الرفض السياسي لنتنياهو يؤدي إلى الاعتراف الأحادي الجانب بدولة "حماستان"
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • إن "طوفان" الدول الغربية التي تعترف بالدولة الفلسطينية لم يأتِ كعاصفة في يوم صافٍ. لقد سبق أن فعلت ذلك 143 دولة، بعد إعلان ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في سنة 1988، في الجزائر؛ وتوالت على ذلك دول، مثل السويد التي اعترفت بالدولة الفلسطينية في سنة 2014. وقبل أشهر، أعلن وزير الخارجية البريطاني أن حكومته تدرس الموضوع.
  • والآن، مع إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا اعترافهم بالدولة الفلسطينية، بدأ  المسار البطيء يتحول إلى تسونامي. كما أن رفض نتنياهو إعلان استعداده، مستقبلاً، لقبول قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع ضمانات أمنية دولية، يُضعف إسرائيل، ويؤدي إلى عزلتها، ويُلحق الضرر بها. وستكون العواقب مدمرة على إسرائيل.
  • بعد ثلاثة عقود من النقاشات في اجتماعات برلمانات العالم، وفي الجمعيات العمومية في إطار الأمم المتحدة، حقق الفلسطينيون إنجازات مهمة: لقد عمّقوا علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية بالدول التي اعترفت بهم، وبدول الغرب الأُخرى، وإعلان السلطة الفلسطينية دولة مراقِبة غير عضو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سنة 2012. لكن الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على دولة بموجب هذا الإعلان. لا يمكن قيام دولة فلسطينية حقيقية من دون موافقة إسرائيل. فإذا كانت هذه هي الحال، فما المغزى من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالنسبة إلى إسرائيل؟
  • إذا توقف الاعتراف بالدولة الفلسطينية عند الدول الأربع، أو الخمس الأوروبية الحالية، فسيكون لهذا التحرك أهمية رمزية فقط، مثل خطوة السويد في سنة 2014. لكن في السيناريو الثاني، سيؤدي هذا الاعتراف، الذي يأتي ضمن واقع يقف فيه العالم إلى جانب الفلسطينيين، إلى فتح السدّ أمام اعتراف 50 دولة لم تفعل ذلك حتى الآن، بينها "الأغلبية التقليدية" الأوروبية- الأطلسية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة). في مثل هذا السيناريو، ستكون العواقب وخيمة على إسرائيل.
  • هناك إجماع وسط دول الاتحاد الأوروبي، وفي الولايات المتحدة، على ضرورة قيام دولة فلسطينية، وأن الحل الوحيد للنزاع هو حلّ "دولتين لشعبين"، يعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان. هذه الرؤيا جديرة بالاهتمام. لكن ما لا تفهمه الدول التي توشك على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو ما لا تريد أن تراه، هو أن الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية لن يؤدي إلى دولة فلسطينية، ولن يحقق الأمن للفلسطينيين، أو للإسرائيليين، في ظل ذروة ضُعف السلطة الفلسطينية، بينما تتمتع "حماس" بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، وسيؤدي اعتراف الدول الغربية، الأحادي الجانب، بالدولة الفلسطينية إلى نشوء دولة "حماستان". وهذا الأمر يتعارض مع مصلحة هذه الدول التي تريد الدفع قدماً بالأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.
  • لقد أوضحت إدارة بايدن أنها لن تعترف بالدولة الفلسطينية إلّا في إطار مفاوضات في هذا الشأن، وليس بصورة أحادية الجانب. لأنه من خلال المفاوضات، يمكن تقديم مطالب للجانب الفلسطيني، تضمن أمن إسرائيل، مثل نزع السلاح، ومحاربة الأصولية، وحرب ضد "الإرهاب" لا هوادة فيها، وتنسيق أمني. ومع ذلك، من غير المتوقع حدوث هذه المفاوضات في ظلّ حكومة نتنياهو وسموتريتش، التي تجعلها مسيانيتها المتطرفة تفتقر إلى الحنكة السياسة.
  • إن تخلّي نتنياهو عن الساحة السياسية خلال الحرب، أدى إلى تسريع اعتراف حكومات النرويج وإسبانيا وأيرلندا بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة تنطوي على مكاسب سياسية بسبب التأييد الواسع وسط الناخبين. وهناك زعماء يسعون للحصول على مناصب دولية. إن الثمن الذي يمكن أن تدفعه حكومة نتنياهو لهذه الدول ليس باهظاً: استدعاء إسرائيل سفراءها في هذه الدول، يجعلها تخسر قوتها الدبلوماسية، تحديداً، وهي في أمسّ الحاجة إليها في هذا الوقت لأن الاجتماعات الرفيعة المستوى لا يستطيع إجراءها إلا السفراء. كذلك، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في إسرائيل، سيكون المسّ ببيع السلاح والحصول على معلومات استخباراتية أمراً صعباً وغير مسؤول.
  • يجب أن نتذكر أن الردّ الأوروبي على ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان تأييداً هائلاً لإسرائيل، والوقوف إلى جانبها بصورة غير مسبوقة... لقد جاء قرار النرويج وأيرلندا وإسبانيا، على الأغلب، ضد حكومة نتنياهو - سموتريتش، وللتعبير عن الرغبة في رؤية دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بأمان وسلام.
  • وفي الواقع، إن قيام دولة فلسطينية هو بمثابة فكرة صعبة، بالنسبة إلى معظم الإسرائيليين، لكن ضمن واقع يعيش فيه 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطيني بين البحر والنهر، فإن الانفصال عن الفلسطينيين من خلال مفاوضات سياسية تتيح الحصول على ضمانات دولية  لتكون هذه الدولة منزوعة السلاح، مع المطالبة باتخاذ خطوات لمحاربة الأصولية، هو خطوة جوهرية تصبّ في مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي، ولكي نبقى دولة ديمقراطية ودولة للشعب اليهودي.
  • يتعين على إسرائيل التغلب على الفشل، وعلى عدم وجود سياسة لدى نتنياهو، وهو ما يدفع دول الغرب إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يمكن أن تتحول إلى "حماستان" حقيقية. الفلسطينيون ودول الإقليم والغرب مُجبرون على الالتزام بعملية تفاوضية مستمرة تضمن تعزيز المعسكر المعتدل الراغب في السلام والأمن، من جهة، ومن جهة أُخرى، تجهض مساعي "حماس" وحزب الله وإيران لزعزعة الشرق الأوسط.
 

المزيد ضمن العدد