هل صارت إسرائيل أقوى أم أكثر أمناً؟ ما الذي جنيناه من هذه الحرب؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد مرور 150 يوماً على الحرب، بات من الواجب على كل إسرائيلي الإجابة بصدق عن السؤال التالي: هل أصبح وضع بلده الآن أفضل مما كان عليه في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023؟ هل أصبح بلده أقوى؟ أكثر أمناً؟ أكثر رسوخاً؟ هل أضحى أكثر شعبيةً؟ هل أمسى أكثر قدرةً على الردع؟ بات أكثر فخراً بنفسه؟ هل صار أكثر توحّداً؟ أي شيء؟؟ والحقيقة المدهشة هي أن الإجابة الوحيدة المنطقية عن جميع الأسئلة المطروحة أعلاه هي النفي. النفي الواضح والقطعي.
- 150 يوماً قاسية ووحشية لم تنفع إسرائيل بشيء، ولن تنفعها في المستقبل. لا في المدى العاجل، ولا في المستقبل الآجل. لم يتحقق أي هدف، لم ينبت أي أمر جيد لإسرائيل في تربة هذه الحرب، ولن ينبت. أمّا "حماس"، فأصبحت أقوى. صحيح أن الآلاف من مقاتليها سقطوا، لكن مكانتها كبطلة الأمة العربية ارتفعت بحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الإسرائيليين يرغبون في 150 يوماً إضافية، في أقل تقدير؛ هناك صفر معارضة شعبية للحرب، حتى بعد مرور 5 أشهر من القتل والتدمير بأبعاد جنونية، ونبذ إسرائيل وكراهيتها على مستوى العالم، وسفك الدماء، والأذى الاقتصادي اللاحق بإسرائيل.
- لا يمكن للمرء وضع إصبعه على موضع واحد تحسّن فيه البلد خلال الأشهر المذكورة، الأكثر سواداً في تاريخها. لقد أصبحت إسرائيل اليوم أقل أماناً مما كانت عليه قبل الحرب، في ظل خطر اندلاع حرب إقليمية، وتحت السيف المصلت للعقوبات العالمية وفقدان الدعم الأميركي. وأصبحت إسرائيل دولة أقل ديمقراطيةً بكثير: إذ إن الضرر الذي ألحقته الحرب بنظام الحكم في إسرائيل كان أكثر خطورةً من أي انقلاب قضائي يمكن للمرء أن يفكر فيه، والأضرار المتراكمة الناجمة عن هذه الحرب ستظل قائمة إلى ما بعد انسحاب الجيش من قطاع غزة.
- أمّا بخصوص مكانة إسرائيل الدولية، فحدّث ولا حرج، إذ لم يسبق التعامل مع إسرائيل، عبر تاريخها، كمصابة بالجذام وينبغي عزلها، كما هي حالها اليوم؛ بل إن علاقاتها الطبيعية مع الولايات المتحدة تدهورت إلى مستوى لم نشهده من ذي قبل، ناهيك عن النزيف اليومي المتمثل في الجنود القتلى، وعدم إطلاق سراح أغلبية المخطوفين، والآلاف المؤلفة من الإسرائيليين الذين ما زالوا مهجّرين من منازلهم، ونصف البلد الذي صار مكاناً خطِراً لا يمكن التجول فيه. أمّا الضفة، فهي على أهبة الانتفاض، وأمّا الكراهية العميقة التي زرعناها اليوم في غزة، والضفة، والعالم العربي، وفي العالم بأسره، فلا يوجد أمر يساعدنا على اقتلاعها.
- كل هذا، ولا يوجد في الأفق المنظور أيّ توقعات بشأن تحسُّن الحال، في الوقت الذي ترفض إسرائيل، بعناد، أي مقترح لتغيير الواقع من أساسه. وعلى الرغم من هذا كله، فإن الإسرائيليين ما زالوا يطالبون بالمزيد، حالهم كحال المقامر الذي فقد كل ثروته في صالات القمار، وما زال مقتنعاً بأن ما تبقى أمامه هو جولة إضافية صغيرة أُخرى، ليحقق ضربته الساحقة.
- حيال وضع يُقتل فيه 100 فلسطيني يومياً، الإسرائيليون مقتنعون بأن سقوط 30 ألف قتيل إضافي في غزة، سيجعل إسرائيل جنة، أو على الأقل، مكاناً آمناً. من الصعب على المرء التذكر أن عمى كهذا أصاب بلداً في العالم، حتى في إسرائيل. يصعب على المرء أن يتذكر أيضاً حالة مشابهة من فقدان البوصلة الأخلاقية. "فليجُع الغزيون، ليعطشوا، ليختنقوا، ليموتوا"، هذا الخطاب يتبناه حتى اليسار الإسرائيلي، حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية. نحن نُقاد وأعيننا معصوبة، وما من أحد فينا يفطن إلى طرح سؤال: إلى أين؟ وحتّام؟ المهم الآن مواصلة خوض الحرب، لماذا؟ لأن "حماس" ترغب في وقف الحرب، ونحن هنا لكي نربّيها.
- نحن بحاجة إلى طرح سؤال "ما الذي استفادته إسرائيل من هذه الحرب"، ونحن أيضاً بحاجة إلى أن نجيب عن هذا السؤال بشجاعة: هل كان من الصواب الخروج إلى الحرب؟ عليكم أن تضعوا جانباً الشعارات (الصادقة) التي تقول إن ما من دولة كانت ستتصرف بطريقة لا مبالية إزاء هجوم بهذه "الوحشية" ضد سكانها، وأنه من حق أي دولة أن تدافع عن نفسها، وأن نردّ بسؤال: ما الذي تريدنا أن نفعله إزاء الهجوم الذي وقعنا ضحيته؟ دعونا ننظر إلى نتيجة الحرب ونقيس إجاباتنا بناءً على النتيجة: هل كان قرارنا صحيحاً؟ بعد مرور 150 يوماً من عدم العثور على أمور إيجابية سوى مواصلة تحمُّلنا الأثمان الباهظة، هل يمكننا أن نبدأ بالتشكيك في حكمة قرار شنّ الحرب من جانب إسرائيل؟
- كل هذا، من دون أن نأتي حتى بكلمة واحدة عن الثمن الباهظ الذي دفعته غزة، والذي دفعه، إلى حدّ ما أيضاً، سكان الضفة الغربية الذين تنكّل بهم إسرائيل الآن في ظل غبار الحرب، كما لم تنكّل بهم في حياتها.
- يتوجب على أغلبية الإسرائيليين الذين لا تهمهم الكارثة التي حلّت بالفلسطينيين، لا بل تسعدهم، هؤلاء الإسرائيليون الكثيرون، يتوجب عليهم الإجابة عن السؤال: بعيداً عن ابتهاجكم بالكارثة التي حلّت بغزة، ما الذي جنيتموه من الحرب؟ احكموا وفقاً للنتائج. بدءاً من الآن، الأمور ستزداد سوءاً. فهل ترغبون حقاً في حدوث ذلك؟