الفصل الجغرافي بين المجتمعَين المختلفَين ثقافياً، ومن جهة أُخرى، عدم تحمُّل المخاطر المترتبة على حرّية فلسطينية كاملة، كما حدث في غزة منذ الانفصال عنها. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى السيطرة على البوابات التي تربط أي كيان فلسطيني مستقبلي بالعالم، سواء في القطاع أم في الضفة الغربية، إلى أجل غير مسمى.
  • إن مجرد طرح الأفكار الدولية التي تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية، ينبغي أن تدُق ناقوس الخطر بالنسبة إلى إسرائيل، على الرغم من أن الأمر لا يمثّل تعبيراً عن عداء من جانب الولايات المتحدة، الحليفة الشجاعة لإسرائيل، إنما هو تعبير عن عدم قيام إسرائيل بطرح استراتيجيا منظمة، وتمركزها غالباً في رفض الأفكار أو طرح أفكار ليست لها جذور تربطها بأرض الواقع. ومن شأن إسرائيل، إذا لم تغيّر توجهها هذا، أن تواجه فرْض مبادرات كهذه عليها، وليس فقط مبادرات تتناقض مع مصالحها القومية.