الأزمة غير الضرورية مع بايدن تصبّ في مصلحة "حماس"
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- خيار إدارة بايدن عدم استخدام "الفيتو" حيال قرار مجلس الأمن بشأن غزة هو إشكالي، ويشكل تطوراً استراتيجياً سلبياً. امتناع الولايات المتحدة من استخدام "الفيتو"، بعد استخدامه 3 مرات خلال الحرب، كشف عُمق الأزمة بين واشنطن والقدس. وفي إطار الأزمة نفسها، يمكن أن يُلحق الضرر بمنظومة الضغوط التي يتم تفعيلها على "حماس" بشكل يجعل موقف السنوار أكثر صلابةً في المفاوضات بشأن صفقة التبادل، التي تحاول الإدارة نفسها الدفع بها.
- وأكثر من ذلك، إن قرار مجلس الأمن يجعل الدول الغربية تزيد في ضغوطها على إسرائيل، بادّعاء أن القتال في غزة يتعارض مع القانون الدولي. وهذا، في الوقت الذي تضغط علينا الولايات المتحدة لنمتنع من شنّ عملية واسعة في رفح، ولا تستخدم كامل قوتها للضغط على قطر كي تدفع بـ"حماس" إلى التنازل عن مطالبها المتطرفة.
- خيار نتنياهو المبادرة إلى مناوشة إعلامية مع الإدارة بسبب قرار مجلس الأمن والحملة في رفح، والتي أصلاً لم تكن مقررة في الأسابيع المقبلة، خطوة غير ضرورية، وتضرّ بالمصالح الاستراتيجية والأمنية العميقة لإسرائيل. وبالمناسبة، هذه الخطوة (والتراجع عنها بعد يومين)، مع سلسلة قرارات استراتيجية أُخرى خلال الحرب، جرت من دون مشاورات، ولا مداولات منظمة مع "كابينيت الحرب"- وتم التعامل معها في واشنطن كإذلال شخصي للرئيس بايدن، الذي جرى تنسيق زيارة الوفد معه خلال محادثة هاتفية.
- إلا إن الضرر الأساسي لمصالح إسرائيل وأوراق قوتها في مقابل "حماس"، كان بسبب ردّ رئيس الحكومة، بعد القرار الذي تبناه مجلس الأمن. أولاً، بعض الكلمات عن القرار: القرار لا يتضمن إدانة "حماس"، كما في القرار السابق الذي طرحته الولايات المتحدة واستخدمت روسيا والصين "الفيتو" ضده. كما أنه يطالب بوقف إطلاق نار فوري في رمضان، يقود إلى وقف إطلاق نار "مستمر" (وهو مصطلح صممت عليه الولايات المتحدة لكي يكون بديلاً من الصيغة الأصلية التي تتضمن كلمة "دائم")، وفي الجملة نفسها يطالب بتحرير فوري للرهائن من دون شرط.
- الإدارة سارعت إلى التوضيح رسمياً، كما برز أيضاً في أقوال السفيرة في الأمم المتحدة والمؤتمرات العلنية، أن الحديث يدور حول قرار غير مُلزم قانونياً- وأن كل وقف لإطلاق النار، يجب أن يكون موازياً لتحرير جميع الرهائن. معنى هذه التصريحات أن الولايات المتحدة لم تغيّر، جوهرياً، في سياساتها بشأن الحرب في غزة، وأنها غير معنية بفرض وقف القتال على إسرائيل.
- وبدلاً من "تحويل الليمون إلى ليمونادا" والتمسك بتصريحات الإدارة لتبرير استمرار الضغط العسكري على "حماس"، اختار رئيس الحكومة تصعيد المواجهة مع بايدن، والتشديد- بشكل يساعد "حماس"- على أن الولايات المتحدة أضرّت بالجهود الحربية الإسرائيلية. وأكثر من الضرر الذي لحِق بالعلاقات مع إدارة بايدن، فإن المواجهة مع الولايات المتحدة تُضعف مكانة إسرائيل في المنطقة والعالم، ويمكن أن تدفع بدول غربية أُخرى إلى الاتجاه نفسه، وضمنها دول صديقة، كي تزيد في انتقاداتها لسياسات إسرائيل في غزة، وأن تتخذ خطوات عملية ضدها (مثل قرار كندا بشأن وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل).
- التصريح بأن الولايات المتحدة تضرّ بالجهود الحربية الإسرائيلية، تم التعامل معه على أنه نكران لجميل الرئيس بايدن، ومحاولة لإضعافه سياسياً في مقابل الجمهوريين، عشية الانتخابات- بعد أن تجند بشكل غير مسبوق إلى جانب إسرائيل، وكان على استعداد لدفع ثمن سياسي.
