الدمار والقتل والتجويع هزيمة لإسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إسرائيل هُزمت وتُهزم، ليس فقط لأننا دخلنا في الشهر التاسع من هذه الحرب، من دون أن تنهار "حماس". دلائل هذه الهزيمة ستبقى موجودة في وعينا إلى الأبد. هُزمت إسرائيل لأن قادتها وجنودها قتلوا وجرحوا الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وخلفوا دماراً وخراباً غير مسبوقَين في قطاع غزة، ولأن سلاح الجو الإسرائيلي ألقى، قصداً، قنابل على منازل مليئة بالأطفال والنساء والشيوخ. ولأن إسرائيل مؤمنة بأنه لا توجد طريقة أُخرى. ولأن عائلات بأكملها أُبيدت.
  • انهزمت دولة اليهود لأن سياسييها وقادتها يجوّعون ويعطّشون مليونين و300 ألف إنسان، ولأن الأمراض المعدية تفشّت في القطاع. "الدولة الديمقراطية الوحيدة في هذه الغابة" هُزمت لأن جيشها عاد، مرة أُخرى، إلى طرد وتجميع مئات الآلاف من الفلسطينيين في مناطق من الأرض تزداد ضيقاً، تُدعى مناطق إنسانية آمنة، ليعود ويقصفها من جديد. ولأن آلاف المعاقين والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم يتكدسون ويعانون في هذه المناطق  الإنسانية التي تُقصف.
  • إسرائيل هُزمت لأن تلال النفايات تتراكم والطريقة الوحيدة للتخلص منها هي إشعال النار فيها، مع كل التلوث الناتج من ذلك. لأن مياه الصرف الصحي تتدفق في الشوارع وأسراب الذباب تحجب الرؤية. ولأنه مع انتهاء الحرب، سيعود الناس إلى مدن مدمرة مليئة بالذخائر غير المنفجرة، وستبقى الأرض مشبعة بالمواد السامة الخطِرة. ولأن الآلاف، إن لم يكن أكثر، سيصابون بأمراض مزمنة ومعيقة، لا شفاء منها، بسبب هذا التلوث والتسمم.
  • لأن العديد من الطواقم الصحية الشجاعة والمتفانية في قطاع غزة، طبيبات وأطباء وممرضات وممرضون، وسائقو سيارات الإسعاف، والمسعفون، وأيضاً المؤيدون لـ"حماس"، والذين يتلقون رواتب منها، قُتلوا في القصف. ولأن أولاداً وطلاباً سيخسرون عامهم الدراسي المهم، ولأن المكتبات والأرشيفات العامة والخاصة احترقت، ولأن المخطوطات والأبحاث ضاعت، والأعمال الفنية والمطرزات لفناني غزة دُفنت وأُحرقت. ولأنه لا يمكن معرفة  الضرر النفسي الذي سيلحق بهذه الملايين.
  • الهزيمة  تكمن في أن الدولة التي تعتبر نفسها وريثة ضحايا جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها النازية، قد خلقت هذا الجحيم في أقل من 9 أشهر، ولا تزال مستمرة. ألا تقولوا إبادة جماعية، قولوا إنها إبادة جماعية. الفشل  ليس في حقيقة أن هذا التعريف أُلصق باسم إسرائيل في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. الفشل هو في إصرار أغلبية المواطنين الإسرائيليين اليهود على عدم سماع  جرس الإنذار في الدعوى، واستمرارهم في تأييد الحرب...
  • النظرة الإسرائيلية الأحادية هي سبب ودليل آخر على الهزيمة: أغلبية الجمهور اليهودي - الإسرائيلي، بمن فيه المعسكر المعارض لنتنياهو، وقعت في سحر الحرب الشاملة كردّ على "مذبحة" 7 أكتوبر، من دون أن تستخلص دروس الماضي من الحروب عموماً، وضد الفلسطينيين خصوصاً. صحيح أن "المذبحة " التي ارتكبتها "حماس" مريعة، وأن معاناة المخطوفين وعائلاتهم تعجز الكلمات عن وصفها،  كذلك تحويل قطاع غزة إلى خزان كبير من السلاح الجاهز للاستخدام، وفق النموذج الإسرائيلي، أمر مثير للغضب. لكن أغلبية الجمهور اليهودي تركت الرغبة في الانتقام تعمي بصرها. عدم الرغبة في الإصغاء ومعرفة ما يجري لمنع الأخطاء هما الحمض النووي للهزيمة. قادتنا كانوا يعلمون كل شيء، ولم يصغوا إلى المراقبات، وبصورة خاصة لم يصغوا إلى تحذيرات الفلسطينيين، طوال عشرات السنوات، من أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، كما أن بذور الهزيمة موجودة في جوهر تجاهُل المتظاهرين ضد الانقلاب القضائي، لحقيقة أساسية هي أننا لا يمكن أن نكون دولة ديمقراطية، من دون التخلص من الاحتلال، ولأن الذين يقومون بالانقلاب هم الذين يتطلعون إلى "إخضاع" الفلسطينيين.
  • لقد كان الفشل موجوداً هنا منذ الأيام الأولى، عندما اتُّهم كلّ مَن طالب بالانتباه إلى "السياق" بأنه خائن ومؤيد لـ"حماس". لقد تبين أن الخونة هم الوطنيون الحقيقيون، بيْد أن الهزيمة هي هزيمتنا جميعاً.