إسرائيل طالبةً النجدة: في اليوم المئتين للحرب لا يمكن تجاهُل التوازن الحقيقي
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • بعد 200 يوم على أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أنه آن الأوان لعرض المشهد الحالي للوضع العام للدولة ومواطنيها.
  • فبعد 200 يوم على الحرب التي تلت "المذبحة" الأكبر التي ارتُكبت بحق اليهود منذ "المحرقة"، لا تزال إسرائيل في المرحلة الأصعب والأكثر سواداً في تاريخها.
  • خلال 200 يوم، تراجع وضع إسرائيل في كل المجالات، وعلى جميع الصعد.
  • 200 يوم، ولا تزال "حماس" تحتجز 133 رهينة إسرائيلية في ظروف سيئة جداً، ومن دون أيّ تقدّم في المفاوضات مع إسرائيل.
  • 200 يوم، فشلت خلالها إسرائيل في هزيمة "حماس" في غزة. المنظمة "الإرهابية" التي لا يتعدى حجمها حجم فرقة صغيرة في الجيش، وسمحت حكومة نتنياهو لها بأن تعاظم قوتها على مدار أعوام طويلة.
  • 200 يوم، ولا يزال حزب الله يُطلق آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل، ولا يزال 100 ألف مواطن إسرائيلي تقريباً نازحين عن منازلهم في الوقت الذي تحوّل الشمال إلى منطقة أمنية لحزب الله في داخل إسرائيل.

في اليوم المئتين لحرب "السيوف الحديدية"،

لم يعد ممكناً تجاهُل الوضع الحقيقي:

