على الرغم من الرسالة الهجومية الموجهة إلى إسرائيل، فإن إيران لا تزال في مرحلة انتظار
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- التهديد الذي نشره المندوب الإيراني في الأمم المتحدة على حسابه في شبكة "إكس" يوم الجمعة، صيغَ بعناية فائقة: "إيران تعتبر دعاية النظام الصهيوني بشأن نيته مهاجمة لبنان حرباً نفسية، لكن إذا شن هجوماً عسكرياً شاملاً، فإن النتيجة ستكون حرباً مدمرة. وستكون كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة، بما فيها تدخُّل كل جبهات المقاومة ".
- الذين صاغوا التهديد، تجنبوا القول إن إيران نفسها ستشارك في هذه الحرب، لكنهم أشاروا إلى أن التهديد الأكبر سيكون بمشاركة كل أذرع إيران في المعركة. ومغزى التهديد هو تكثيف هجمات الميليشيات الشيعية على إسرائيل، وعلى أهداف أميركية، إذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب، وتوسيع نطاق هجمات الحوثيين، وطبعاً، شنّ هجوم شامل لحزب الله على إسرائيل.
- وهنا يُطرح السؤال: هل إيران نفسها ستشارك فعلاً في الهجوم بصورة مباشرة. طبعاً، كل "الاحتمالات مطروحة"، لكن البيان الإيراني افتقر إلى إعلان واضح في هذا الشأن. حتى الآن، تتعامل إيران مع تهديدات إسرائيل، وكذلك مع التحذيرات الأميركية على أنها "حرب نفسية"، بما فيها تلك التي نُقلت إليها، وإلى لبنان، عبر قنوات دبلوماسية أميركية وأوروبية. بالنسبة إلى إيران، ما يجري ضغط سياسي، هدفه إجبار حزب الله على وقف النار، من دون تلبية الشرط الأساسي للحزب، أي وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس".
- الجديد في التحذير الإيراني أنه ناجم في الأساس عن تحمُّل إيران، علناً، المسؤولية عن قدرتها على تفعيل كل جبهات المقاومة. حتى الآن، انتهجت إيران موقف المراقب عن بُعد، وقدمت نفسها على أنها لا تبادر، ولا تُشغل، أو تنسق، عمليات الحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، أو عمليات حزب الله نفسه، في إطار "وحدة الساحات". لقد ردّت إيران بصورة مباشرة، فقط عندما تعرضت للهجوم في نيسان/أبريل الماضي، بعد أن اغتالت إسرائيل محمد رضا زاهدي. إن اغتيال قائد فيلق القدس في لبنان وسورية بقصف مكان ملاصق للقنصلية الإيرانية في دمشق، جرى في مكان تعتبره إيران أراضي خاضعة للسيادة الإيرانية. لقد شددت إيران، على الدوام، على أن "كل جبهات المقاومة" في الإقليم تعمل بصورة مستقلة، بما يتلاءم مع ظروف ومصالح كل دولة من الدول التي توجد فيها.
- والأهم من كل شيء، أنه في مواجهة التهديد الإسرائيلي بشنّ حرب ضد لبنان، وليس فقط ضد حزب الله، تتصرف إيران كدولة إقليمية عظمى، وهي لا تهدد إسرائيل فقط، بل أيضاً القوة العظمى الخصم، الولايات المتحدة، إذا ما انضمت إلى الحرب بأيّ شكل من الأشكال. وباتخاذها هذا الموقف، تعيد إيران تحديد دورها من جديد: فهي لا تحارب فقط، دفاعاً عن الفلسطينيين، أو من أجل وقف إطلاق النار في غزة، بل تهدد أيضاً باستخدام "وحدة الساحات" من أجل الدفاع عن لبنان، إذا نشبت الحرب. وهذا الموقف يهدف إلى إيقاظ الدول العربية من لامبالاتها حيال تعرُّض دولة شقيقة للهجوم.
