نتنياهو يحاول شراء الوقت، لكن عليه أن يقرر بسرعة ما إذا كان سيخلق مشكلة لاجئين - نموذج سنة 2024
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن موضوع اللاجئين مطروح في صلب المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" التي يبدو أنها وصلت الآن إلى طريق مسدود؛ فهل ستسمح إسرائيل للفلسطينيين بالعودة إلى شمال قطاع غزة، والذي تم تهجيرهم منه في بداية الحرب، أم سيبقون نازحين وتبقى المنطقة تحت حكم إسرائيل؟ من هنا يولد أيضاً النقاش الجماهيري في إسرائيل؛ هل يجب إعادة الفلسطينيين إلى شمال القطاع في مقابل الرهائن كما تطلب أحزاب الوسط، أم يجب التخلي عن الرهائن والإبقاء على المنطقة من أجل إقامة مستوطنات يهودية كما يريد اليمين المتطرف؟
  • لقد كانت الخطوة الاستراتيجية المركزية التي قامت بها إسرائيل في حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر هي تهجير سكان شمال القطاع، وهدم المنازل والبنى التحتية. ومن غير الواضح ما إذا قدّر قائد "حماس" في غزة، يحيى السنوار، أن هذا سيكون ردّ إسرائيل على "المذبحة" التي نفذها في الغلاف، أم إنه تفاجأ من قوة الرد والسهولة التي أخلت بها إسرائيل المنطقة من أغلبية سكانها الفلسطينيين، بينما القسم الذي بقي هناك يخاطر بالموت جوعاً. وقد أضافت إسرائيل إلى الخراب والتهجير خطوتَين: تمشيط المنطقة المحاذية للحدود، حيث ستكون منطقة عازلة خالية من المباني والأشخاص، وفتح "طريق السيطرة" إلى وسط القطاع، والذي يمكن استعماله كخط فاصل مستقبلاً بين شمال غزة، الذي تسيطر عليه إسرائيل، وجنوبها، الذي تسيطر عليه "حماس". وكل هذه الخطوات حدثت من دون ضجيج كثير، وتركّزت النشرات الإعلامية وبيانات الجيش على العمليات التكتيكية؛ كقتلنا عدداً معيّناً من "المخربين"، وتفجيرنا الأنفاق، واعتقالنا مشتبهاً فيهم.
  • والآن، تقترب ساعة الحسم؛ هل يجب تحويل التهجير إلى واقع ثابت؟ أم هل يجب منح اللاجئين حق العودة إلى منازلهم في الشمال؟ لقد جرت النكبة الفلسطينية في سنة 1948 عندما قررت إسرائيل، بقيادة بن غوريون، منع عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا أو هُجروا من مدنهم وقراهم خلال المعارك. إذاً، فالإبقاء على اللاجئين خارجاً، وهو ما لا يزال أمراً قائماً حتى يومنا هذا، سمح بإقامة دولة إسرائيل على حدود وقف إطلاق النار سنة 1949. وبعد ذلك بعدّة أعوام، تم هدم مئات البلدات العربية وإقامة بلدات يهودية مكانها. ولا يزال أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين تم إبعادهم سنة 1948 إلى قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان يقاتلون إسرائيل.
  • إن هذا القرار مطروح الآن أمام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وكما هو معروف عنه، فهو يحاول الوقوف موقف المتفرج وشراء الوقت، في الوقت نفسه الذي يقوم فيه الجيش بإقامة المنطقة العازلة على طول الحدود، ويهجّر من الشمال الجزء الذي تبقّى من السكان هناك؛ إذ ترفض إسرائيل تزويدهم بالمواد اللازمة عبر المسار السريع من معبر إيرز، وتتجاهل الضغط الدولي والتحذيرات من المجاعة.
  • إن رسائل نتنياهو متناقضة؛ فقد أعلن عشية المداولات في المحكمة الدولية في لاهاي بشأن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية أنه "لن نحتل القطاع ولن نهجّر السكّان الفلسطينيين." كما نفى في بداية الحرب إمكان تجديد الاستيطان اليهودي في غزة، لكنه، ومنذ ذلك الوقت، يمنح مبادرات اليمين المتطرف الدعم الصامت، وهؤلاء جرّوا وراءهم كثيرين من حزب الليكود. لقد رفض نتنياهو السيطرة الفلسطينية مستقبلاً في القطاع، وتصريحاته في الإعلام الأميركي ("سنبقى في غزة لعقد من الزمن")، والطريقة التي يدير بها المفاوضات، تشير إلى أنه يمتنع الآن من الحسم؛ أو ربما على الأقل يترك إمكان الاحتلال والاستيطان قائماً.
  • نتنياهو يعرف التاريخ؛ إذ إن بن غوريون صمد أمام ضغوط دولية ثقيلة من أجل إعادة اللاجئين الفلسطينيين، أو جزء منهم، حتى اعتاد العالم. وهذا هو أيضاً موقف اليمين في إسرائيل؛ فبعض الدونمات للاستيطان في غزة أفضل من التصويت في الأمم المتحدة أو لاهاي. وبحسبهم، فإنهم لن ينتظروا في هذه المرة بضعة أعوام، إنما العكس هو الصحيح. فنتنياهو وشركاؤه يقدّرون ويتمنون عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ويبدو أن أزمة الفلسطينيين لن تهمه كثيراً، وخصوصاً بعد أن عبّر منافسه جو بايدن عن بعض التعاطف. وإن كانت لدى إسرائيل القدرة على مساعدة ترامب في العودة عبر خطوات تشجع المجتمع الداعم للفلسطينيين في ولايات مفتاحية، كمشيغين، بألاّ يصوّتوا للديمقراطيين، فسيكون ترامب شاكراً لنتنياهو.
  • لكن نتنياهو لا يستطيع انتظار حسم ترامب، الذي حتى إذا فاز في الانتخابات، فسيعود فقط بعد 10 أشهر إلى البيت الأبيض. إذاً، فإن عليه أن يقرر الآن، فالمفاوضات تدور في الدوحة بشأن إعادة الرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين إلى شمال القطاع، حتى لو كان الثمن انشقاقات في الائتلاف أو الاستجابة لليمين المتطرّف، وإعلان "أزمة اللاجئين الفلسطينيين الثانية"، وبدء التحضير لإقامة مستوطنات "معاليه شمشون" و"نؤوت دليلا" مكان الشجاعية وجباليا والرمال. إن قرار مجلس الأمن، وقف إطلاق النار، يجعل هذا النقاش أكثر حدّة بشأن مستقبل شمال غزة.