تهجُّم نتنياهو على بايدن هو نكران للجميل وإخفاق استراتيجي
تاريخ المقال
المصدر
- إن التهجُّم غير المسبوق لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على الرئيس الأميركي، جو بايدن، هو من أشد التعابير التي تُعد نكراناً للجميل، وإخفاقاً استراتيجياً من الدرجة الأولى، فالولايات المتحدة هي الحليف الحقيقي الوحيد لإسرائيل، وجو بايدن هو أهم صديق لها مطلقاً، إذاً، فلا يوجد أي منطق استراتيجي في التهجُم عليه، وعلى زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور شاك شومير، ويمكن فقط الشك في أن المقصود هو سياسة داخلية تافهة بدلاً من استراتيجيا ضرورية لأمن الدولة ومستقبلها.
- وخلال سنوات حُكمه الطويلة، بادر نتنياهو إلى أكثر من مواجهة مع رئيس أميركي، وقد كبدتنا هذه الأخطاء ثمناً باهظاً. صحيح أن رئيس الحكومة كشف جيداً التهديد الإيراني قبل ربع عقد من الزمن، وتعهّد بالقضاء عليه، لكن منذ ذلك الحين، خلال الـ 12 عاماً الأخيرة على الأقل، كرر الأخطاء الخطِرة في سياسته، الأمر الذي جعل إسرائيل في حالة من الضعف في مواجهة التهديد الإيراني. وإيران اليوم هي دولة على عتبة النووي، وبقرار منها فقط، يمكنها تطوير سلاح نووي خلال وقت قصير، الأمر الذي سيؤدي بمعقولية كبيرة إلى بدء سباق نووي يمنح جميع التنظيمات "الإرهابية" مظلة دفاعية، بدءاً من حزب الله في الشمال، وصولاً إلى الحوثيين في اليمن. وتعود جذور هذا الوضع إلى العام 2011 وذلك بعد الكشف عن مبادرة نتنياهو إلى شن هجوم عسكري على إيران من دون تنسيق استراتيجي مع الولايات المتحدة، ورئيسها آنذاك باراك أوباما. هذا بالإضافة إلى أنه أهان أوباما من دون سبب؛ عندما وقف أمام الكونغرس، وألقى خطاباً ضد الاتفاق النووي مع إيران، ومن دون التنسيق معه، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة وقّعت الاتفاق مع إيران من وراء ظهر إسرائيل، على الرغم من كونه اتفاقاً سيئاً. لكن إلغاء الرئيس ترامب الاتفاق بعد مرور بضع سنوات، بتشجيع من نتنياهو، جعل الوضع أسوأ مما نتصوره؛ إذ تحررت إيران من قيود الاتفاق، وقررت المضي قُدُماً في المسار النووي العسكري وصولاً إلى العتبة الخطِرة الحالية.
- وفي السبت الملعون، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أنقذت الولايات المتحدة إسرائيل سامحةً للجيش الإسرائيلي بالوقوف على قدمَيه وتوجيه ضربات قوية إلى "حماس". لكن من بعدها، جاءت تصريحات نتنياهو بشأن استراتيجيا النصر المطلق التي ستؤدي إلى إفشال إنجازات الجيش الإسرائيلي وإلحاق الضرر بها، لأنها تتجاهل الحلف مع الولايات المتحدة. وتقترح الولايات المتحدة على إسرائيل صفقة أحلام تتضمن محوراً استراتيجياً يعتمد على الدول العربية الكبيرة، وعلى رأسها السعودية ومصر ودول اتفاقات أبراهام، ويدمج إسرائيل أيضاً في حلف عسكري إقليمي بزعامتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تقترح على إسرائيل مخططاً لإعادة إعمار غزة، بتمويل سخي من دول الخليج، إذ من دون إعادة الإعمار في غزة، ومن دون زعامة فلسطينية أصيلة، فإن إسرائيل يمكن أن تنجرّ إلى احتلال مباشر لقطاع غزة، الذي يعاني جرّاء الكوارث والأزمات.
- وعلاوة على ذلك، فإذا أرادت إسرائيل إعادة الآلاف من سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، فهي أمام طريقَين؛ إمّا مواجهة شاملة مع حزب الله، ثمنها الاستراتيجي باهظ جداً، ولن تساعدنا الولايات المتحدة فيها، وإمّا ترتيبات أمنية محسنة على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1701، يسمح بإبعاد قوة الرضوان إلى ما وراء الليطاني. إن الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان مهمة للغاية، لكن من دون تحرُك سياسي، فليس هناك أفق لإنهاء المواجهات وعودة السكان الإسرائيليين إلى منازلهم.
- وبالإضافة إلى ذلك، فإن دخول رفح يمكن أن يُلحق الضرر بالعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة ومصر، وعلى الرغم من أهميته العسكرية، فهو غير ممكن من دون التنسيق معهما؛ فمصر، كرائدة للسلام، يمكنها المساعدة في إقامة علاقات شديدة الأهمية من الناحية العسكرية والاقتصادية مع دول عربية رائدة، وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة ستواصل تزويد إسرائيل بقبة فولاذية أمنية واقتصادية وسياسية وقانونية، لكن إذا استمرت الإهانات، فإن هذه القبة ربما تتصدع. إن الآية القائلة "شعب إسرائيل يمكنه أن يبقى لوحده" جميلة، لكنها لا تلائم دولة صغيرة كإسرائيل، ومن المؤسف أن هناك من لا يفهم ذلك.
- يتعين على نتنياهو أن يضع في الدرجة الأولى من الأهمية إعادة المخطوفين على قيد الحياة وبصحة جيدة. وفي إمكان إسرائيل تحويل إنجازات الجيش الإسرائيلي في غزة وجنوب لبنان إلى أرباح استراتيجية تعزز مستقبل أمنها القومي، لكن التمسك باستراتيجيا النصر المطلق، وعدم التنسيق مع واشنطن سيلحق الضرر بذلك. حان الوقت لانتهاج استراتيجيا تعتمد على إنجازاتنا العسكرية الباهرة.