الغرور وبرودة الأعصاب اختفيا، هكذا تحول نصر الله إلى رجل في ضائقة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • الصفة التي تميّز نصر الله، والتي صاغها وصقلها وجعلها سِمته البارزة، هي قدرته على الغرور، وإظهار برودة الأعصاب والسخرية في خطاباته. 70% من الرسائل التي يبعث بها لا علاقة لها بمضمون الأمور بحد ذاتها، بل لها علاقة بلغة الجسد ونبرة الصوت ومظاهر الوجه.
  • أكثر ما يهمّ نصر الله نبرة الصوت، فهو يركز على كل كلمة، ويلقي خطابه مع نصف ابتسامة، الأمر الذي يعطي انطباعاً لدى سامعيه أنه يخفي مفاجآت، وأنه لم يقل بعد كلمته الأخيرة.  والغرور يعكس ثقة بالنفس، وكل مَن يستمع إليه، يقع فريسة هندسته للوعي، فالغرور لديه هو لأنه يعرف شيئاً لا نعرفه، أو لديه سبب وجيه لكي يكون مغروراً.
  • نصر الله خبير في الحرب النفسية، فهو لا يُكثر من المقابلات، لذلك، ينتظر الناس خطاباته، سواء أكان جمهوره، أو أيضاً الذين يتابعونه في الخارج، وخصوصاً في إسرائيل. وهو لا يتوتر حتى عندما يتحدث عن آرائه بصورة متشددة. هو هادىء للغاية، ومرتاح للغاية، لأنه يشعر بثقة كبيرة بالنفس.
  • هذا كله تغيّر في الخطابَين الأخيرَين لنصر الله. خطابان في أسبوع واحد، هذا الدليل الأول على أن شيئاً ما نجح في زعزعته. وفي الخطابَين الأخيرَين، غاب الغرور الذي كان يتميز به. عموماً، الكلام المتغطرس، تسيطر عليه الأجزاء العقلانية من الدماغ، لكن في الخطابَين الأخيرَين، العاطفة تغلبت على العقل. ولم يتضمن الخطابان حكماً وتعابير لغوية من النوع الذي يحبه، والتي تأتي عبر تخطيط مُحكم وإعداد مدروس، بل كانا خطابَين نضاليَين، يحركهما شعور أساسي هو الغضب.
  • شخص عاقل واستراتيجي، مثل نصر الله، عندما يخسر هذه الميزات، فإنه مؤشر إلى ضائقة يمر بها. من جهة، هو لا يريد حرباً، ومن جهة ثانية، هو يخسر نقاطاً في حرب الشمال الآخذة في التصاعد. حتى الآن، كانت كفّته هي الراجحة، فالشمال خالٍ من السكان، وهذا إنجاز مهم بالنسبة إليه، لكن الهجمات الأخيرة للجيش الإسرائيلي، والتي استهدفت شخصيات مهمة في الحزب، غيّرت المعادلة.
  • ولا يكفي الواقع في الميدان، فوزير الدفاع غالانت بدأ بالضرب على الجرح بمهارة كبيرة. لقد أدلى بتصريح يدل على قدرته على "التحدث بالعربية"، وأنه فهم قواعد اللعبة. وبعد أن انتهى من تعداد الإنجازات في الجنوب، انتقل غالانت إلى الشمال. "لقد صعّد حزب الله عملياته بصورة صغيرة جداً، ونحن صعّدنا درجة من أصل عشرة، ونحن قادرون على شنّ هجمات، ليس فقط على مسافة 20 كلم من الحدود، بل 50 كلم، وفي بيروت، وفي كل مكان آخر"، وأضاف في تلميح مهم: "الطائرات التي تحلّق الآن في سماء لبنان، لديها أهداف، وهي تعرف كيف تهاجمها، وكيف تغيّر هجومها من مكان إلى مكان، ونحن مستعدون لنفعل في لبنان ما فعلناه في غزة".
  • ونقلت قناة "الجزيرة" قول غالانت: "المعادلة التي اعتقد حزب الله أنه نجح في ترسيخها انهارت، عندما قررنا مهاجمة دمشق وبيروت وصيدا والنبطية".
  • كلام غالانت أخرج نصر الله عن طوره، فقال في خطابه الأخير: "أريد أن أذكّر وزير حرب العدو، الذي يُعتبر ثلاثة أرباع مجنون، والذي يتحدث عن 5 كلم، وعن بيروت، بأن لحزب الله قدرة صاروخية هائلة ودقيقة، ويدنا تصل من كريات شمونة حتى إلى إيلات. وفي الحقيقة، نحن أمام خيارين: إمّا المقاومة، وإمّا الاستسلام، لكن أيهما الأكثر تكلفة؟ أقول إن ثمن الاستسلام باهظ وخطر للغاية، ومصيري".
  • ليس لدى نصر الله خيار. فهو مضطر إلى مواصلة لعبة مَن يستسلم أولاً في مواجهة غالانت. كما أنه بحاجة إلى جعل الآخرين يعتقدون أن لديه خطة منتظمة ومدروسة ومخطط لها، لكن في الحقيقة، ليس لديه فكرة عمّا ستكون عليه الخطوة التالية. هو لا يريد حرباً، لكنه مضطر إلى الانتقام من الآخر، وفي هذه الحالة من "السير على حافية الهاوية"، ليس لدى أيّ طرف قدرة على معرفة متى سيخرج الرد والرد المعاكس عن السيطرة.
  • لعبة مَن يخضع أولاً، هي مثل لعبة سائقَين يقودان سيارتَيهما بسرعة كبيرة في طريق ضيق، ويتجهان نحو بعضهما البعض، وواحد منهما سيضطر في النهاية إلى أن ينحرف بسيارته كي لا يصطدم بالآخر. "الجبان" هو السائق الذي سينحرف بسيارته في اللحظة الأخيرة. ومن الأفضل للسائقَين أن يتراجع أحدهما، وإذا لم يحدث ذلك، فإن النتيجة ستكون سيئة لكليهما.
  • نقطة الذروة هي المرحلة التي لا يمكن العودة فيها إلى الوراء. لذلك، يتعين على إسرائيل أن تُظهر أنها لن تتراجع، وهذا ما يفعله غالانت بصورة جيدة.  لكن من جهة أُخرى، نصر الله لن يكون مستعداً لإنهاء الوضع من دون أن تكون له اليد العليا، ومن دون أن يستعيد الشعور بالسيطرة والقوة أمام شعبه، من هنا، من الأفضل لنا أن نقدم له سلّماً للنزول عن الشجرة العالية التي صعد إليها.