الجيش والدولة أهملا كتيبة "نيتساح يهودا"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لا تزال عيون المسؤولين عن إهمال جنود كتيبة "نيتساح يهودا" تذرف دموع التماسيح على نية الحكومة الأميركية فرض العقوبات على الكتيبة. لقد قامت الدولة، بنيّة مسبقة، بخلق بنية مجتمعية فريدة، حكمت على جنود هذه الكتيبة بالتصرف بنمط عنيف على وجه الخصوص، وهي التي حكمت عليها، في نهاية المطاف، بالعقوبات أيضاً.
  • في البداية، أنشأت الدولة كتيبة دينية متجانسة. إن التجانس الاجتماعي أنبت ثقافة وحدوية، وهذه الثقافة جعلت الكتيبة تختلف عن الثقافة العسكرية الإسرائيلية العامة، بل تتآمر ضدها. ولذا، فإن التوصية "الاجتماعية" الصحيحة تتمثل في خلق تنوُّع اجتماعي في الوحدات العسكرية. هذه التوصية تصبح أكثر أهميةً في الحالات التي يستند التجانس فيها على التدين: إذ إن ما يحدث الآن هو أن جنوداً لديهم تصوُّر مسبق يميل إلى كراهية العرب والانتقام منهم، يصلون إلى هذه الكتيبة، وهذه الكراهية تشكل جزءاً من سلّة القيم الدينية التي يصل المقاتلون معها إلى الكتيبة، حسبما قال أحد خريجي الوحدة في برنامج "زمان إيميت" الوثائقي.
  • من أجل الحفاظ على هذه القيم، يرافق الكتيبة حاخامون مدنيون، وهذا في عُرف الجيش الإسرائيلي أمر استثنائي بحد ذاته. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالكتيبة نفسها مبنية على الهامشية الاجتماعية التي يتسّم بها جنودها، إنهم يأتون من العائلات الفقيرة، ومتهربون من الدراسة في المدارس الدينية الحريدية، ويواجهون عقدة نقص في مجتمعاتهم، واغتراباً عن عائلاتهم. وهذا يجعل من الطبيعي أن يظهروا حرصاً مفرطاً على إثبات أنفسهم في العمل القتالي؛ وهو التسبب بالأذى للفلسطينيين.
  • يمكن للتهميش الاجتماعي أيضاً خلق شعور بالاغتراب تجاه الأعراف السائدة. وبتعبير مسؤول عن أحد الحواجز العسكرية التي استلمتها الكتيبة، في سعيه لإبعاد نساء "محسوم واتش" [وهي منظمة حقوقية إسرائيلية مكونة من النساء إجمالاً، وتسعى لمراقبة انتهاكات الجنود الإسرائيليين لحقوق الفلسطينيين على الحواجز العسكرية]، فقال هذا الضابط: "إن الجنود يأتون من بيئات اجتماعية فقيرة، ورؤيتنا لهؤلاء النساء تُضعف الجنود أكثر". كما يتم نشر هذه الكتيبة بصورة دائمة للقيام بأعمال بوليسية في الضفة الغربية، ولم يتم إبعادها عن الضفة إلى هضبة الجولان إلا مؤخراً، وبضغط أميركي.
  • إن هذا الجمع بين التجانس، والتديّن، والشعور بالتهميش، إلى جانب التموضع في قطاع ثابت، فاقم ميل الكتيبة إلى العنف. وهذا الميل كان سيتحقق، حتى لو جاء الجنود من خلفية اجتماعية أُخرى، وتم نشرهم في قطاع ثابت. في اللحظة التي بدأت داخل الكتيبة ثقافة فرعية فريدة، تستند إلى الاستخدام الواضح للعنف، بدأت الكتيبة باكتساب سمعة من هذا القبيل، وهكذا أصبحت تستقطب مؤيدي جماعة "لا فاميليا" [مجموعات ألتراس فاشية إسرائيلية]، ومؤيدي كاهانا، و "فتيان التلال"، وبحسب تعبير أحد خريجي الوحدة "لولا وجود هذه الوحدة لما كانوا سيتجنّدون للجيش، لأنهم كانوا سيدّعون أن الجيش يكبّل أياديهم".
  • لقد لمس الجيش السلوك العنيف المستمر والتسلسلي لهذه الكتيبة، لكنه تجاهل الأصوات المطالِبة بحلها، واستيعاب سراياها في كتائب أُخرى. لقد انسجم مع هذه المشاعر التدميرية التي تسود الكتيبة، بل حوّل هذه الكتيبة إلى "مرتقى أنفاس" عملية تجنيد أبناء المجتمع الحريدي. وبهذا شجّع على تنمية مثل هذه المشاعر في داخلها. بهذه الطريقة، يتم إنشاء القوات العسكرية المخصصة للقيام بـ "مهمات قذرة"، لن يرغب جميع المجندين في الجيش في القيام بها.
  • وها نحن الآن نجد أن الولايات المتحدة تضع إشارة "ستوب" أمام الوحدة. هذا يعني، من ضمن ما يعنيه، أن الولايات المتحدة حلّت محل الدولة الإسرائيلية في الرقابة على وحدة عسكرية. لكن الإدارة لا تطالب قادة الجيش المسؤولين عن هذه الوحدة بتحمُّل المسؤولية، بل تلقي بها على الجنود. إن الجندي الذي قد يكون اضطر إلى التوصل إلى صفقة مع النيابة العسكرية، وغير القادر على طلب مال من أسرته لتوكيل محامٍ، سيضطر منذ الآن إلى مواجهة عقوبات دولية، إذا كانت لهذه العقوبات الدولية أبعاد شخصية. وهذا كله ليس سوى إهمال ممنهج لأكثر الفئات تعرّضاً للاستضعاف في المجتمع.