- ويجب التذكير بأنه على عكس الصين وروسيا اللتين وقفتا إلى جانب "حماس"، أثبتت الولايات المتحدة أنها الجهة التي يمكن الاعتماد عليها، استراتيجياً، بشكل لا يمكن استبداله بالنسبة إلى إسرائيل. في الواقع الحالي، هي الجهة الوحيدة التي تزود إسرائيل بالتكنولوجيا، والسلاح والمساعدات، وتضمن بقاء مخازن السلاح الإسرائيلية ممتلئة، وتمنع قراراً "له أسنان" في مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة، قبل إطلاق سراح الرهائن. في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وفي اللحظة التي فقدت إسرائيل توازنها، أدارت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس بايدن شخصياً- عجلة القيادة، ووقفت مباشرة وبقوة إلى جانبنا، لكي تردع حزب الله وإيران عن استغلال الوضع والانضمام إلى الحرب. الولايات المتحدة أمسكت بإسرائيل عسكرياً، ونشرت فوقها "قبة حديدية" سياسية في مجلس الأمن، ومنحتها حزمة مساعدات اقتصادية، كما اعترضت صواريخ ومسيّرات تم إطلاقها من اليمن والعراق، وبادرت إلى حملة ضد الحوثيين للحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر.
- لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بمواجهة أميركا، ويجب عليها تغيير الاتجاه. عليها أن تلتزم بوعودها العلنية وغير العلنية، وأن "تُغرق غزة بالمساعدات الإنسانية" لتخفيف الضغط عن إدارة بايدن بشأن هذا الموضوع. التنسيق مع الولايات المتحدة ودول المنطقة بشأن دخول المساعدات إلى غزة وتوزيعها داخل القطاع سيساعد إسرائيل والقوى الإقليمية والدولية على البناء من أجل ملء الفراغ في غزة، من خلال بديل من "حماس"، أو الاحتلال الإسرائيلي، وزيادة الضغط على الحركة.
- قضية أُخرى إضافية هي السؤال عن العملية في رفح. إبادة الكتائب الأربعة المتبقية من لواء رفح التابع لـ"حماس"، وهي ليست كتائب نوعية في الحركة، لن تؤدي إلى "انتصار مطلق"، وهذا بالمناسبة لم يُعلن كهدف للحرب. العملية في رفح ليست فورية، ويمكن الدفع بها بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وليس رغماً عنها، كما يقول نتنياهو وديرمر. من المهم جداً قطع مسارات التهريب من سيناء، فوق الأرض وتحتها، لمنع "حماس" من التسلح، وإعادة التزود بالسلاح من جديد، والعودة إلى مراكمة القوة.
- وكما أثبتت الأعوام الطويلة من وجودنا في غزة، لا يمكننا تحقيق هذا الهدف وحدنا. هذه المهمة تحتاج إلى تنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة ومصر، والاستناد إلى قوات محلية فلسطينية بالتدريج. من شأن الالتزام الإسرائيلي بالامتناع من احتلال رفح بشكل مستمر وتنسيق خطوات ضمان إجلاء السكان الموجودين هناك بشكل آمن- كل هذه خطوات يمكنها أن تدفع بالمصريين والأميركيين إلى التجند بشكل فعال للمساعدة، سواء على صعيد العلاقات العملياتية والهندسية (مثل بناء عائق ضد الأنفاق) وإغلاق مسارات التهريب إلى القطاع من سيناء، وذلك عبر دمج الجهود على جانبَي الحدود.
- في الخلاصة، عندما تكون إسرائيل تحت ضغط دولي متصاعد وتقف أمام إمكانية أن تُفرض عليها حرب أيضاً في الجبهة الشمالية، فإن المبادرة إلى مواجهة مع الإدارة الأميركية هي تعبير عن عدم مسؤولية كبيرة جداً. وبصورة خاصة عندما يكون الدافع إلى ذلك، حسبما ادّعت الإدارة، حسابات سياسية، الهدف منها تشتيت التركيز على قانون التجنيد، أو لا سمح الله، تشويش التركيز على صفقة تبادل أسرى. وفي الوقت نفسه، إذا كان الحديث لا يدور حول حسابات سياسية، فإن المسارعة إلى مواجهة مع الولايات المتحدة تبدو كسياسة قاصرة في أفضل الأحوال، وغير مسؤولة إن لم يكن فقدان توازن في أسوأ الأحوال- هذا طبعاً، إذا كان نتنياهو، كما تصرّح الإدارة، يعمل بالتنسيق من جديد (وبصمت) على زيارة الوفد الإسرائيلي المكون من الوزير ديرمر والمستشار هنغبي.
- يمكن أن تكون إسرائيل أمام فرصة أخيرة لتغيير الاتجاه والعمل بالتنسيق والتعاون مع إدارة بايدن. وخصوصاً أن إسرائيل لا تملك أي بديل من مساندة القوة الأميركية العظمى، في الوقت الذي يوجد وزير الدفاع في واشنطن ويطرح "قائمة مشتريات" في المجال العسكري. وفي المقابل، إذا استمر نتنياهو في الخط العدائي والاستفزازي الحالي، فسيتم التعامل معه كمن يخرب المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، ويتدخل في السياسة الداخلية الأميركية، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى ضرر بمكانتنا في أميركا، ويتضح أن ثمنه البكاء لأجيال قادمة.