الأسلحة غير الآهلة: يجب تطبيق العبر المستقاة من الدفاعات الجوية في المجال البحري
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • في ضوء ازدياد النجاحات التي يحققها حزب الله، على مدار الأسابيع الأخيرة، في إطلاق مسيّرات انقضاضية، والنجاح المحدود للجيش الإسرائيلي في اعتراض تلك المسيّرات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو عمّا إذا كانت إسرائيل جاهزة أيضاً لمواجهة المركبات البحرية الانقضاضية التي يمكن إطلاقها من المجال البحري. سواء أكانت زوارق غير آهلة، أو غواصات غير آهلة. على الرغم من أن دولاً متطورة تقوم بتطوير واستخدام هذه الأدوات منذ أعوام غير قليلة، فإنه من الواضح خلال العقد الماضي أن المنظمات "الإرهابية"، على غرار "حماس" والحوثيين، شرعت في إدخال مثل هذه القطع إلى الخدمة، وهو ما يخلق تحدياً حقيقياً، ليس لإسرائيل وحدها، بل أيضاً لدولٍ وجهات دولية أُخرى، إلى جانب الشركات، وأيّ جهات من شأنها أن تتضرر من حرية الملاحة في المسارات التجارية، إلى جانب البنى التحتية البحرية في البحار المفتوحة، أو في المناطق القريبة من السواحل، أو المرافئ.

المنظومات البحرية المسيّرة

  • تم تطوير بعض القطع البحرية المسيّرة في السوق المدنية، لكن جرى تحويلها إلى الاستخدام العسكري بعد ذلك، وتشكل اليوم مكوناً عسكرياً مهماً لدى العديد من القوات في العالم. إن المنظومات غير الآهلة، تحت البحر، وتلك التي تُقاد فوق سطح البحر، تُستخدم لحماية الموانئ، ومكافحة الغواصات، والعثور على الألغام، والحرب الإلكترونية، والتضليل، وأعمال الأمن الشاملة، ومؤخراً، أيضاً في مجال جمع المعلومات والهجوم، مثلما برز في الحرب الأوكرانية، وفي القتال الحالي الذي يجري بين الحوثيين والائتلاف البحري الذي يقوده الأسطول الأميركي.
  • هذه الأدوات تُعتبر أكثر أهميةً حين يدور الحديث عن خصم أدنى مستوى يقاتل خصماً متفوقاً، وخصوصاً في المعارك القريبة من الساحل، وفي مواجهة السلاح غير المتماثل. إن الثمن المنخفض نسبياً لهذه القطع، والقدرة على التزود بكميات كبيرة منها، من دون أن يرتبط الأمر بصناعات السلاح المتفوقة، يتيح أيضاً لجيوش "الإرهاب" والدول النامية استخدامها. وفي المقابل، يبدو أيضاً أن أساطيل كبرى في أرجاء العالم، بدأت تدرك الفرص الكامنة والتحديات المترتبة على استخدام مثل هذه القطع. وصار من الواضح أن الأمر يتطلب تكييفاً للأسطول، كما يتطلب بصورة خاصة إدراك حقيقة أنه يجب بذل جهود في بلورة تصوُّر لدمج القطع الآهلة وغير الآهلة في الخطط الدفاعية والهجومية للعمل الحربي، كما ثبت من خلال استخدامها في الحرب داخل أوروبا، وفي القتال في البحر الأحمر، بين الجيش الحوثي والقوات الدولية. لقد قامت حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي باستخدام مثل هذه القطع في مواجهة إسرائيل. مع ذلك، فإن عدد الهجمات المنفّذة ضد إسرائيل بواسطة هذه القطع في المجال البحري قليل، مقارنةً بما يحدث في المجال الجوي. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه القطع قد تُستخدم ضد إسرائيل في حرب مستقبلية في مواجهة حزب الله. وفي ضوء هذا كله، بات لدينا فرصة في استقاء العبر مما يجري في ميادين أُخرى، والتأكد مما إذا كانت إسرائيل مستعدة لمواجهة هذا التحدي الجديد.

