المحرمات المفروضة على الاستيطان في غزة: هل فعلاً كل الإمكانات على الطاولة؟
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

  • لماذا من غير المنطقي الحديث عن استيطان يهودي في قطاع غزة في "اليوم التالي للحرب"؟ هذا هو السؤال الذي طُرح على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال مقابلة أجراها مع برنامج "البتريوتيم" في القناة 14، ورفض الموضوع بحسم، قائلاً "أنا لا أعتقد أن هذا منطقي، وهو لا يخدم أهداف الحرب".
  • ومثل كل ازعاج غير مريح، هناك فكرة يجري التخلص منها بسرعة لحظة طرحها. لدينا فقط لا تُطرح "كل الإمكانات على الطاولة". من الواضح ما هو الخيار الشرعي المطروح على الطاولة: إعادة السلطة الفلسطينية ومنح أبو مازن مفاتيح القطاع؛ قوة دولية تقوم بفرض النظام هناك حتى نضوج سلطة محلية يمكن الاعتماد عليها؛ تنصيب سلطة عشائر، أو أفكار أُخرى يمكن البحث فيها، وإجراء حوارات بشأنها مستقبلاً، أو طلب أوراق تقدير موقف ومقترحات. هناك خيار واحد تم رفضه وإخراجه من الحوار: عودة السيطرة الإسرائيلية على القطاع، أو على أجزاء منه.

انتصار لليسار

  • بمفهوم معين، وهو مهم في هذه الأيام، انتصر اليسار الأيديولوجي، اليسار الذي كان في أساس اتفاقات "أوسلو" والانسحابات، والذي رفع يوماً شعار "معسكر السلام". وهذا يجري في الوقت الذي يبدو أنه في حالة انهيار: الدعم الجماهيري له يتقلص، والرأي العام ينحو يميناً، والأحزاب التي رفعت علم الانسحابات والاتفاقيات يوماً، تتحالف من أجل أن تبقى في قيد الحياة، وتضطر قياداتها إلى التخلي عن الأيديولوجيا القديمة، لترفع اليوم شعارات "الصراع على الديمقراطية" و"العصيان المدني".
  • إن عدد الاستطلاعات التي تشير إلى تقلّص قوة اليسار الأيديولوجي غير مهم. ففي الامتحان العملي، الجواب هو "نعم"، يتم دعم أيديولوجيته العميقة في الإعلام والقضاء والدبلوماسية، وعلى الصعيد المؤسساتي. عقيدة معسكر السلام تفرض حدود النقاش، ولديها القوة لفرض الفيتو على جدول أعمال المعسكر السياسي الذي يبدو مهيمناً.
  • هذا ما تثبته حقيقة أنه يمكن الحديث عن إعادة منظمة التحرير إلى غزة، أو صفقة سعودية تتضمن ترتيبات مع الفلسطينيين. والافتراض أنه يجب تفضيل الترتيبات السياسية على حسم الحرب في الشمال. وحقيقة أنه لا يجب الحديث عن تفكيك "حماس"، لأنها فكرة، ولا يوجد حل عسكري لقضية سياسية.
  • ما هو الكلام الممنوع؟ الانتصار العسكري المطلق - لأنه يُعتبر شعبوية؛ ممنوع الحديث عن الاستيطان في غزة لأنه مسياني (وغير واقعي)؛ ممنوع الحديث عن تقوية الاستيطان في الضفة الغربية لأنه انتقامي؛ ممنوع الحديث عن وجود عسكري ثابت في غزة، لأنه غارق في الوحل؛ ممنوع الحديث عن عودة الحزام الأمني في لبنان - ببساطة، لأنه غير ممكن.
  • هل يوجد عبثية تاريخية أكثر من هذه؟ مشروع المعسكر الأكبر في إسرائيل- الاستيطان - يمكن تجاهُله. فقد ثبت في "أوسلو" و"خطة الانفصال"، أنه يمكن الانسحاب من بعض المناطق، وأيضاً إخلاء بلدات؛ أمّا "الحقائق في الميدان" التي فرضها اليمين، فيمكن إلغاؤها. إنجازات المعسكر القومي - يمكن العودة  عنها.
  • أمّا الحقائق التي تم فرضها في الميدان، استناداً إلى عقيدة السلام والاتفاقيات - فلا يمكن التراجع عنها، حتى لو تبين أنها خاطئة، وأن التوقعات جرى دحضها، وحتى لو تم خرق هذه الاتفاقيات. لكن العجلة التي تدور نحو اليسار - لا يمكن إعادتها. وبكلمات أكثر بساطة: يمكن العودة عن الاستيطان؛ أمّا الانسحابات، فلا.
  • وعدونا بأن التنازل عن الأراضي سيؤدي إلى المصالحة مع الشعب الفلسطيني، وأن الانفصال جيد للأمن، وأن الانسحاب من لبنان جيد لإسرائيل، وأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية سيبعد الحرب - وأننا في اللحظة التي سنتمركز على الحدود السيادية، فلا أحد يستطيع مناقشتنا عندما نريد الدفاع عنها - ولن يتجرأوا على مواجهتنا. ومن هذا كله، نبعت النظرية: لن تقع حروب كالحروب الماضية، ولا حاجة إلى عمق استراتيجي- ميداني؛ والجيش الصغير الذكي سيكون كافياً، والتفوق التكنولوجي يضمن التفوق العسكري.
  • ماذا حدث؟ تمزق البالون. لكن هذا لا يمنع الأشخاص والجهات التي تؤمن بهذه العقيدة من الاستمرار في طرح الأفكار عينها، وأن يؤكدوا لنا أنه في هذه المرة، لو اجتهدنا أكثر، وتنازلنا أكثر، وأعطينا أكثر، وسيطرنا أكثر على أنفسنا - فكل شيء سيعود كما كان عليه.
  • لا نملك الامتياز لرفض حلول معاكسة لتلك التي جربناها - وفشلنا. على إسرائيل البحث في معنى فقدان العمق الاستراتيجي بجدية، وليس بشعبوية. عليها أن تقدّر الثمن من جديد، والجدوى من الاستيطان في مناطق الاشتباك.

هناك إمكان للعودة

  • وأكثر من ذلك، على إسرائيل أن تقول لحلفائها في العالم إن "كل الإمكانات مطروحة"، بالنسبة إليها، وأنها ستعود للسيطرة على المناطق التي انسحبت منها، إذا كان هذا ضرورياً لأمنها، وإن تحولت هذه المناطق إلى قواعد للهجوم على حدودها.
  • على إسرائيل تمرير رسالة إلى أعدائها، مفادها بأن الاحتلال من جديد، وحتى الاستيطان، هما سيناريو واقعي جداً في حال شنوا هجوماً قاتلاً. على حكومة إسرائيل أن توضح وتثبت لأعدائها القريبين والبعيدين أنها لن تتردد في إعادة العجلة إلى الوراء، حتى في لبنان، إذا استُغل انسحابها من الحزام الأمني من أجل إقامة قاعدة متقدمة لشعارات إبادة دولة اليهود.
  • هذا ليس واقعياً فقط، إنه واجب على الدولة، إذا أرادت الحياة. لا يوجد أيّ قيمة للانسحابات والاتفاقيات ما لم يكن واضحاً للأطراف المعنية أنها ستُعتبر ملغاة في حال انتُهكت بعدوانية. بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يجب أن يكون هناك معادلة جديدة: سواء أكان ذلك جيداً، أو سيئاً، هناك أيضاً طريق للعودة مرة أُخرى إلى الوراء.
 

المزيد ضمن العدد