حتى الآن، يبدو أن ترامب هو الفائز، كيف سيؤثر هذا الفوز في إسرائيل، وفي جبهات القتال؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- لم ينتصر دونالد ترامب في المواجهة بينه وبين الرئيس الحالي، لكن جو بايدن تعرّض لخسارة كبيرة أصابته في أكثر النقاط الحساسة: التشكيك في قدراته العقلية والجسدية على تولّي رئاسة الولايات المتحدة والقيادة العليا للقوات المسلحة مدة أربع سنوات. ترامب كان هجومياً، وقدّم أنصاف الحقائق، وكذب أحياناً، وتهرّب من إعطاء إجابات مباشرة عن أسئلة محرجة، لكن ظهور بايدن وتلعثُمه ولغة الجسد المرتجفة هي من الأمور التي سيتذكرها الناخب الأميركي الذي شاهد المناظرة...
- في إسرائيل، هناك مَن بدأوا بفرك أيديهم فرحاً، ويتوقعون انتخاب ترامب رئيساً، وهم يؤمنون بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، فستختفي كل مشاكل شحنات السلاح والمشكلات الإنسانية التي تفرضها إدارة بايدن على إسرائيل. يجب أن نتذكر أن ترامب لديه كثير من التحفظات عن نتنياهو، حسبما قال في مقابلة أجراها معه الصحافي باراك رابيد، لقد كرر ذلك عدة مرات. كذلك موقف ترامب من حرب "السيوف الحديدية" الذي كان متناقضاً. في البداية، أيّد الحرب، بعدها قال إنه يجب على إسرائيل إنهاء الحرب الآن، ثم عاد وأيّد استمرار الحرب وتدمير "حماس". من هنا، فإن المشكلة الكبيرة مع ترامب هي أنه لا يُعرف على أيّ جانب سيستيقظ هذا الصباح، وما هو القرار الذي سيتخذه قبل احتساء قهوته.
- في المقابل، من الواضح أن جاريد كوشنير سيكون إلى جانبه في البيت الأبيض، صهره، وصديق إسرائيل الكبير، ومهندس تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، وإظهار القوة الأميركية في منطقة الخليج الفارسي، وفي الشرق الأوسط.
- ... فيما يتعلق بجبهات القتال التي تشارك فيها إسرائيل، التقدير هو أنه إذا أصبح ترامب الرئيس المقبل للولايات المتحدة، فإن هذا سيؤثر في الاتجاه الذي نرغب فيه. في مسألة المخطوفين، من المتوقع أن تتخوف الدول الوسيطة، ولا سيما قطر، من الضغط الذي سيمارسه الرئيس ترامب، ومن خطوات عقابية يتخذها، إذا لم تستجِب لمطالبه. لذلك، من المتوقع أن تضغط قطر على السنوار، وعلى الزعامة السياسية لـ"حماس"، الموجودة في الدوحة، من أجل العودة إلى صفقة المخطوفين على عدة مراحل، أو مرحلة واحدة، والتوصل إلى إنهاء الحرب قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
- يمكن أن نتوقع أيضاً ضغطاً أكبر على السنوار من القيادة السياسية لـ"حماس"، وبصورة أساسية من الفلسطينيين في قطاع غزة، من أجل التوصل إلى صفقة مخطوفين تنهي القتال، قبل وصول ترامب إلى الحكم وقيامه بإزالة "القيود الإنسانية" التي فرضها الرئيس بايدن على إسرائيل. مما لا شك فيه أن نتائج المناظرة بين بايدن وترامب شكلت أخباراً سيئة بالنسبة إلى الفلسطينيين في القطاع، وبالنسبة إلى يحيى السنوار أيضاً، الذي يمكن أن يفكر في مسار جديد بشأن مسألة صفقة المخطوفين. أمل السنوار بأن تفرض الولايات المتحدة والأوروبيون على إسرائيل وقف الحرب، تلقى ضربة قوية جرّاء صعود قوة الأحزاب اليمينية في البرلمان الأوروبي، وفي المحصلة، فإن نتائج المناظرة التي جرت، يمكن أن تحسّن فرص نجاح صفقة تحرير المخطوفين.
