المستوطنون الملتزمون بالقانون هم أيضاً من فتيان التلال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بكلمات مؤثرة، ودقيقة في معظمها، وصف قائد المنطقة الوسطى العسكرية اللواء يهودا فوكس، الذي استقال هذا الأسبوع، الجرائم اليهودية المرتكبة ضد الفلسطينيين على أساس قومي. تلك الجرائم التي "أطلت برأسها في الأشهر الأخيرة"، بحسب تعبير فوكس. لقد صاغ فوكس خطابه بهذه الصورة لأنه (كما هي حال كثيرين في اليسار والوسط واليمين) دخل بخطوات واثقة في فخ "لا ينبغي لنا التعميم".
  • استهل فوكس خطابه، بطريقة مؤدبة جداً، بالقول إن "الأغلبية المطلقة من المستوطنين مواطنون ملتزمون بالقانون، وأخلاقيون، كل ما يسعون له هو ممارسة حياتهم وتربية أُسرهم، وهم يستحقون كل خير"، كأنه يحاول تخفيف الضربة التي سيوجهها في العبارة التالية، ليعاجل المستمعين، بعد ذلك، بمقولة متناقضة: "وحتى لو كان الذين يخرقون القانون أقلية، فإن الذين يصمتون على جرائمهم ولا يدينون أفعالهم، يجعلون النقد موجهاً إلى جميع المستوطنين، على اختلاف مشاربهم". لكن فوكس يعلم جيداً أنه من المستحيل التوفيق بين وجود "أغلبية مطلقة ملتزمة بالقانون"، وصمت هذه الأغلبية عن الجرائم التي تُرتكب باسمها، وتحت سمعها وبصرها.
  • لكن استخدام كلمة "صمت" ليس سوى محاولة لتجميل ما يجري حقاً على الأرض. فالمجتمع الاستيطاني لا يقابل الجرائم بالصمت فحسب، بل يشجعها. فالحرب الشعواء التي يشنّها ممثلو المستوطنين المُنتخبون في الكنيست وداخل الحكومة لإعفاء مجرمي المستوطنات من الاعتقالات الإدارية، وقيام هؤلاء بشتم الضباط، بمن فيهم فوكس نفسه، الذي لمّح إليه الوزير عميحاي إلياهو بالقول في تصريحه "مَن يعتبر أبناء شعبه المستوطنين هدفاً شرعياً ويلبسهم لبوس العدو، ويتهمهم بالإجرام، وفي الوقت نفسه، يعتبر السلطة الفلسطينية شريكاً شرعياً، لا يستحق أن يقود جنودنا"، فضلاً عن التصريح السام الذي أطلقته عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ التي وصفت فتيان التلال بأنهم "يقفون على الثغور لحماية أرضنا"، هذه التصريحات ليست مفاجئة ممّن انتخبهم المجتمع الاستيطاني "الملتزم بالقانون"، بحسب فوكس،  بل إن المستوطنين يعتبرون هذه الرؤية وطنية وشرعية، لا بل ضرورية، من أجل تحقيق حلم أرض إسرائيل الكاملة. يتكئ هؤلاء على الصمت النشط الذي يبديه المستوطنون، أي "الأغلبية العظمى من الملتزمين بالقانون"، على حد تعبير فوكس.
  • هذا الصمت هو ما يوفر الإسناد والتشجيع على الجرائم القومية التي يمارسها فتيان التلال، وهو ما يحيل ممثلي تلك الفئة إلى "أعضاء شرعيين مُنتخبين من الشعب". هنا أيضاً تستتر الخطيئة الخطِرة التي تسعى للتمييز بين أقلية من المشاغبين وبين الأغلبية الطبيعية، هذه الخطيئة الهادفة إلى إخفاء حقيقة أن المشروع الاستيطاني برمته غير قانوني. وأن المستوطنات ليست سوى كناية عن خرق فظ للقانون الدولي. فالبؤر الاستيطانية المتوحشة، أو المزارع التي يستخدمها المستوطنون لنهب أراضي الفلسطينيين ليست هي الخطيئة وحدها، بل إن "كريات أربع"، و"أريئيل"، و"إفرات" [مستوطنات "قانونية"، بحسب القانون الإسرائيلي]، هي كذلك أيضاً. وبفضل تلك "الأقلية المشاغبة والعنيفة"، يمكن لسكان المستوطنات التمتع بالصفة الوهمية التي أسبغها فوكس عليهم، ومفادها أنهم مواطنون يحترمون القانون.
  • تنص قواعد اللباقة السياسية والاجتماعية على أن التعميم محظور، لكن هذا الحذر المبالغ فيه من التعميم هو بالضبط ما يحمي الانتهاك الكاسح للقانون الذي يتمسح بمسوح النظافة القانونية. إن قواعد اللباقة السياسية الكاذبة هذه، بالمناسبة، ليست الوحيدة في خطاب فوكس، إذ إن الخطاب انطوى على تشويه ديماغوجي إضافي، ظهر في قوله إن "الإجرام ضد الفلسطينيين رفع رأسه مؤخراً". علينا ألّا ننسى أن عمر هذه الجرائم من عمر الاحتلال. لقد دارت المواجهات العنيفة بين المستوطنين والفلسطينيين على هذه الأرض قبل وقت طويل من ولادة مصطلح "فتيان التلال". كما أن الاستيلاء غير القانوني على الأراضي، والاعتداء على الرعاة الفلسطينيين بالضرب، وهدم سقائفهم، وإحراق أملاكهم، و"الزيارات الليلية" العنيفة التي يقوم بها المستوطنون إلى منازل الفلسطينيين، هي كلها من عمر الاحتلال، تماماً كعمليات سدّ طريق مرور الفلسطينيين نحو أراضيهم، وهذا كلّه ليس مجرد تطوُّر جرى خلال الأشهر الماضية.
  • كم عملية من هذه العمليات لم يتم التحقيق فيها على مدار عشرات الأعوام، وكم منها لم يتدخل الجيش الإسرائيلي، أو الشرطة، أو "المستوى السياسي"، من أجل وقفها، وكم منها لم تتم محاسبة مَن ارتكبها، إذ شكّلت هذه الأفعال أساساً للمشروع الاستيطاني الذي يشغّله، أساساً، ذاك الجمهور الذي توخّى فوكس الحذر من أن يشمله بخطابه عن المشاغبين. إن ما جرى فعلاً على مدار الأشهر الماضية، هو أن المحاكم الدولية والعقوبات الأميركية والأوروبية بحق تلك الفئة من المستوطنين ومنظماتهم، صارت واقعاً. لكن، كي لا يقلقنّ أحد، فإن هذه الإجراءات البسيطة الصادرة عن الهيئات القانونية الدولية بحق مجرمي المستوطنات، ستواجَه أيضاً بـ"رد صهيوني لائق". إذ ستقام عمّا قريب عشرات المستوطنات الجديدة التي تتمتع بميزانيات وفيرة، بحيث ينضم سكانها إلى "الأغلبية العظمى الملتزمة بالقانون".