بدلاً من تقديم رؤية حقيقية لإنهاء النزاع، تثبت إسرائيل أنها لم تتعلم شيئاً من 7 تشرين الأول/أكتوبر
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يثبت سلوك إسرائيل منذ بدء الحرب أن شيئاً لم يتغير، حتى بعد إحدى أكبر الكوارث في تاريخنا، وبعد 5 أشهر من القتال. إن محاولة وضع آليات لتوزيع المساعدة الإنسانية لا تعتمد على مراكز قوة في الجمهور الغزّي، ورفْض الحكومة مناقشة اليوم التالي للحرب، هما استمرار للسياسة عينها التي انتهجتها إسرائيل قبل 6 تشرين الأول/أكتوبر القائمة على المماطلة والارتجال. والأمر الوحيد الذي تغير هو قوة النار التي تستخدمها إسرائيل في قطاع غزة، والدمار الهائل، وعدد القتلى الذي لا يمكن تصوُره، والأزمة الإنسانية الصعبة، وأزمة المخطوفين التي لم تشهد مثلها من قبل.
- وإلى غاية نشوب الحرب، كانت سياسة حكومات إسرائيل، وخصوصاً تلك التي ترأّسها بنيامين نتنياهو، هي الاستمرار في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لمنع أي فرصة لحدوث تقدُم سياسي. وفي إطار هذه السياسة، رفدت إسرائيل "حماس" بالمال، بهدف المحافظة على حكمها الذي نما في غزة، وخاضت، بصورة دورية، عمليات محدودة لا تعرّض سيطرة "حماس" على الأرض للخطر، لكن في المقابل، انتهجت إزاء السلطة الفلسطينية في رام الله، ورئيسها محمود عباس، سياسة إذلال وإضعاف، مع المحافظة على مصالح دائرة محدودة من ذوي النفوذ، وعلى التنسيق الأمني مع الجهات الاستخباراتية في السلطة.
- صحيح أن إسرائيل قررت القضاء على سلطة "حماس" في غزة، لكنها امتنعت من تقديم بديل جِدّي يسمح لها بتحقيق هذا الهدف. واستناداً إلى ما ذُكر في نهاية الأسبوع، فقد تطرّق وزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى الموضوع خلال نقاش في الكابينيت السياسي - الأمني، قدّم خلاله 4 خيارات لليوم التالي للحرب. وعَرْضُهُ خيار استمرار سيطرة "حماس" على القطاع، والذي وصفه بالأسوأ، يثبت أن الحركة لم تنهَر بعد.
- ثمة خطوة أُخرى طرحها غالانت؛ وهي نقل السيطرة المحلية إلى زعماء العشائر، أو الاعتماد على عناصر حركة "فتح" من الذين صمدوا في القطاع بعد 2007، أو تتويج محمد دحلان. لكن التاريخ الحديث يدل على أن تجربة إنشاء زعامة "تنوب عن الآخرين"، بواسطة متعاونين حلفاء محليين أو حكومة ألعوبة، لن تنجح، ويمكننا أن نسأل السوفياتيين عن "نجاحهم" في أفغانستان، أو الأميركيين في العراق وأفغانستان، أو النظر إلى تاريخ إسرائيل التي حاولت أن تقيم في الضفة الغربية روابط القرى كبديل للزعامة الوطنية في المناطق، وعندما طُردت منظمة التحرير من لبنان، ووقعت اتفاق سلام مع حزب الكتائب اللبناني سنة 1982.
- يجب أن نشير إلى أن السردية العربية لا تعتبر هذه المحاولات فشلاً، إنما نجاحاً سياسياً هدفه إبقاء دول المنطقة ضعيفة ومنقسمة وجائعة، وتصارع من أجل البقاء، بَيْدَ أن سياسات كهذه لا يمكنها الاستمرار طويلاً، وهي تتحول إلى أرض خصبة لنمو التنظيمات الأصولية المتطرفة التي تشكّل ثمرة ناضجة لدول كإيران، التي تسعى لرعاية تنظيمات كهذه.
- وثمة بديل لا يجرؤون في إسرائيل على الحديث عنه؛ وهو سلطة فلسطينية حقيقية تعتمد على إرادة الشعب الفلسطيني، وتحظى بشرعية داخلية، وزعامة تخضع للمساءلة أمام المواطن الفلسطيني، لا سلطة ضعيفة أو فاسدة. صحيح أن حاجات قطاع غزة اليوم هي أكبر من أن تتحملها عشيرة أو منظمة أو حتى دولة كإسرائيل، كما أن الدمار في غزة يمنع إمكان نشوء زعامة منتخبة بواسطة الانتخابات، وهو ما يمنع إجراء انتخابات في الضفة أيضاً. لذلك، يتعين على إسرائيل تقديم خطة عمل مع رؤية بمشاركة المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة والدول العربية، وهو ما لم تنجح حتى الآن في فعله، حتى فيما يتعلق بكيفية تفريغ سفينة مساعدات.
- وكذلك الأمر، فإن القيادة الفلسطينية في رام الله، مع كل الفصائل في المجتمع الفلسطيني، وبينها "حماس" وحلفاؤها، تعمل انطلاقاً من مصالح ضيقة، ولا تقدم رؤية حقيقية أو خطوة جِدِّية من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية. ويكفي أن نتأمل قرار الرئيس محمود عباس تكليف محمد مصطفى، المقرب منه، تشكيل الحكومة، وما تلاه من تبادل للاتهامات التي عمقت الشرخ الفلسطيني...
- في إمكان إسرائيل التلويح بشعارت كالقضاء على "حماس" وإعادة المخطوفين من أجل تبرير استمرار الحرب عدة أشهر أُخرى، لكن هذه السياسة لا تؤدي إلى الحسم ولن تفعل ذلك، إنما ستحكم على كل شخص يعيش بين البحر والنهر بأن يكون أسيراً للصراع مع الـ 134 أسيراً إسرائيلياً، وآلاف الأسرى الفلسطينيين.