التفكير خارج الصندوق؛ الآن، لدى إسرائيل فرصة لن تتكرر من أجل حسم المعركة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • لقد شارفت المرحلة الرئيسية من القتال في غزة على الانتهاء، وبتنا قبل نهاية الحرب، بالشكل الذي عرفناه لهذه الحرب حتى اليوم، على مدخل مرحلة جديدة. بعد انتهاء ثمانية أشهر من القتال، أصبحت حركة "حماس" تقف على ساق واحدة، هي ساقها المدنية (التي تترافق مع نشاطات عسكرية فردية، أو نشاطات حرب عصابات).
  • في هذا المقال، لن أخوض في مسألة عدم نجاح إسرائيل (على الرغم من محاولتها) في تفكيك قدرات حركة "حماس" السلطوية في موازاة الجهد العسكري المبذول ضد كتائب القسّام. ففي الواقع، إن محاولات إسرائيل العمل مع العشائر المحلية، أو بدلاً من ذلك، إدخال عناصر من السلطة الفلسطينية إلى القطاع، باءت بفشل ذريع، وعلى الرغم من أن الأمر ممكن، فإن الجيش الإسرائيلي (من خلال منسّق نشاطات الحكومة في المناطق) لم يبذل في هذه الأثناء حداً أدنى من الجهد للسيطرة على المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع وتوزيعها، بدلاً من حركة "حماس".
  • يجري هذا في حين يدرك الجميع أن قيام "حماس" بالسيطرة على المساعدات الإنسانية الخارجة من مخازن الأمم المتحدة، وتوزيعها على المدنيين، يمثل مكوناً شديد الأهمية في حفظ قدرتها ومكانتها السلطوية في القطاع.
  • إذا كانت هذه هي الحال، فكيف سيساعد الدخول في مرحلة جديدة إسرائيل؟
  • هناك أمر واحد واضح ومتفق عليه فيما يتعلق بـ"اليوم التالي": خطة إعادة إعمار ضخمة لقطاع غزة، تُعتبر شرطاً لاستمرار الحياة في غزة. وفي الحد الأدنى، ستجري عمليات إزالة ركام الحرب من أجل إعادة بناء القطاع لكي يصبح صالحاً للسكن والحياة الطبيعية بالنسبة إلى السكان الغزيين.
  • هذا الجانب الشديد الأهمية، والذي يتفق الجميع على أنه سيحدث، بصورة أو بأُخرى، لا يمكن لحركة "حماس" القيام به بنفسها، بل إنه لن يتحقق من دون مساعدة إسرائيل ودول الإقليم والعالم.
  • لا بد من أن كثيرين سيتساءلون عن سبب اهتمامي بإعمار غزة، حتى قبل البدء بالحديث عن إعادة إعمار جنوب وشمال إسرائيل قبل ذلك. والإجابة هي أنه إلى جانب كوننا بحاجة إلى البدء بالحديث عن ضرورة بذل عدة جهود في عدد من المشاريع بالتوازي، بدلاً من إنجاز المهمات، الواحدة تلو الأُخرى، فإن مسألة إعادة إعمار القطاع، بعكس إعادة الإعمار في إسرائيل، تُعتبر أداة ممتازة لإقصاء "حماس"عن الحكم في غزة، وتفكيك قدراتها السلطوية، وإرساء بديل منها.
  • إذا تم تحقيق إعادة الإعمار في الوقت الذي لا تزال "حماس" تسيطر على القطاع بصورة فعالة (حتى لو لم تكن هي الهيئة السلطوية الرسمية المعلنة، وتكتفي بالعمل في الميدان)، فإن هذا سيوفر الشرعية لسلطة "حماس" المتجددة، ويضمن ضخ مزيد من النشاط في شرايين الحركة.
  • هذا ما يجب على إسرائيل، بالتحديد، تعلُّمه من الماضي: في نهاية الحرب العالمية الثانية، أطلقت الولايات المتحدة مشروع مارشال. واستغرق تنفيذ هذا المشروع نحو أربع سنوات، استثمرت فيه 173 مليار دولار (بقيمة الدولار اليوم).