- فيما يتعلق بلبنان، يبدو أن حزب الله وإيران يريدان المحافظة على الإنجازات التكتيكية والاستراتيجية التي حققاها خلال الحرب الحالية، والتي تهدف من وجهة نظر الحزب إلى استنزاف إسرائيل والتسبب بانهيارها. وهما لن يسارعا إلى الدخول في حرب شاملة يمكن أن تكون لها نتائج كارثية على لبنان، وتضرّ بإيران بصورة يمكنها إضعاف نظام الملالي. لذلك، لدى حزب الله وإيران دافع قوي للتوصل إلى تسوية سياسية، بوساطة موفد الرئيس بايدن عاموس هوكشتاين الآن، وليس في فترة الرئيس ترامب. بالنسبة إلى إيران وحزب الله وإسرائيل، من الواضح أن الحرب في الشمال يمكن أن تمتد حتى سنة 2025، وأيضاً في غزة، لذلك، من المهم التوصل إلى إنهاء الحرب والتسويات خلال فترة بايدن، وليس في الفترة التي يكون فيها ترامب في البيت الأبيض، وكوشنير يهمس في أذنه.
- بالنسبة إلى إسرائيل، الآن، يزداد الإغراء لدى رئيس الحكومة للمساعدة في حملة ترامب الانتخابية. لقد بدأ نتنياهو بذلك في فيديو شحنات السلاح [الذي انتقد فيه عرقلة إدارة بايدن إرسال شحنات من السلاح إلى إسرائيل] في مطلع الأسبوع. يبدو أنه ليس لدى رئيس الحكومة ما يخسره لأن إدارة بايدن تحتقره علناً، وبالتالي، إن فرص تصالُحه مع ترامب أكبر من فرصه في حوار بنّاء من أجل علاقات جيدة مع إدارة بايدن.
- حالياً، من المعقول الافتراض أن البيت الأبيض والحزب الديمقراطي يتخوفان أكثر من خطاب نتنياهو المنتظر في الكونغرس الأميركي في نهاية هذا الشهر، والذي يمكن أن يكون مؤيداً لترامب بصورة واضحة وعلنية. لكن هذا سيحول دولة إسرائيل إلى رصيد للجمهوريين، بينما كان التأييد لإسرائيل، قبل عدة سنوات، من طرفَي الخريطة السياسية الأميركية، وسيصبح معتمداً على الجمهوريين فقط. من المعقول أيضاً أن يفضل نتنياهو انتظار فوز ترامب في الانتخابات لإنهاء المهمة في غزة، وفي لبنان أيضاً، من دون قيود على السلاح، ومن دون كوابح إنسانية، مثل تلك التي كانت في فترة بايدن.
- وخلاصة ذلك أن الحرب في قطاع غزة ستستمر على نار هادئة حتى نهاية سنة 2024، وربما إلى ما بعدها. الجيش مستعد لمثل هذا السيناريو، ويقوم بالاستعدادات للدفع به قدماً. فقط عقد صفقة لتحرير المخطوفين يمكن أن يوقف حرب الاستنزاف الآن، والتي ستتغير شدتها، سواء في غزة، أو في الشمال. بالنسبة إلى النازحين من مستوطنات الشمال، حملت المناظرة بين بايدن وترامب أخباراً سيئة، لأن من المنتظر أن تستمر الحرب ومعها الدمار بالنسبة إلى الطرفين.
- من الناحية الاستراتيجية، الفرص الكبيرة في عودة ترامب رئيساً للولايات المتحدة لها جوانب إيجابية. أولاً، إذا انتُخب ترامب رئيساً، فإنه سيقوم بانعطافة في الموقف ضد الأوكرانيين لمصلحة بوتين، حسبما تعهّد. بالنسبة إلينا، معنى ذلك تحوُّل الانتباه العالمي من الحرب في الشرق الأوسط، والتركيز على أوروبا، ونظراً إلى أن ترامب تعهّد إنهاء الحرب في أوكرانيا، فمن المعقول أن يزداد مخزون السلاح في مخازن البنتاغون ولدى الصناعة الأميركية بصورة كبيرة.
- يمكن أن نخلص إلى القول إن ترامب، الذي لا يمكن لأحد التنبؤ بردة فعله، وأثبت أنه قادر على القيام بخطوات سياسية واقتصادية مهمة، من دون أن يرّف له جفن، سيزيد في قوة الردع الأميركي في المنطقة، وصهره جاريد كوشنير، يمكن أن يعمل على تحسين جوهري في العلاقات بين إسرائيل والسعودية. لكن مع ذلك، يجب إرفاق هذه التقديرات بتحذير واضح. فرص بايدن في الفوز بولاية رئاسية ثانية لم تُحسم، ليس بسببه، بل لأن ترامب يخيف كثيرين من المواطنين الأميركيين. وعلى الرغم من أن في إسرائيل هناك مَن يتمنى فوز ترامب، وخصوصاً على يمين الخريطة السياسية، فإنه يجب علينا أن نتذكر أن بايدن هو صديق حقيقي لإسرائيل، وهو صهيوني تقريباً، بينما ترامب صديق مشروط، ورجل غير متوازن، ومواقفه غير متوقعة.