التشاؤم بشأن الصفقة يتصاعد، وإسرائيل يمكن أن تصطدم بتسونامي دبلوماسي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • كلّما اقتربنا من بداية رمضان، الذي يبدأ في مطلع الأسبوع القادم، تعمّق التشاؤم بشأن إمكانات الوصول إلى صفقة تبادل أسرى قريباً. نظرياً، يمكن أن تنضج الخطوة بعد بدء رمضان أيضاً، لكن هذا هو التاريخ الذي وضعته الإدارة الأميركية، وحتى الآن، نحن لا نرى أي اختراق، وكما يبدو، فإن ما يظهر هنا هو دينامية كلاسيكية للمفاوضات. ودائماً تبدو الإمكانات ضئيلة، ولا يعبّر الأطراف عن تفاؤل حتّى اللحظة الأخيرة. يجب أن نأمل التقدّم، لكن يبدو أنه في هذه الحالة، فإن الفجوات بين مواقف إسرائيل و"حماس" لا تزال كبيرة، وأشك فيما إذا كان لدى الطرفين إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق.
  • لقد حمّل جو بايدن هذا الأسبوع "حماس" المسؤولية، وقال إن إسرائيل ردّت إيجاباً على المخطط الذي اقترحته الولايات المتحدة، ومصر وقطر. والآن، المطلوب هو رد إيجابي من جانب الحركة، لكن لم يصل هذا الرد كما هو معلوم. إن المخطط الأساسي الذي تم طرحه في جولات الحوارات الكثيرة في باريس والقاهرة معروف؛ فمن المفترض أن تحرّر "حماس" في المرحلة الأولى نحو 35 إسرائيلياً خُطفوا في 7 تشرين الأول/أكتوبر (هم نساء وكبار في السن ورهائن مرضى أو مصابون). وفي المُقابل، فإن إسرائيل ستحرّر بضع مئات من الأسرى، وستعلن وقف إطلاق نار لمدة 6 أسابيع، خلالها سيتم بحث تحرير بقية الرهائن. يوجد في القطاع الآن 134 إسرائيلياً، والجيش أعلن موت 33 منهم، لكن يبدو أن العدد الحقيقي للقتلى أعلى من ذلك.
  • هناك 3 نقاط مركزية خلافية بين الأطراف: عدد الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية الذين سيتم تحريرهم، وشكل تحوّل وقف إطلاق النار إلى وقف إطلاق نار دائم ونهاية الحرب، بالإضافة إلى حجم عودة السكان الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة. وبحسب مصادر لها علاقة بالمفاوضات، فإن "حماس" تطالب في المرحلة الأولى بتحرير نحو 100 أسير من الذين أيديهم "ملطخة بالدماء"، أي أنهم قتلوا إسرائيليين، وإسرائيل وافقت على تحرير 10 فقط. و"حماس" تريد الانتقال إلى المرحلة الثانية؛ إعادة بقية الرهائن الأحياء مع جثث الإسرائيليين المخطوفين في غزة في مقابل الانسحاب الكامل للجيش من القطاع (وعملياً، نهاية الحرب وبقاء سلطتها)، لكن إسرائيل لا تريد التزام ذلك. هذا بالإضافة إلى أن الحركة تطالب بعودة جميع سكان شمال القطاع إلى مناطق سكنهم التي دمّر الجيش معظمها خلال الحرب، وهذا في الوقت الذي تبدي إسرائيل فيه استعدادها لعودة النساء والأطفال فقط.
  • إن القضية الأكثر أهمية تتطرّق إلى استمرار الحرب؛ فـ"حماس" مؤمنة بأن تحرير الرهائن سيكون السلّم الذي يسمح لها بالخروج من وضعية القتال مع ضمان قيادتها، وإسرائيل غير معنية بمنحها ذلك. وأكثر من ذلك؛ فإنه حتّى لو تم استكمال الدفعة الأولى في الصفقة الجديدة، فإن المفاوضات يمكن أن تنفجر في الدفعة الثانية، إذ ستبحث في أمر إعادة الجنود والرجال تحت جيل الـ50 والجثث، في مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.
