بايدن طرح على إسرائيل مسألة"اليوم التالي"، ومن غير المؤكد إطلاق المخطوفين إذا لم تُحل
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في الوقت الذي تنتظر إسرائيل، بفارغ الصبر، رد الوزيرَين المؤيدَين للحرب، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، على الخطوط العريضة التي قدمها الرئيس الأميركي بايدن، عشية السبت، سارعت "حماس"إلى صوغ رد دبلوماسي يهدف إلى التنصل من مسؤولية أيّ إخفاق محتمل، ويمكن أن يُظهرها بمظهر الرافضة للحل. وذلك بعد أن وجّه بايدن طلباته بصورة مباشرة إلى حركة "حماس"، ودعاها إلى الموافقة على مخططه.
- جاء في الإعلان الرسمي الصادر عن "حماس"قولها "إننا ننظر إلى مضمون إعلان بايدن بشأن وقف إطلاق النار نظرة إيجابية، ونحن مستعدون للتعاون الإيجابي مع أيّ اقتراح من شأنه ضمان وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإعادة إعمار القطاع، وعودة المهجرين إلى منازلهم، وتبادُل الأسرى والمخطوفين". وفي مقابل الإعلانات الأخيرة التي نشرتها "حماس"حتى يوم نشر تفاصيل المخطط، لم تقل "حماس"بصورة قطعية أنها ترفض الدخول في مفاوضات، قبل الوقف التام لإطلاق النار. وعلى الرغم من أن هذا يُعتبر تغييراً، مقارنةً بالمواقف العلنية الأخيرة للحركة، فإنه لا يُعد تغييراً كبيراً، إذا ما نظرنا إلى موافقتها على مخططات سابقة استندت إلى مراحل متعددة.
- خلاصة الخطوط العريضة التي نشرها بايدن، تعكس النقاط الأساسية التي توافق عليها إسرائيل، بحسب تصريحه. يضع المخطط أمام إسرائيل بضعة عوائق كبيرة، بافتراض أن نتنياهو سينجح في تفكيك العبوات الناسفة السياسية التي يحضّرها له شركاؤه اليمينيون المتطرفون في الحكومة، أولها قضية إدارة القطاع في فترة الوقف الأول لإطلاق النار، والذي من المفترض أن يستمر ستة أسابيع. في هذه الفترة، يمكن لسكان القطاع العودة إلى منازلهم في شمال القطاع، إلى جانب الأحياء الكائنة في معظم جهات رفح، والتي تم تهجيرهم منها. مَن يدير القطاع، وكيف سيُدار في هذه المرحلة، التي تقضي بانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي خارج المناطق الآهلة، والانتشار على امتداد الحدود مع غزة؟ مَن سيكون مسؤولاً عن تلقّي شحنات المعونات الإنسانية، ومرافقة قوافلها، وتأمينها؟ والأهم: مَن سيقوم بنقل وتوزيع الغذاء والدواء من مواقع التخزين إلى مراكز التوزيع في الأحياء؟
- لا إجابات عن كل تلك الأسئلة ما دامت إسرائيل تعارض السماح للسلطة الفلسطينية بالاقتراب من غزة، وبصورة صارمة، فضلاً عن السماح لها بالبدء بإدارة المنظومة المدنية في القطاع، في ظل غياب قوة دولية، أو عربية أُخرى، يمكنها القيام بالمهمة. النتيجة العملية هنا هي أن "حماس"هي التي ستتولى هذه المهمة. ويبدو أنها هي أيضاً القادرة على القيام بها، لأن قوات الجيش الإسرائيلي، بحسب المخطط، لا يمكنها البقاء في المراكز الآهلة، أو منع النشاطات المدنية لحركة "حماس" في مرحلة وقف إطلاق النار الأولى.
