المناطق (ج) لن تكون إسرائيلية قط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • منذ سنة 2009، يخوض كلٌّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية صراعاً على فرض الوقائع الميدانية في المنطقة (ج)، على الرغم من أن اتفاق "أوسلو" حدد وضعها: المنطقة (ج) هي المناطق في الضفة الغربية خارج المناطق (أ) و(ب)، التي باستثناء قضايا سيتم البحث فيها خلال المفاوضات النهائية، فإنها ستنتقل إلى السلطة الفلسطينية بالتدريج، استناداً إلى هذا الاتفاق". إسرائيل تتحضر بكل قوتها للصراع على هذه المناطق عبر عدة أدوات، أهمها نقل "الإدارة المدنية"، مؤخراً، إلى سيطرة بتسلئيل سموتريتش كوزير في وزارة الدفاع. في سنة 2009، طرح الفلسطينيون "خطة فياض" من أجل إنشاء بنى تحتية ومؤسسات فلسطينية، تحضيراً لإقامة دولة فلسطينية، كأمر واقع، في جميع المناطق في الضفة الغربية، بدعم سياسي ومالي يقدَّر بأكثر من نصف مليار يورو، قدمتها دول الاتحاد الأوروبي.
  • يتناول بحثنا قضية السيطرة الإسرائيلية في مقابل السيطرة الفلسطينية في المنطقة (ج) في 4 مجالات - الديموغرافي، والجغرافي، والاقتصادي والاجتماعي (الدعم الجماهيري). على الصعيد الديموغرافي، بحسب اللجنة المركزية للإحصاء، فإن عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية ارتفع من 311300 في سنة 2010، إلى 491548 في سنة 2023 - ارتفاع بنسبة 58%. وعلى الرغم من وجود حكومة "اليمين الكامل"، فإن الارتفاع في سنة 2023 كان 13345 نسمة، أقل بـ 4% من المعدل السنوي في هذه الفترة. عدد الفلسطينيين في المنطقة (ج) ارتفع من 77220 في سنة 2010 إلى 354 ألفاً هذا العام - ارتفاع 504%. هذا المعطى يفسّر التراجع الدراماتيكي في عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق (ج). واتضح أيضاً أنه في سنة 2010، كانت نسبة اليهود في المناطق (ج) 81.6%، وتراجعت في سنة 2023 إلى 58.1%.
  • هذا الواقع هو نتيجة عدة عوامل: الانخفاض المستمر في النمو السكاني للإسرائيليين الذين يعيشون وراء الخط الأخضر - من 5% في بداية الفترة إلى 2.7% في نهايتها. أمّا في ميزان الهجرة، الذي يتضمن الهجرة إلى مناطق (ج)، فهناك تراجُع من 4160 يهودياً في سنة 2010 إلى بضع مئات في السنوات الأربع الأخيرة. حتى أنه في سنة 2020، جرت هجرة سلبية (أي أن عدد الإسرائيليين الذين غادروا المنطقة أكبر من الذين انتقلوا للعيش فيها) ولوحظت عملية فلسطينية معاكسة: هجرة كبيرة من المناطق (أ) و(ب) إلى المناطق (ج).
  • أمّا على الصعيد الجغرافي، فبعد "تشريع" 34 بؤرة استيطانية غير قانونية في هذه الفترة - عدد قليل منها عبر تعريفها كبلدات، أو مؤسسات مستقلة، وفي أغلبيتها، كأحياء في مستوطنات قائمة- وصل عدد المستوطنات إلى 127 مستوطنة، وعدد البؤر غير القانونية إلى 121 بؤرة. وفي مقابل ذلك، ازداد عدد البيوت التابعة للفلسطينيين (من بيت واحد إلى عشرات)، لقد كان العدد 12522 في سنة 2010، وتضاعف ليصل إلى 28000 تقريباً في سنة 2023، وهذا على الرغم من أن إسرائيل هدمت في الفترة نفسها 8000 منزل. مجمل المنطقة الإسرائيلية المبنية التي تتضمن المستوطنات والبؤر والمناطق الصناعية والقواعد العسكرية والمعابر، وصل هذا العام إلى 80 ألف دونم (2.4% فقط من المناطق ج)، هذا في الوقت الذي بلغت المناطق الفلسطينية المبنية في المناطق (ج) 148 ألف دونم (4.44%).