  • في هذا الأسبوع، وسّع الجيش عمليّاته في خان يونس، ودخل الحي الذي بنته قطر (أبراج حمد، شمال غربي المدينة)، وهذه المنطقة معرّفة كهدف جديد بسبب معلومات استخباراتية عن "مخربين" كثيرين من قوّات النخبة يختبئون هناك. وقد تم اعتقال عشرات المقاتلين من "حماس" فعلاً في الحي، وعشرات غيرهم قُتلوا، والمقاومة هناك لم تعد منظّمة؛ إذ لم يتبق لدى "حماس" ألوية منظّمة في خان يونس، وإنما فقط خلايا صغيرة تخوض حرب عصابات وتعمل بصورة مستقلة.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن الخطوة في خان يونس تبدو وكأن الجيش يبحث له عن عمل بالقوة موقتاً، في الوقت الذي ينتظر فيه أوامر جديدة. والمنظومة الأمنية لم تتوقف عن الجهد لإيجاد قيادات "حماس" في القطاع (يحيى السنوار ومحمد ضيف)، ويجب استبعاد إمكان أن يكون كلاهما قد وجد مخبأ جديداً تحت الأرض في خان يونس.
  • وفي مرحلة متأخرة أكثر، ومن دون صفقة، فإنه سيُطرح السؤال: "إلى أين سيناور الجيش بعد رمضان؟ هل سيتوجه نحو مخيّمات اللجوء المتبقية في مركز القطاع (النصيرات ودير البلح) أم إلى رفح؟"، والعوائق في رفح معروفة؛ الكثافة السكانية العالية، ومطالب المجتمع الدولي بالسماح للمدنيين بالخروج الآمن من هناك. وفي المقابل، لا يزال هناك 4 ألوية تابعة للحركة في رفح لا تُعتبر قوية، وكان هناك على مدار السنوات مؤشرات للفساد في القيادة الكبيرة لهذه الألوية.
  • وهناك علاقة بين ملاحقة السنوار والضيف من جهة، والخطوة في رفح من جهة أُخرى؛ فمن دون حسم في مقابل "حماس"، وطبعاً من دون انتصار مطلق يعد به رئيس الحكومة نتنياهو دائماً، فإن إسرائيل ستبحث عن صورة انتصار، واغتيال قيادات "حماس" يمكن أن يشكّل بديلاً من الإخضاع، وفي الوقت نفسه، فإن خطوة طويلة في رفح، مكلفة وأيضاً مركّبة، ستسمح لإسرائيل بعدها بادّعاء أنها فكّكت البنى العسكرية لـ"حماس" في جميع مناطق القطاع.
  • لكن من دون صفقة أو وقف لإطلاق النار، فإنه يمكن أن تتطوّر هنا صورة مصغرة عن الحرب في أوكرانيا التي لا تنتهي. إسرائيل تقف أمام جهود استنزاف في جبهتين؛ لبنان وغزة، والآن، لا تستطيع وضع حد للقتال، وأعداؤها مصمّمون على استمرار القتال، حتّى لو كانت خسائرهم كبيرة، ولا يملكون أي إنجازات حقيقية جديدة.

الخروج من الأزمة

  • في المحادثات التي أدارها مسؤولون كبار مع الإدارة الأميركية، يظهر التخوّف الأميركي من سيناريو الانجرار إلى كارثة إنسانية واسعة، وبصورة أساسية في شمال القطاع؛ فمنذ كارثة الشاحنات في غزة الأسبوع الماضي، حيث قُتل أكثر من 100 مدني فلسطيني خلال مواجهات حول قوافل المساعدات (بعضهم بسبب نيران الجيش)، طالب الأميركيون بزيادة حجم المساعدات التي تدخل القطاع، وبعض هذه المساعدات يتم إنزاله عبر الطائرات، وقريباً سيتم فتح مسار بحري من قبرص برقابة غربية. في هذه الليلة، أعلن الرئيس بايدن إقامة رصيف مائي لشواطئ القطاع، يسمح بإرسال مئات إرساليات المساعدات الإنسانية يومياً، وقد تجوّل قائد القيادة الوسطى للجيش الأميركي، الجنرال مايكل كوريلا، في معبر رفح من الجانب المصري، واكتشف خلال حديثه مع قادة الشاحنات أنهم ينتظرون هناك منذ أسابيع. إن الأميركيين يدفعون بإسرائيل إلى حل هذه الأزمة، وضمان دخول المساعدات بصورة منظّمة وسريعة.
  • عندما حذّر إيهود باراك، وزير الدفاع حينها، سنة 2011 من "تسونامي سياسي" ينتظر إسرائيل، فإن التحذيرات لم تتحقّق، وسخر منه داعمو نتنياهو. لكن ومع طول مدة الحرب في غزة، فإنه يبدو أن هذا ما تواجهه إسرائيل الآن في أوساط الديمقراطيين في الولايات المتحدة، وأيضاً الحكومات الداعمة في أوروبا، إذ تبحث بعضها خطوات رمزية من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية.