- في المرحلة الثانية، التي ستستمر أيضاً نحو ستة أسابيع، والتي من المفترض، بحسبها، أن ينسحب الجيش بشكل كامل من القطاع، من دون وجود قوة فلسطينية متفق عليها تتولى المسؤولية، قد يتم تثبيت الواقع الذي تعهدت الحكومة الإسرائيلية منع حصوله بأيّ ثمن، أي عودة "حماس" للسيطرة على القطاع بصورة تامة. في المرحلة الثالثة، التي سيحين دورها بعد ثلاثة أشهر على الأقل، والتي تتم فيها استعادة جميع المخطوفين، الأحياء والأموات، ستبدأ إعادة إعمار غزة، في ظل عدم وجود أيّ مخطط لطريقة إعادة الإعمار ووسائل تمويلها، والأهم: هوية السلطة التي ستدير القطاع. نظرياً، لا تملك "حماس" أيّ أسباب لمعارضة هذا المخطط الذي يرسّم مساراً سريعاً لعودتها إلى السلطة. فما على الحركة في هذه الظروف "سوى الاهتمام " بوجود ضمانات أميركية لائقة تضمن تنفيذ إسرائيل شروط الاتفاقية، والتزامها وقف إطلاق النار، وسحب قواتها. وأكثر من ذلك، بالنسبة إلى "حماس"، إن نجاح هذا المخطط، على الرغم من كل الصعاب التي تعترضه، سيؤدي إلى نتيجة مشابهة لِما اعتدناه، إن أي حملة عسكرية سابقة تبدأ بالقصف والدمار، وتنتهي بتسويات بشأن وقف إطلاق النار وبرامج إعادة الإعمار.
- هذه النتيجة الخطِرة لا تخفى عن عين بايدن، وهو ليس بحاجة إلى الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو في الكونغرس الأميركي لكي يدرك معانيه. إذ يمكن التقدير أن قراره بشأن نشر المخطط لا يهدف إلى التوصل إلى صفقة تبادُل فحسب، وهو موضوع يهم ويُقلق الرئيس الأميركي، على ما يبدو، أكثر مما يهم ويُقلق الحكومة الإسرائيلية، بل إنه سيدفع إسرائيل إلى الاستفاقة، وإلى ترسيم مخطط لإدارة غزة في كل مرحلة من مراحل المخطط، وبشكل عاجل. "لقد آن أوان انتهاء هذه الحرب،وبدء اليوم التالي". إن هذا اليوم التالي، بحسب أقوال بايدن، هو "الخطة الكبرى" التي تسعى الإدارة الأميركية لتنفيذها، والتي تشمل اتفاقية تطبيع مع السعودية، وتحمل معها، ولو صورياً، تعزيز حلّ الدولتين.
- يبدو أن إدارة بايدن، التي سبق لها في الماضي أن أعلنت أنها لا تصدق أن إسرائيل قادرة على القضاء على "حماس"، توصلت إلى استنتاج، مفاده أن إسرائيل لا يتعين عليها فقط المسارعة إلى الحد من خسائرها، بل إن الأوان آن لتتفرغ واشنطن للقضايا الاستراتيجية العالمية، على غرار بناء الحلف الشرق أوسطي ضد إيران، وكبح تأثير الصين التي باتت، مؤخراً، أكثر تدخلاً في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتهديد العالمي للحرب الأوكرانية التي دفعت بالإدارة إلى السماح باستخدام سلاح أميركي، ولو بتحفُّظ، ضد أهداف روسية، ولا يقلّ أهميةً عن كل ما تقدم، الوصول إلى انتخابات الرئاسة، وفي يد الإدارة إنجاز سياسي مهم. وفي نظر واشنطن، من العبث المطلق أن يكون بايدن وجدول أعماله اليومي مكبّلان بجنون بن غفير وسموتريتش، ومعهما نتنياهو.
- من دون وجود خطة واقعية لليوم التالي، هناك شك في وجود فرصة لترسيم إطار جديد للإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار. لكن هذا يعني أن الإدارة الأميركية لا يمكنها الاعتماد على نيات الحكومة الإسرائيلية وقدراتها التي أثبتت، فعلاً، أنها صدئة وعاجزة. سيتعين على بايدن استكمال هذه الخطة بتغيير سياساته تجاه السلطة الفلسطينية، والإعلان أنها الجهة الشرعية لإدارة القطاع، من وجهة نظر واشنطن، وتحويل الأمر إلى شرط وجزء لا يتجزأ من المفاوضات التي ستُجرى بين "حماس" وإسرائيل،عبر الدول الوسيطة.
- يتطلب مثل هذه الخطوة شراكة ناشطة من قطر ومصر، ودول عربية أُخرى، من أجل الضغط على "حماس"، للموافقة على دخول السلطة الفلسطينية، وعلى محمود عباس، لكي يهيئ الطواقم المهنية للشروع في العمل. صحيح أن مثل هذه الخطوة الأميركية لا يضمن أن تسارع إسرائيل إلى فتح بوابات القطاع أمام موظفي السلطة، لكنها ستقلص حيز المناورة الإسرائيلية ضد هذه الخطوة، بصورة كبيرة،بافتراض أن إسرائيل لا تنوي أن تتحول إلى قوة احتلال دائمة للقطاع بصورة تضعها في مسار تصادُم خطِر مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، الذي لم يعد يتردد في فرض العقوبات على إسرائيل.