- لكن إلى أن تحدث تطورات جديدة على الأرض، فإن مصطلح "حرب نفسية" لا يزال صالحاً، ليس فقط بالنسبة إلى المعلقين الإيرانيين، بل إن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استخدم أيضاً هذا المصطلح في أثناء زيارته قيادة "منطقة جنوب الليطاني" في الجيش اللبناني في مدينة صور. لقد قال ميقاتي خلال الزيارة "إن التهديدات التي نراها الآن هي نوع من الحرب النفسية". لكن ميقاتي قال شيئاً آخر لا يقلّ أهميةً خلال الزيارة: "جئنا إلى هنا من أجل الاطّلاع على سير الامتحانات النهائية الرسمية. والسؤال البديهي أنه لو لم يكن الجيش موجوداً في الجنوب، هل كان في الإمكان إجراء الامتحانات. ونحن نعود ونشدد في كل مكان على أن الجيش هو عماد الوطن والدرع الذي يدافع عنه بكل معنى الكلمة". ميقاتي قال إن الجيش هو درع دفاع الدولة، وليس حزب الله. وهذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها سلوك حزب الله، علناً، ويحاول نزع الشرعية التي يمنحها نصر الله للمواجهة مع إسرائيل باعتبارها حرباً للدفاع عن لبنان.
- في جميع الأحوال، "الحرب النفسية" هي الآن فرضية عمل، ليس فقط بالنسبة إلى إيران، بل بالنسبة إلى لبنان أيضاً. من المحتمل أنها تستند إلى تقديرات حصل عليها ميقاتي من الأميركيين والفرنسيين، الذين ما زالوا يعتقدون أنه على الرغم من الخطاب التصعيدي والتهديدات من كل الأطراف، إسرائيل وحزب الله وإيران، فإن جميع هذه الأطراف لم تصل بعد إلى المرحلة التي باتت فيها مستعدة، أو راغبة في الدخول في حرب شاملة.
- مصادر سياسية تحدثت مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أكدت أنه لا تظهر "في الميدان نفسه دلائل تشير إلى أن هذه الأطراف وصلت إلى حالة التأهب القصوى، وهذه الحقيقة اختفت عن الأنظار بسبب "ارتفاع التهديدات الخطابية التي يتبادلونها فيما بينهم". وبحسب المصادر، فإن هدف هذه التهديدات تحضير الأرضية، قبيل المفاوضات السياسية بين لبنان وإسرائيل، والتي من المتوقع أن تبدأ فور دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وذلك من أجل "تحسين شروط تفاوُض كل طرف من الأطراف عندما يبدأ الوسيط الأميركي عمله في اليوم التالي". وبحسب هذه المصادر، بلّغ حزب الله قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني، التي من المفترض اتخاذ قرار بشأن تجديد مهمتها في آب/أغسطس المقبل، أنه لا ينوي توسيع المعركة. وفي رأي هذه المصادر، أن الحزب حقق في هذه الحرب معظم أهدافه، المعلنة وغير المعلنة، وأثبت شراكته الكاملة في "وحدة الساحات" من أجل النضال الفلسطيني، وبحسب كلام نصر الله، نجح في إشغال الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية، وبهذه الطريقة، حدَّ من استخدام كامل قواته في غزة، وبحسب معادلة الحزب، فإن حجم الدمار والضحايا الذي لحِق بحزب الله ولبنان يبدو معقولاً، مقارنةً بالإنجازات. وأن الأمر لم يذهب سدى.
- ... في أي حال، يبدو أن حزب الله وإيران استنفدا الحرب، وأيّ محاولة للدخول في حرب واسعة يمكن أن تقوض الإنجازات التي ينسبها حزب الله إلى نفسه، كي لا نقول إنه يدمرها من الأساس. لكن حزب الله وإيران ولبنان، وحتى إسرائيل نفسها، مقيدون معاً بالقيد الفولاذي الذي وضعه نصر الله، والذي يمنح "حماس" وإسرائيل الحق في رفض صفقة المخطوفين، وبالتالي رفض وقف إطلاق النار في غزة. الآن، يبدو أنه على الرغم من النظرية التي تقول إن "حماس" تنظيم تابع لإيران وينسّق مع حزب الله، فإن حزب الله لا يملك أدوات ضغط على السنوار للموافقة على صفقة مخطوفين تنقذ لبنان من تهديد الحرب الشاملة، وإيران من خطر خسارة أرصدتها، والدخول في مواجهة خطِرة مع الولايات المتحدة، وتنقذ إسرائيل من الدخول في حرب ثالثة ضد لبنان.