  • لقد تم توزيع الأموال من طرف لجان تضم مسؤولين حكوميين ورجال أعمال. وساهمت خطة مارشال كثيراً في النمو الاقتصادي السريع لأوروبا في العقود التالية، وبفضلها، تم تعزيز حلف شمال الأطلسي، وجرى الحفاظ على الهيمنة والقيادة الأميركية في أوروبا، ودفعت في اتجاه إقامة الاتحاد الأوروبي.
  • في المقابل، وفي أعقاب كل جولة قتال سابقة في غزة، كانت "حماس" هي التي تقود إعادة إعمار القطاع، وفقاً لمصالحها، واستخدمت إعادة الإعمار (المال والمواد الداخلة إلى القطاع)، عملياً، لكي تهيئ الأرضية للجولة المقبلة من القتال، في حين فضّلت إسرائيل دفن رأسها في الرمال وتجاهُل الأمر.
  • بناءً عليه، يبدو أن على إسرائيل الآن التفكير خارج النسق المعتاد، وأن تتعلم من دروس الماضي، وأن تتولى زمام المبادرة الآن. على إسرائيل أن تعلن، بمبادرة منها، وفور انتهاء العمليات القتالية في رفح، "برنامج مارشال الإسرائيلي" لإعادة إعمار القطاع، بحيث يتولاه المجتمع الدولي، بمساعدة دول الإقليم، تحت قيادة إسرائيلية.
  • إن خطة مارشال بقيادة إسرائيل، ستحول قطاع غزة، وبصورة مفاجئة، من مصدر للخلاف إلى قاعدة للتعاون، وستؤدي في الواقع إلى تشكيل تحالُف إقليمي ودولي، مع استغلال المصلحة المشتركة لجميع الجهات، والمتمثلة في إعادة إعمار القطاع.
  • من جهة أخرى، فإن هذا سيجعل "حماس" تخسر دلالاتها المدنية السلطوية في "اليوم التالي"، لأنها ستكون في مواجهة قوى أكبر منها (تقودها إسرائيل، وفيها كثيرون من اللاعبين الدوليين الذين يملكون مبالغ طائلة من المال، إلى جانب موارد وقدرات هائلة).
  • هذه المبادرة ستمكّن القيادة الإسرائيلية من تولّي دور قيادي في تشكيل القطاع في "اليوم التالي"، وستوفر لإسرائيل الدعم الدولي مجدداً، وتساهم في ضمان المصالح الإسرائيلية، وخصوصاً في مجال السيطرة الأمنية الإسرائيلية الشاملة في القطاع. مثل هذا البرنامج سيجعل "حماس" في مأزق: لأن نشاطاتها ضد جهود إعادة إعمار القطاع ستجعلها مُدانة دولياً وإقليمياً، وتضعها للمرة الأولى، وبصورة واضحة، في موقع يصبّ ضد مصلحة شعبها، بما يترافق مع ضرب كبير للشرعية الداخلية التي تتلقاها "حماس" من الفلسطينيين، وهي الشرعية الضامنة لمواصلة سيطرتها على القطاع.
  • وهكذا، انطلاقاً من الإدراك أن حجر الأساس من أجل إسقاط حركة "حماس" وتحقيق النصر عليها في المعركة بأسرها هو السيطرة المدنية على القطاع، وفي ظل انعدام القدرة على خلق بديل من سلطة "حماس" في القطاع في وقت سريع، فإن تبنّي موضوع إعادة الإعمار واستخدام منصات إعادة إعمار ناجحة، على غرار خطة مارشال، يتيحان لإسرائيل تفكيك سلطة "حماس"المدنية في القطاع، وإعادة تشكيل القطاع في "اليوم التالي"، وفقاً للمصالح الإسرائيلية، وضمان الدعم الدولي المتجدد لإسرائيل، وربما أيضاً: استخدام غزة نفسها من أجل إقامة تحالُف إقليمي في مواجهة إيران، تنضم إليه السعودية المعنية بالتطبيع مع إسرائيل.
  • بهذه الطريقة، سيمكننا تحويل الوضع القائم إلى مشروع مفيد، وتحويل غزة إلى أساس وقاسم مشترك للحلف المناهض لإيران. إنني أناشد أصحاب القرار أن يفكروا في هذه المسألة، فإذا اختاروا فعلاً الذهاب في هذا الاتجاه، فإن العمل عليه يجب أن يبدأ على الفور.