  • وعلى الصعيد الاقتصادي، يمكن الإشارة إلى اتجاهَين معاكسَين. فبسبب الارتفاع المستمر في نسبة السكان الحريديم في أوساط المستوطنين (39% اليوم)، فإن عدد الإسرائيليين المفروزين في "إشكول 1" - الأدنى في سلّم المؤشر الاجتماعي، آخذ بالارتفاع، ووصل تقريباً إلى نصف المجتمع. وفي الوقت نفسه، إن المعدل الاقتصادي - الاجتماعي لمجمل البلدات في الضفة الغربية ارتفع في الأعوام الماضية، وهذا نتيجة المساعدات الحكومية غير المسبوقة على شكل منح مختلفة، ووصل اليوم إلى 4.3 في السلّم الاجتماعي- الاقتصادي. الارتفاع السنوي في عدد السكان الإسرائيليين في الضفة - الذي يستند في الأعوام الماضية، في أغلبيته، إلى النمو الطبيعي الذي ساهم المجتمع الحريدي في 43% منه - يشير إلى أن هذا الاتجاه من الضعف وزيادة حدة الاستقطاب بين الحريديم والمتدينين القوميين والعلمانيين، سيظل سائداً، ويميز المستوطنين، وسيتطلب استثماراً متزايداً في الدعم الذي تقدمه الدولة.
  • صحيح أن المجتمع الفلسطيني أضعف من المستوطنين على الصعيد الاقتصادي، لكن الانتشار الفلسطيني الجغرافي داخل المناطق (ج) يجري، في الأساس، بفضل الملكية الخاصة للفلسطينيين في أغلبية المناطق، وأيضاً بسبب الدعم الخارجي من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي.
  • السياسة الإسرائيلية بشأن المناطق (ج) فشلت، ليس على الصعيد العملي فقط: محاولة "الاستيطان في القلوب" داخل المجتمع الإسرائيلي من أجل تطبيع الحياة في الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل - فشلت. فعلى الرغم من تطوير أكثر من 100 منتجع ثقافي وسياحي وديني في الضفة، وعلى الرغم من تحويل الكلية الموجودة في قلب الضفة الغربية إلى جامعة أريئيل، وعلى الرغم من طمس الخط الأخضر في الخرائط الرسمية والكتب التعليمية في المدارس، ومن الدعم الجارف من النخبة السياسية للمشروع الاستيطاني، فإن المجتمع الإسرائيلي، في أغلبيته، لا يزال يتحفظ عن سياسة دعم المستوطنات.
  • أولاً، حتى بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، المجتمع اليهودي، في أغلبيته، يفضل الانفصال عن الفلسطينيين (55%) على الضم، أو استمرار السياسة القائمة. وثانياً، المجتمع الإسرائيلي يتحفظ عن الامتيازات التي تحصل عليها المستوطنات في مقابل البلدات داخل إسرائيل. وعندما قدمنا الميزانية للفرد في السلطات المحلية في الضفة في سنة 2023، تبين أنها 3200 شيكل في مقابل 2400 داخل إسرائيل، وفقط ربع الجمهور اليهودي يدعم تفضيل السلطات المحلية في الضفة. وعندما قارننا، لاحظنا أنه بالنسبة إلى بلدات التطوير، فإن ميزانيات المستوطنات أعلى، مع فجوة آخذة بالازدياد على مدار السنوات - نسبة الدعم لهذه السياسة آخذة بالتراجع، وباتت تشمل أقل من ربع المجتمع اليهودي في إسرائيل.
  • من هنا، يمكن الاستنتاج أن حكومات إسرائيل الأخيرة حاولت القيام بعملية تمويه، ليس فقط أمام الفلسطينيين، بل أيضاً في مقابل المجتمع الإسرائيلي الذي يعارض، في أغلبيته، سياسة تفضيل المستوطنات والمحاولة العنيفة للسيطرة على الأراضي في الضفة الغربية.
  • الصدمة التي حدثت يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر كانت فرصة لإعادة البحث في السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين والتعلم من أخطاء الماضي. بدلاً من إدارة حرب مسيانية وخاسرة على منطقة واسعة مسكونة بالفلسطينيين الذين لن يكونوا قط جزءاً من دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية، وبدلاً من الاستمرار في تبذير موارد الدولة في مشاريع إسكان فاشلة جداً تاريخياً - يجب استغلال الأزمة الحالية لتغيير الاتجاه. إذا كانت إسرائيل ستعود إلى الالتزامات التي وقّعتها في الاتفاق المرحلي؛ وإذا تعاملت مع المناطق (ج) على أنها مخزون أراضٍ موقت، سيشكل جزءاً من الدولة الفلسطينية مستقبلاً؛ وإذا تبنّت تفكيراً أمنياً واسعاً، معناه ضمان وجود الدولة كدولة آمنة، ديمقراطية وذات أغلبية يهودية؛ وإذا كانت تود العودة إلى تطوير النقب عموماً، والنقب الغربي بشكل خاص، كالجليل - فإنها تستطيع إدارة صراع عبر جهد مشترك مع المجتمع كله في إسرائيل، والتوقف عن أن تكون أسيرة هدف لا يمكن تحقيقه أصلاً.