إسرائيل وإيران: السير على حافة الهاوية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- منذ نهاية العقد الأول من الألفية الثانية، وحتى تاريخ 13/4/2023، هيمن على الخطاب العسكري الإسرائيلي مصطلح، انزلق لاحقاً إلى الخطاب الإعلامي، وهو مصطلح "المعركة بين الحروب" التي يُرمز إليها باختصار "مبام". لقد أزال الهجوم الإيراني هذا المصطلح من الوجود ليلة السبت، وافتتح رسمياً عهد الحرب العلنية بين إيران وإسرائيل. بدءاً من اليوم، لن يتم تشغيل تنظيمات دائرة في فلك إيران، على غرار الحوثيين، أو حزب الله، أو الميليشيات الشيعية، في أيّ من العراق، أو سورية.
- يروّج الإيرانيون الهجوم بصفته دفاعاً عن النفس، لكن الهجوم نفسه خلق "معادلة جديدة"، بحسب تسمية دوائر صُنع القرار في طهران. "إن أيّ هجوم إسرائيلي ضد أرصدة، أو مسؤولين، أو مواطني الجمهورية الإسلامية، سيواجَه بردّ"، وفق تحذير قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الذي أضاف أنه "يجب على إسرائيل أن تتعلم الدرس مما حدث". لكن إسرائيل لا تقف وحيدة في المعركة، فالتهديد الآتي من طهران موجّه أيضاً ضد الأميركيين "إذا ما تعاونت الولايات المتحدة مع إسرائيل في الخطوات المقبلة، فإن قواعدها لن تكون آمنة"، حسبما صرّح رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري.
- بخلاف التهديدات، تمكن الإيرانيون من نصب حاجز ملموس أمام إسرائيل والولايات المتحدة. يبدو أن أيّ اغتيال، أو حتى هجوم على مخزن للسلاح في سورية، أو لبنان، أو إيران، سيواجَه منذ الآن بردّ مباشر من طهران. تحتفظ إيران لنفسها بحرية العمل التي تظهر، ليس فقط من خلال قدراتها على إطلاق التهديدات وتنفيذها، بل أيضاً من خلال الاستمرار في تمويل وتسليح وتدريب الميليشيات الشيعية ومنظمات "الإرهاب" في الشرق الأوسط.
- في المقلب الآخر، الاعتراف بأن نطاق العمل الإسرائيلي والأميركي محدود (من وجهة نظر إيرانية) يعود إلى عدة أسباب، من ضمنها إدراك الوضع القائم في ساحتين مهمتين في الإقليم: الساحة السياسية والساحة العسكرية. من الناحية العسكرية، تفيد التقديرات الإيرانية بأن إسرائيل لن تردّ لكي لا تتورط في معركة عسكرية إضافية في الوقت الذي لا تزال متورطة في معركتين في كلٍّ من غزة ولبنان؛ من الناحية السياسية، هناك انطباع مفاده بأن المرحلة التي تلت تحقيق إنجازات لتحالف إسرائيل مع كلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في صدّ الهجوم الإيراني، فإن أيدي الإسرائيليين مكبلة، الآن بالذات، من طرف الدول الأعضاء في هذا التحالف. كما أن طهران تدرك أن إدارة بايدن غير معنية بالانجرار إلى حرب في الشرق الأوسط في سنة الانتخابات.
- إن إيران وإسرائيل تدخلان في حالة من توازُن الرعب: فإيران تخشى من تشكُّل تحالف دولي قد يقوم بمهاجمة منشآتها النووية، وإسرائيل ستفكر مرتين قبل التفكير في استهداف شخصيات وأرصدة إيرانية في أرجاء الشرق الأوسط. لكن، في الوقت الذي يُعتبر تشكيل تحالف غربي - شرق أوسطي كابوساً بالنسبة إلى إيران، فإن هذا التحالف نفسه تعتبره إسرائيل إنجازاً ينطوي على ضرورات التوصل إلى تسوية، لأنه يجب عليها من الآن التشاور مع الدول الأعضاء في التحالف، كل مرة تريد فيها مواجهة التهديد الإيراني. فأين يضعنا ذلك؟
- كان يجب أن يتزامن الرد الإسرائيلي القوي مع الهجوم الإيراني. إن خطوة فورية كانت ستجعل طلب الموافقة من واشنطن أمراً غير ضروري في المطلق، ويقلب معادلة توازُن الرعب التي تفرضها إيران. لكن لأن القيادتين، السياسية والأمنية، تأخرتا في الرد، فكل ما بقي أمام إسرائيل الآن هو مواصلة توثيق عرى التحالف المناهض لإيران، وضم دول إضافية إليه، وعلى رأسها السعودية ومصر. ينبغي أن يتمثل الهدف النهائي في عمل عسكري مشترك من أجل القضاء على المشروع النووي الإيراني، فإيران لم تكن لتتردد في استخدام السلاح النووي لو كان في حوزتها.
- يجب على إسرائيل مواصلة العمل في سياساتها المتمثلة في النشاطات العسكرية السرية والغامضة ضد الأهداف الإيرانية. لقد أعلنت إيران الحرب، لكننا، لاعتبارات نفعية، سنعود إلى سياسة الـ"مبام". وبناءً عليه، إذا كان تنفيذ هجوم إسرائيلي مكشوف في قلب إيران، في ظل الظروف والقيود القائمة، سيعرّض استقرار المنطقة وجهود بلورة ائتلاف دولي للخطر، فإن النشاط العسكري الغامض سيوسّع حدود المعادلة التي فرضتها إيران، وسيضع إيران في موقف غير مؤاتٍ، في مواجهة القوة الإسرائيلية، وفي مواجهة الدعم الذي تحظى به إسرائيل من دول الغرب.