  • وقد بدأ كل من هولندا وأيضاً بريطانيا مؤخراً بحث فرض محدّدات على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل في وقت الحرب، بسبب الانتقادات الداخلية لإدارة الحرب في غزة. وهناك أيضاً تخوّف متصاعد من محاولة الأوروبيين العمل ضد ضبّاط كبار في الجيش في الساحة القضائية، وذلك بسبب ادعاءات تنفيذ جرائم حرب. وفي نظر أغلبية الجمهور الليبرالي في الغرب، فإنه يبدو أن جرائم 7 تشرين الأول/أكتوبر تشوّشت مع الوقت، والآن يدور الحديث بشأن خطر تجويع في غزة، ومليون لاجئ في حالة اكتظاظ في رفح.
  • في الخلفية، وكما أشار بايدن، فإن هناك خطر رمضان؛ فمن دون صفقة أو هدنة في القتال، هناك تسخين يحدث في المسجد الأقصى، ومن الممكن أيضاً في العالم العربي كله، ويمكن أن يصل الأمر إلى موجة جديدة من التظاهرات المتضامنة مع الفلسطينيين في العواصم العربية كما حدث في بداية الحرب. كتبت نعومي نويمان، وهي مسؤولة الأبحاث سابقاً في "الشاباك"، مقالاً في معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط، يشير إلى أنه إذا لم تتصرف السلطات الإسرائيلية بحذر، فإن الوضع في الضفة يمكن أن يغدو خطِراً جداً في رمضان.
  • لقد رفعت "حماس" من حدّة حملة "الأقصى في خطر" في محاولة لتوسيع جبهات القتال. ففي الواقع الذي يزداد فيه عدد الفلسطينيين الشباب الذين يتماهون مع طريق العنف الذي ترسمه "حماس"، تكتب نويمان أنه من المهم لإسرائيل أن ترسم صورة بديلة إيجابية في الساحة الفلسطينية، وذلك عبر إبداء ليونة معيّنة بشأن الاقتراحات الأميركية.
  • كما يبدو، فإن هذا لن يحدث قريباً، وذلك بسبب رغبة نتنياهو في المحافظة على الحلف مع الجانب اليميني المتطرّف في حكومته. وهناك مصادر أمنية إسرائيلية تشخّص مساحة توافُق ممكنة مع الولايات المتحدة، وبحسبهم، فإنه سيكون كافياً أن تطرح إسرائيل مقولات عامة بأنها لا تلغي رؤية حل الدولتين، من أجل المحافظة على الاستعداد الأميركي لاستعمال الفيتو ضد المقترحات العدائية في مجلس الأمن، ولتستمر في تزويد إسرائيل بالسلاح وقطع الغيار العسكرية.
  • إن أجهزة الأمن تتابع عن قرب مخزون الأسلحة، وتستثمر جهوداً كبيرة في إدارة العلاقة المستمرة بالبنتاغون، من أجل ضمان وصول المساعدات العسكرية خلال الحرب. وهذا التخوّف يتعلّق أساساً بالشمال؛ أولاً، لا يزال هُناك تخوّف من انجرار أكثر صعوبة في الحدود مع لبنان، إذا لم يتم التوصّل إلى ترتيبات سياسية وضمان إبعاد ناشطي حزب الله عن الحدود الإسرائيلية. وثانياً، وحتّى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث تنجح إدارة بايدن في الوصول إلى اتفاق تطبيع سعودي - إسرائيلي، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار المحاولة الإيرانية لإحباطه عبر إشعال الجبهة اللبنانية (وهو ما قامت به "حماس" مرتَين؛ الأولى لتشويش اتفاق أوسلو سنة 1993، والثانية في منع التقارب الإسرائيلي - السعودي في 7 تشرين الأول/أكتوبر).
  • إن إسرائيل تبذل جهوداً من أجل إضفاء شعور بضرورة التوصُّل إلى اتفاق سياسي في الشمال لدى الأميركيين. وقال مسؤول أميركي إن مسؤولين إسرائيليين أرسلوا إليه منشوراً كتبه مدوّن إسرائيلي يستعمل كنية "أبو علي إكسبرس"، وفيه يحذّر من أن إسرائيل ستخرج إلى حرب كاملة مع حزب الله.