استخدام القطع البحرية غير الآهلة في ميادين القتال عبر العالم

  • أدت الحرب الأوكرانية الروسية إلى استخدام القطع غير الآهلة بشكل غير مسبوق. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2022، دمجت أوكرانيا مركبات آهلة وغير آهلة، بحرية وجوية، في هجماتها في المجال البحري، حيث نفّذت هجمات بواسطة السفن والطائرات المسيّرة، وهو ما ألحق أضراراً بالسفن الحربية والسفن التجارية الروسية، إلى جانب الأضرار اللاحقة بالبنية التحتية للموانئ والبنى التحتية البحرية الأُخرى على مسافات تبعد عن أوكرانيا 500 كيلومتر وأكثر.
  • إحدى العمليات التي نُفّذت باستخدام القطع المسيّرة، والتي حظيت بتغطية واسعة نسبياً في مرحلة مبكرة من الحرب، هي هجوم السفن المسيّرة على الأسطول الروسي في البحر الأسود. لقد أثبت هذا الهجوم، الذي تم تنفيذه بالتزامن مع هجوم جوي أدى إلى إلحاق الضرر بسفينة حربية روسية، أن قدرات أوكرانيا في هذا المجال متقدمة نسبياً. منذ ذلك الحين، تم توثيق العديد من هجمات السفن الأوكرانية المسيّرة وعدد قليل من الهجمات الروسية المماثلة.
  • مع حلول الذكرى السنوية الثانية للحرب قريباً، تمت إقالة قائد البحرية الروسية بسبب عدم رضا القيادة عن أدائه، نظراً إلى إغراق عدد كبير من السفن الروسية في البحر الأسود بواسطة السفن الأوكرانية المسيّرة. هذا يشير إلى أهمية استخدام التقنيات المتطورة حتى في الميادين التقليدية، مثل البحر. لقد أثّرت هذه الهجمات في طريقة عمل البحرية الروسية، وكذلك في طريقة تشغيل الموانئ وتخصيص الموارد لحماية أصولها الحيوية في المنطقة.
  • استخدام هذه الأدوات يثبت أنه حتى لو لم يكن الضرر المادي الذي تسببه كبيراً جداً، فإن الإنجاز المعرفي هائل؛ تقريباً، من دون المخاطرة بالقوات المقاتلة، وبتكاليف منخفضة. يُعتبر هذا الأمر مشابهاً جداً للاعتبارات المطبّقة أيضاً على الطائرات المسيّرة، على الرغم من أن العمليات الجوية أكبر بما لا يقاس.
  • استخدمت إيران ووكلاؤها أيضاً السفن والطائرات المسيّرة في الأعوام الأخيرة ضد أهداف بحرية. يطور الإيرانيون أنظمة بحرية غير آهلة بمجموعة متنوعة من القدرات، بدءاً من سفن لجمع المعلومات الاستخباراتية، إلى القوارب المتفجرة لضرب السفن، أو البنية التحتية البحرية، والقوارب ذات القدرة على الحرب المضادة (إطلاق الصواريخ من مسافة بعيدة)، والغواصات المسيّرة لضرب البنى تحت المائية.
  • أيضاً يقوم الحوثيون، الذين يعتمدون على القدرات الإيرانية، بتشغيل السفن والطائرات المسيّرة التي تضرب السفن العسكرية والمدنية في البحر الأحمر. لقد أدى هذا النشاط إلى قيام التحالف البحري، تحت لواء القيادة المركزية الأميركية، ببذل جهود كبيرة، بدءاً من الإضرار المادي بهذه القدرات في أثناء تصنيعها وتخزينها، وصولاً إلى أنظمة الدفاع المثبتة على السفن، مثل مدافع الليزر وأنظمة الحرب الإلكترونية.
  • لقد قامت "حماس" أيضاً باستثمار كبير في الجهد الحربي تحت المائي، والذي ظهر بدءاً من عملية "حارس الأسوار" - عندما حاولت إرسال غواصة مسلحة وغير آهلة في اتجاه منصة الغاز تمار، وصولاً إلى حرب "السيوف الحديدية"، حيث أظهرت محاولات أكثر أهميةً بشأن إطلاق السفن المسيّرة في اتجاه مواقع البنية التحتية البحرية والسفن، فقام الجيش الإسرائيلي باعتراضها، إمّا قبل إطلاقها، أو حتى في أثناء تشغيلها.
  • في ضوء هذا التحدي، بدأت القيادة المركزية الأميركية بتطوير قدرات ملائمة قبل عدة سنوات. ومن ضمن النشاطات، يجري نشاط في إطار فرقة عمل تسمى Task Force 59، بهدف تسخير التقنيات غير الآهلة والذكاء الاصطناعي من مختلف البلاد، وبصورة خاصة لأغراض الدفاع في مناطق عمليات الأسطول الخامس. تضمن فرقة العمل تعاوناً دولياً، بما في ذلك تجارب وتدريبات شاركت فيها هيئات وشركات إسرائيلية. وعلى الرغم من أن تهديد القطع البحرية صار يشكّل تحدياً، فإن هذه الجهود المضادة أصبحت تمثل أيضاً فرصة للتعاون وتطوير تقنيات جديدة.

