خمس ملاحظات بشأن وثيقة اليوم التالي الخاصة بنتنياهو
تاريخ المقال
المصدر
- تُعتبر الوثيقة التي طرحها رئيس الوزراء على وزراء مجلس الكابينيت أمس بداية جيدة للحوار، لكن الوثيقة نفسها لا تحتوي على أي جديد، فقد قدّم نتنياهو وثيقة "محايدة ووسطية ولا تُغضب أحداً"، وهي تُعد، وفقاً لكثير من المفاهيم، تلخيصاً موجزاً لكل النقاط التي قالها علناً، مراعياً ألاّ يثير غضب أي جهة. ويحاول نتنياهو عن طريق هذه الوثيقة إيجاد إجماع يتفق الجميع عليه، وهو ما حدث فعلاً؛ إذ إن كلاًّ من غانتس وآيزنكوت يمكنه أن يرتاح أخيراً بسبب وجود مادة يمكن مناقشتها، أمّا سموتريتش وبن غفير، فيمكنهما أن يكونا مرتاحَين لأن عبارتَي "سلطة فلسطينية" و"دولة فلسطينية" لا تردان في هذه الوثيقة مطلقاً.
- بعد السرد المتوقع للتفاصيل في الجانب الأمني، والذي فحواه أن إسرائيل ستحافظ على حرّية تحرُكها العملياتي في جميع أرجاء قطاع غزة من دون قيود زمنية؛ أي حتى تقويض "حماس" واستعادة المختطَفين (وهو موقف يوافق عليه الجميع في إسرائيل، إذا ما استثنينا الأحزاب العربية)، مع إنشاء "حزام آمن" يوفر الأمن لسكان غلاف، فإن وثيقة نتنياهو تضع تفاصيل عن "المرحلة الانتقالية" بشأن المستوى المدني. وفي هذه الناحية، يقوم نتنياهو بصقل تعريف الجهات التنفيذية، والتي ستدير القطاع مدنياً، من حيث وصفه إياها بـ "جهات محلية ذات خبرة إدارية".
- وبحسب هذه الوثيقة، فإن هذه العناصر "يجب ألاّ تكون مرتبطة بدول أو هيئات تؤيد ’الإرهاب‘، كما يجب ألاّ تتلقى منها رواتب." وبكلمات أُخرى؛ فإن هذه العناصر يجب ألاّ تنتسب إلى "حماس" أو إلى السلطة الفلسطينية الراهنة. ويُبقي نتنياهو الباب موارباً أمام الجهات المقربة من السلطة، وبهذا المعنى، فهو يتحدث بالضبط عما تحدّث عنه غالانت وغانتس، والفارق بين هاتين الحالتين هو فارق لغوي واصطلاحي، وغير مهم حقاً. ولو أراد نتنياهو، وظن أن للأمر أهمية، لكان قد ذكر في وثيقته بصورة واضحة أنه يحظر على السلطة الفلسطينية المشاركة في "اليوم التالي" في القطاع. والسؤال البديهي هنا هو: "لماذا لم يسعَ نتنياهو للحديث عن الأمر بصورة مباشرة؟" وفي هذا الصدد، هناك سببان: الأول هو ضمان إيجاد إجماع على وثيقته. والثاني هو عدم إثارة أزمة غير ضرورية مع الأميركيين، وفتح الباب موارباً لدخول كل من الإمارات والسعودية في إدارة وإعادة إعمار غزة، بعد أن وضّحتا أنهما لن تضطلعا بأي دور ما لم يُنط اليوم التالي بدخول السلطة الفلسطينية القطاع.
- إن معادلة نزع السلاح في مقابل إعادة الإعمار تتغير في الوثيقة؛ فبحسب الوثيقة، لا يمكن إعادة الإعمار إلاّ بعد نزع السلاح من القطاع، بمعنى تقويض القدرات العسكرية لمنظمات "الإرهاب" في القطاع، ومن شأن عملية كهذه أن تكون طويلة. وفي المحادثات وراء الأبواب المغلقة، يتحدث كل من نتنياهو ودريمر عن عملية اجتثاث الراديكالية بعيون مشرقة، وهما يؤمنان بأن من شأن كل من الإمارات والسعودية أن تحقق تغييراً حقيقياً في هذا الشأن.
- هناك مبدأ إضافي في هذه الوثيقة، يتمثل في إغلاق وكالة الأونروا، واستبدالها بوكالات إغاثة دولية أُخرى، ويجب أن يتم إنجاز هذه الخطوة من جميع نواحيها (من الناحية الأخلاقية، والقيمية، والنظرية، والعملية). ويجب ألاّ يكون لهذه المنظمة وجود، بعد أن افتُضحت صورتها، وثبت أنها عملت في كثير من الأحيان بصفتها ذراعاً تنفيذية لحركة "حماس". وهناك سؤال "صغير وعديم الأهمية" هو: "من سيحل محل وكالة الأونروا؟" حتى الآن لم تتم الإجابة عنه، وإسرائيل تنظر في عدة خيارات ومشاريع تجريبية.
- إن القول إن إسرائيل ترفض بصورة قطعية الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين يهدف إلى تحقيق بضعة أهداف: أولاً، من أجل الإشارة للأميركيين إلى أن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات من أجل التطبيع، لكنها لن تصل إلى حد إقامة دولة فلسطينية، وخصوصاً بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، ناهيك بأجندة الحكومة الحالية. وعلى حد علمي، فالأميركيون أيضاً لا يطلبون ذلك من إسرائيل، وسيكتفون بما هو أقل من ذلك كثيراً.
- وهذا ما يقودنا إلى السبب الثاني: إذ يريد نتنياهو أن تنطبع في الأذهان عنه صورة "ضامن الأمان"، وتوفير مرتكزات سياسية لشركائه الراهنين. وظاهرياً، فمن شأن هذه الورقة أن تكفيهم، لكن إذا ما نظرنا تحت السطح، فإن من شأن هذه الوثيقة أن تقض مضجعهم، فنتنياهو في هذه الوثيقة أيضاً لا يستبعد بصورة قطعية إقامة دولة فلسطينية عقب مفاوضات، وفي إطار تسوية نهائية. وبهذا المفهوم، فإن نتنياهو لم يغير استراتيجيته، لأنه لا يزال يؤمن بأنه لا يمكن حل الأزمة، ومن الأفضل إدارتها.