  • الأمن والردع - النقطة الافتتاحية هنا كانت ضعيفة جداً، بعد سنوات من الحملات العسكرية ضد حركة "حماس"، وإطلاق متواصل للقذائف والبالونات الحارقة وعمليات التسلل واختراق الحدود. الردع العسكري الإسرائيلي انهار كلياً في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حين قام آلاف "المخربين بذبح واغتصاب وخطف" مواطنين إسرائيليين من بيوتهم، من دون أن ينجح الجيش و"الشاباك" والشرطة في الدفاع عنهم. من جانبهما، الجيش و"الشاباك"، قاما باستعادة السيطرة بسرعة والعودة إلى القتال، ونجحا في تحقيق إنجازات لافتة جداً خلال القتال، وفكّكا معظم القوة القتالية لـ"حماس"، بالإضافة إلى الأنفاق ومخازن السلاح، في معظمها، وجزء كبير من الهيكلية القيادية للحركة والبنية التحتية لحكومتها. وعلى صعيد الإنجازات، تلقّت البنية التحتية القتالية لحزب الله في لبنان وبعض قياداته ضربات كبيرة جداً.
  • لكن في مقابل هذا كله، بات من الواضح أننا فشلنا كلياً في استعادة ميزان الردع. "حماس" لا تزال حية، وكبار قيادييها ما زالوا في قيد الحياة، والرهائن ما زالوا في أسرها، وقدرتها على إطلاق القذائف لا تزال قائمة، وقوات الأمن التابعة للحركة لا تزال تسيطر على الشارع الغزّي، والحرب في غزة لم تُحسم بعد. وفي الشمال، لا يزال حزب الله يضغط ويزيد في حدة ووتيرة إطلاق القذائف والمسيّرات، في الوقت الذي لا تزال إسرائيل تمارس سياسة الاحتواء، وتتمسك بقواعد اللعبة. أمّا إيران؟ فبعد أن أدركت أنه لا يوجد قائد في إسرائيل، وأن حكومتها غير فعالة، ضربت إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها، من أراضيها، بمئات الصواريخ البعيدة المدى والمسيّرات، وتلقّت رداً ضعيفاً جداً، لكنه يمرّر رسالة واضحة.
  • رؤساء المؤسسة الأمنية تحمّلوا المسؤولية فوراً بعد الأحداث الصعبة، لكنهم مستمرون في قيادة المعركة بمهنية لافتة. المستوى المتوسط بدأ باتخاذ خطوات، ويبدو أننا سنشهد استقالات ضباط كبار في الجيش، على خطى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وقائد المنطقة الوسطى ومسؤول الأبحاث، وغيرهم. وفي المقابل، يبدو أن زعماء الائتلاف معنيون بالتأثير في تعيين الضباط واختيارهم على شاكلاتهم وهيئاتهم في الجيش، وأيضاً في "الشاباك" والشرطة الإسرائيلية. لذلك، ممنوع أن يترك قادة الجيش والشاباك مناصبهم والاستقالة منها الآن، وخصوصاً قبل قيام رئيس الحكومة بذلك.
  • السياسة والدبلوماسية - هنا الفشل لا يقل خطورة. انعدام التنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دفع بإسرائيل إلى حالة عزلة سياسية غير مسبوقة منذ إقامة الدولة. وسبب ذلك هو أن إسرائيل لا تملك أي استراتيجيا بشأن "اليوم التالي للحرب"، والإدراك أن مَن يقود سياسة الحكومة الحالية هي الجهات المتطرفة، مثل سموتريتش وبن غفير، الأمر الذي غيّر في سياسة الولايات المتحدة، على الرغم من أنها لا تزال ترسل مساعدات دفاعية لإسرائيل. أمّا على صعيد بقية المجالات، فإن الانسحاب كبير جداً: إدانات في الأمم المتحدة؛ تأجيل إرسال أسلحة؛ مشاريع قرارات خطِرة في مجلس الأمن، وفرض عقوبات على شخصيات من اليمين المتطرف، وعلى وحدات عسكرية، وغير ذلك. هذا في الوقت الذي لا تزال إيران تتصرف بشكل طبيعي وتبني وتطوّر ترسانتها النووية ومنظومة الصواريخ لديها، من دون أي إزعاج، ولا تزال تفعّل القوات الداعمة لها في المنطقة ضد إسرائيل. هذا ما يجري في لبنان والعراق واليمن ومناطق السلطة الفلسطينية. الخطوات الدبلوماسية الوحيدة التي تقوم بها إسرائيل هي تغريدات وزير الخارجية واحتجاجات سفيرنا في الأمم المتحدة.
  • تتصاعد أيضاً موجة "معاداة السامية" في العالم، بتمويل وتشجيع جهات عربية ودولية، في الوقت الذي لا تستطيع دولة إسرائيل التعامل مع الموضوع، أو إنجاح "الهسباراه" على الساحة الدولية.
  • دولة تتخذ فيها زوجة رئيس الحكومة قرارات بشأن تعيين المسؤولين الكبار، حتى في المجالات المهنية، هي دولة فاشلة.
  • الاقتصاد - العجز في الميزانية كبير جداً ووصل إلى ذروة جديدة خلال أشهر الحرب بسبب التكلفة المرتفعة والمستمرة لهذه الحرب. تصنيف الائتمان الإسرائيلي تراجع في وكالتَين، بالإضافة إلى تحذيرات من المستقبل. معنى هذه الخطوة هو زيادة الضرائب والقروض الدولية التي ستطلبها إسرائيل مستقبلاً. هذا الحمل سيكون كبيراً على أكتاف الأجيال القادمة في إسرائيل. يجري هذا كله في الوقت الذي تمرر الحكومة الحالية المليارات من أجل تمويل أبناء المدارس الدينية، ومن ضمنهم الحريديم الذين يتهربون من الخدمة العسكرية والقومية، ويموّلون المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
  • المجتمع - المواطنون في إسرائيل أثبتوا قوتهم بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفي الأساس قدرتهم على الوحدة في الأزمة، ومساعدة إخوتهم في وقت فشلت الحكومة كلياً في ذلك. إلا إن قيادات الدولة دخلت في حالة روتين الحرب، وعادت سريعاً إلى التفرقة وتقسيم المجتمع لأسباب سياسية. فالذين انتخبهم الجمهور يقومون بذبح كل بقرة مقدسة، وغير مقدسة، ويتهمون كل منتقد بأنه يساري، ويُلحقون الضرر بمنظومة القضاء والأمن بشكل صارخ، ويستمرون في الدفع قدماً بمقترحات قوانين تحت غطاء الحرب. أمّا المجتمع الإسرائيلي فيعود إلى الاحتجاجات وتوسيع الانقسامات، والتفكك يستمر.
  • وبالإضافة إلى هذا كله، وكأن هذا غير كافٍ، تقوم الحكومة بالدفع بسلسلة قوانين تشجع على تهرُّب الحريديم من العبء العسكري والقومي، وتزيد في الأعباء على مَن يقوم بتحمُّلها أصلاً. وبذلك، تشجع استمرار الكراهية والانقسام لدرجة أن تصبح الحرب الأهلية ممكنة.
  • الحصانة القومية - الحصانة القومية تقاس بحسب قدرة الدولة ومنظوماتها المدنية وقدرة مواطنيها على التعامل مع الأزمات والتغلب عليها. هنا أيضاً، كانت نقطة البداية سيئة جداً. لم يكن هناك أي شيء فعال في ذلك اليوم الكارثي، وبعد أشهر أيضاً. الآلاف من العائلات وعشرات الآلاف من المواطنين ما زالوا عالقين خارج منازلهم، من دون أيّ حل سياسي من أجلهم؛ 133 مخطوفاً أهملتهم حكومتهم؛ أنظمة التعليم والصحة دخلت الأحداث في حالة أزمة، وما زالت في حالة انهيار، والحكومة لم تنجح في وضع حد لهذا الانهيار، وهي المسؤولة عن هذه المجالات. وعلى الهامش، وبشكل لا يقلّ أهميةً، هناك محاولة هادئة من قيادة الرؤية المسيانية للدفع بالتغييرات القضائية والانقلاب الدستوري تحت غطاء الحرب.
  • عشية عيد الفصح أمس، شددنا على الحاجة إلى تذكير كل جيل بالمعجزة التي تحققت لنا، وبفضلها وصلنا إلى أرض إسرائيل. وأيضاً صلينا صلاة خاصة من أجل عودة الرهائن الذين لن يعودوا إذا لم تتخذ الحكومة خطوات عملية. لكن هذا العيد، وبعد 200 يوم على الحدث الصعب الذي عاشته إسرائيل، من الواضح أن القيادة الحالية لا تضم أشخاصاً أكُفاء، وهي لا تستطيع قيادة الدولة، ومن الواضح أنها لا تستطيع تحقيق إنجازات. الإخفاق كبير، وفي جميع المجالات، والذين انتخبهم الجمهور والوزراء هم الأسوأ في تاريخ الدولة، وفي مناصبهم، ورئيس الحكومة غير فعّال على أي صعيد مطلقاً.
  • لا يوجد لدى إسرائيل استراتيجيا، أو رؤيا، ولذلك أيضاً، لا توجد سياسة. السياسة الضيقة هي التي تديرها، ونتعامل مع مقاولي أصوات لا يملكون أي قدرة قيادية، أو إدارية، أو حتى رؤيا استراتيجية.
  • على إسرائيل أن تفعل كل ما في وسعها من أجل تغيير الحكم بسرعة، وهذا نابع من إدراك وأمل بأن على الحكم المقبل في إسرائيل بناء الدولة من جديد، وترميم منظوماتها المدنية والأمنية، وتوحيد المجتمع من جديد، والدفع بالاقتصاد إلى الاستقرار. مواطنو إسرائيل يصرخون: "انقذونا".