آلاف الإسرائيليين لا يزالون يختارون المشاركة في المقتلة في غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تعرف أغلبية الإسرائيليين أن نتنياهو يكذب عليها، ومعظمهم يشكك في أن ما يحرك سياسته هو مصالح شخصية وعائلية، والدليل على ذلك تنبؤ استطلاعات الرأي التي تقول إن حزب الليكود برئاسته سيحصل على 18 مقعداً فقط، ومع هذا كله، فإن معظم الإسرائيليين يؤيدون نتنياهو، وذلك بعكس ما تقوله الاستطلاعات والمعلقون.
  • وأكثر استطلاعات الرأي صدقية استمرار مشاركة آلالاف الإسرائيليين في حملات القتل الجماعي والتدمير الواسع النطاق في غزة، وفي أعمال القمع والنهب في الضفة الغربية. إن استعداد الأهل من دون تردُد لإرسال أولادهم إلى الحرب كي يقتلوا ويُقتلوا ويصابوا بجروح ويتسببوا بجرح آخرين، ويعانوا طوال حياتهم جرّاء صدمة ما بعد الحرب، هو الجواب الوحيد للاستطلاع العام اليومي. إن اللغة المكررة وإجماع وسائل الإعلام على التمسك بحقيقة أن الحرب هي الحل، هما الرد اليومي على استطلاع يشير إلى من هم يؤيدون الأمر. حتى فيديوهات التيك توك للجنود، وعدم قدرة أو رغبة الجيش في منع سيل صور السيلفي للجنود التي تعكس هذياناً مدفوعاً بالمتعة وعدم الخوف من القادة، هي بحد ذاتها استطلاع للرأي العام. وأهالي الجنود الذين لا تصدمهم أو تُقْلِقُهُمْ فكرة أن أبناءهم، عن طريق هواتفهم الذكية، يقدّمون أدلة إلى محكمة الجنايات الدولية تدينهم، يعبّرون بذلك عن تأييدهم لنتنياهو وسياسته العسكرية، حتى من دون أن يُسألوا عن ذلك، ومن دون أن يصوتوا له.
  • وإن جنود الاحتياط الذين يركضون بين ساحة كابلان [ساحة الاحتجاجات ضد نتنياهو] وأطلال غزة، والسماء الممتلئة بالقاذفات الحربية والمسيّرات المفترسة، هم أيضاً يشكّلون جواباً قاطعاً في الاستطلاعات. كما أن استمرار التباكي من أن العالم معادٍ للسامية هو الرد المطلوب في الاستطلاعات الذي يفرح به نتنياهو في كل صباح، لكن من المهم أن نفهم أنه بعكس شاشات قنواتنا التلفزيونية التي لا تزال تركز على مشاهد 7 تشرين الأول/أكتوبر وعلى التقارير المؤلمة للضحايا، فإن مشاهدي القنوات الأجنبية يشاهدون مناظر القصف والمجاعة في قطاع غزة المستمرة منذ 6 أشهر، ويتعرفون على مئات، إذا لم يكن آلاف، القصص المفجعة بشأن الضحايا الفلسطينيين.
  • ويعرف العديد من الإسرائيليين أن الحكومة بقيادة نتنياهو تعترف بأن المخطوفين يتعذبون ويموتون جوعاً جرّاء القصف، والنقص في الأدوية، والإرهاق، وسوء المعاملة. لكن من الواضح أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين يؤيدون إجراء بروتوكول هنيبعل غير المعلن هذا، من أجل تحقيق النصر المطلق. ويدرك عدد كبير من الإسرائيليين أن المخطوفين وعائلاتهم ومعاناتهم لا تهم الحكومة الحالية، وقد صدمتهم التصريحات العلنية والاستخفاف والامبالاة. ويدرك كثير من الإسرائيليين أن الوزراء هم مهرجون في أحسن الأحوال، وفي أسوئها سياسيون يحرصون على مصالح الجمهور الذين جاؤوا منه.
  • وكثير من الإسرائيليين يعلمون أن وزير المال، بتسلئيل سموتريتش، يدمر الاقتصاد، كما يعلمون أن الحرب تدمر الاقتصاد، وأن وزير الشرطة [إيتمار بن غفير] يريد إسكات معارضيه وتدمير الشرطة، وأن وزير التعليم يدمر التعليم، ووزير الإعلام يعارض حرّية الصحافة. كم أنهم يعرفون أن وزير الدفاع لا يحقق الأمن، والدولة توشك على الانهيار، وأن النظرية الخاطئة التي وضعها رئيس الحكومة بمشاركة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والتي تقول إنه جرى احتواء "حماس" في غزة وأنها ستتصرف كما نريد منها أن تتصرف، هي السبب وراء "كارثة" 7 تشرين الأول/أكتوبر الكبيرة، وسقوط 1400 قتيل ومعاناة المخطوفين وعائلاتهم ومجتمعهم.
  • ومع هذا كله، يواصل الإسرائيليون تأييد الحكومة بمجرد قيامهم بـ "العمل" (التعبير الملطَف للغزو والقتل) في غزة، وتنفيذهم، بإخلاص، مهمات السلب التي يقوم بها الجيش دفاعاً عن المستوطنات في الضفة الغربية، وأيضاً عبْر عدم تعبير نقابة الأطباء عن صدمتها إزاء التقارير بشأن المجاعة والموت في غزة، وعدم تحرُك القضاة ومنظمات حماية الطفل ضد العدد الكبير من القتلى بين الأطفال الفلسطينيين...
  • وتنبع النظرية الخاطئة الإسرائيلية من هدف لم يتغير؛ وهو تعويد الفلسطينيين على أن أي تطلُع لهم نحو دولة ذات سيادة صغيرة إلى جانب إسرائيل لن يتحقق، وكذلك توقعاتهم بأن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن طردهم سنة 1948، وأن توافق على عودة اللاجئين وعلى مطالبهم بالحصول على المساواة بين البحر والنهر.
  • هذا الهدف بقي على حاله، حتى عندما وافقت حكومة إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية في "اتفاقات أوسلو"، من دون أن تعترف بالشعب الفلسطيني. وبالتدريج، ونظراً إلى أن الفلسطينيين يرفضون أن يتعودوا على الأمر، ولأن منظمات المستوطنين أصبحت هي الحاكم الفعلي في إسرائيل، فإن تحقيق هذا الهدف أصبح أكثر ظهوراً، كما صار عنيفاً أكثر فأكثر. وهكذا وصلنا إلى خطة "الحسم" لبتسلئيل سموتريتش إزاء الفلسطينيين؛ فإمّا القبول بمكانة أدنى، وإمّا الهجرة أو الطرد الطوعي، وإمّا الاستسلام والموت في الحرب. هذه هي الخطة التي يجري تنفيذها في غزة وفي الضفة الغربية، والأغلبية الكبيرة من الإسرائيليين شريكة متحمسة لها، وذلك بغض النظر عن نفورهم من الحكومة ووزرائها، وهذه الأغلبية لا تزال تعتقد أن الحرب هي الحل.