 

هل إسرائيل جاهزة لمواجهة التحدي؟

  • في ضوء ازدياد استخدام القطع الحربية المسيّرة في الجو والبحر في العالم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عمّا إذا كان الجيش الإسرائيلي جاهزاً لمواجهة منظومات مسيّرة قد تُستخدم ضده بصورة واسعة النطاق من الحيز البحري أيضاً. يصبح هذا السؤال أكثر أهميةً في ضوء التحدي الذي يواجه الجيش بصورة لا تمثل نجاحاً كاملاً في اعتراض المسيّرات الجوية في الميدان الشمالي على وجه الخصوص. إن استخدام الطائرات المسيّرة ومصاعب اعتراضها يشيران إلى أن المنظمات العسكرية تختار استخدام هذه القطع الزهيدة الثمن، والتي يسهل تركيبها وتشغيلها بصورة واسعة، على الرغم من أنها غير دقيقة الإصابة. وبناءً عليه، فإن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي تواجه مصاعب في تشخيص هذه القطع، وذلك لعدة أسباب، من ضمنها انخفاض البصمة الرادارية لهذه القطع، نتيجة خصائصها المادية وأنماط طيرانها، إلى جانب طريقة التشغيل الذكية التي يمارسها الخصم من خلال تشخيصه المناطق التي يصعب فيها تشخيص واعتراض هذه القطع.
  • في ظل الحالة السائدة في ميدان القتال الجوي، يمكننا أن نقدّر أن على الجيش الإسرائيلي إجراء تعديلات والتأكد مما إذا كان الرد على هذه التهديدات كافياً في الحيز البحري أيضاً، وذلك في ضوء التعاون الدولي والمعلومات المتعلقة بالأنظمة البحرية المسيّرة التي تم تطويرها في كلٍّ من إيران وكوريا الشمالية، فمن المعقول أن يسود استخدام هذه المنظومات ضد إسرائيل في حال نشوب صراع أكثر خطورةً مع حزب الله.
  • إن ثمن الخطأ الكامن في عدم كفاية الدفاعات البحرية قد يكون باهظاً جداً، وخصوصاً بالنسبة إلى دولة مثل إسرائيل، التي تشبه جزيرة تعتمد بصورة كبيرة جداً على البنى التحتية الموجودة في البحر، ابتداءً من الطرق التجارية والموانئ المسؤولة عن 99% من حجم البضائع التي تدخل إليها وتخرج منها، مروراً بشبكات الطاقة المتمثلة في حقول الغاز، وشبكات التوصيل التابعة لها تحت البحر، والتي توفر الغاز لاقتصاد الطاقة الإسرائيلي، وصولاً إلى شبكات التوصيل والاتصالات تحت البحر، التي توفر لدولة إسرائيل 96% من حجم حركة اتصالاتها بالعالم.
  • بناءً على ما تقدم، يتوجب على الجيش الإسرائيلي الاستباق وفحص ما إذا كانت منظومة الدفاع البحرية متأهبة ومزودة بمنظومات حماية مناسبة ضد القطع البحرية المسيّرة، بما يشمل تقنيات وقدرات تشخيص مبكر واعتراض هذه القطع. هذا الأمر يتطلب التعلم المشترك في الساحة الدولية، والمتابعة الاستخباراتية المنتظمة والمتواصلة، وبلورة سياسة ناظمة ثابتة، واستثماراً في البحث والتطوير، إلى جانب تعديل العقيدة القتالية والتصورات السائدة لدى الجيش بما يتيح توفير حماية كافية من التهديد المتعاظم بصورة أنجح مما جرى في ميدان الدفاعات الجوية.
 

المزيد ضمن العدد