المصالحة الفلسطينية، الوساطة الصينية، والافتراضات القديمة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • التثاؤب المعتاد الذي يعتري الفلسطينيين، عادةً، عندما يسمعون أخبار محادثات المصالحة بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، تغير قليلاً يوم أمس. إذ نُشر بيان مشترك للتنظيمين الفلسطينيين اللذين يعتزمان إجراء محادثات في الصين. لا أحد هنا يشعر بالتفاؤل الذي يمكن أن يصل إلى حد الاعتقاد أن هذه المحادثات العقيمة، المستمرة منذ نحو عشرين عاماً، ستحقق انعطافة تاريخية الآن، لكن هناك فضولاً يتنامى، استناداً إلى نقطتين استثنائيتين، هما: الصيغة الحادة للبيان المختصر الذي وقّعه 14 فصيلاً فلسطينياً، على رأسهم "حماس" و"فتح"، والدور المركزي للصين، التي كان تدخّلها في الشأن الفلسطيني والمفاوضات محدوداً جداً، حتى الآن.
  • لقد كان البيان الموجز قاسياً، مقارنةً بكل ما نُشر في إطار مشاريع المصالحة التي لا يمكن إحصاؤها على مر السنين. إذ يؤكد البيان على الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، استناداً إلى القرار رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة (عودة اللاجئين)، من دون أي ذكر لحدود الدولة العتيدة، وعلاقاتها بإسرائيل (التي تصفها الوثيقة بـ "العدو الصهيوني")، إلى جانب الحاجة إلى الالتزام بالاتفاقيات السياسية، وهي قضية كانت محط خلاف بين السلطة و"حماس" في الماضي. إلى جانب ذلك، كال البيان المديح لكافة أشكال المقاومة ضد "الاحتلال"، وشدد على ضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية تحكم القطاع أيضاً في "اليوم التالي للحرب".
  • لقد انطوي هذا البيان على التقاء لمصالح ثلاثية. فالسلطة التي مثلتها حركة "فتح"، يبدو أن مصلحتها في كبح الانتقادات الدولية، وهي تعاني جرّاء تدنٍّ شديد في شعبيتها، مقارنةً بحركة "حماس" التي تقود النظام الفلسطيني في الوقت الراهن. لقد باتت هذه السلطة بحاجة إلى حدث المصالحة، كوسيلة لترسيخ شرعيتها الداخلية، وضمان مقعدها في إطار المناقشات بشأن "اليوم التالي للحرب".
  • "حماس" أيضاً بحاجة إلى هذا التحرك لأسباب مماثلة. فالمصالحة تجعلها ذات دلالة أكبر وكلاعب رئيسي في "اليوم التالي"، وتبعد عنها صورة الطرف المستبعد الذي يجب القضاء عليه، حسبما تعلن إسرائيل. فضلاً عن أن هذا الحدث يعزز شرعية "حماس" داخلياً، لأنه يصورها تعمل على رأب الصدع الداخلي، وهي قضية وطنية مؤلمة جداً للفلسطينيين. وكل ذلك، طبعاً، من دون أن ترخي "حماس" قبضتها المتشبثة بالقطاع. ستوافق "حماس"، في أفضل الحالات، على وجود حكومة رمزية، بينما ستواصل، من خلف الكواليس، إحكام سيطرتها على جميع مجالات الحياة هناك.
  • أمّا ثالثة الأثافي، وأهمها في مثلث المصالح هذا، فهي الصين، التي تسعى جاهدةً لتعزيز قوتها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تراقب، برضى، أفول نجم الولايات المتحدة في الإقليم، كما تبدّى في انسحابها من العراق وأفغانستان، وامتناعها من اعتماد سياسات عسكرية صارمة ضد إيران، وعلاقاتها المشحونة بدول عربية. قبل نحو عام، حصدت الصين نجاحاً ملهماً في المصالحة التي روّجتها بين إيران والسعودية، في الوقت الذي تربطها بدول الإقليم علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية. النفط على رأس هذه الاهتمامات، بالإضافة إلى الموانئ والكنوز الطبيعية الضرورية للاقتصاد الصيني.
  • في الوقت الحالي، على الأقل، لا توجد توقعات تفيد بقرب تطبيق قرارات البيان سريعاً، وخصوصاً فيما يتعلق بإقامة حكومة وحدة وطنية، وذلك بسبب العداء والتشكيك العميق القائم بين كلٍّ من "فتح" و"حماس". ومع ذلك، على إسرائيل أن تكون حذرة ويقِظة حيال قضيتين تتجسدان في هذا التطور. الأولى: احتمال أن يُعتبر هذا الحدث جذاباً في نظر المجتمع الدولي، التواق إلى العثور على أي حل للمواجهة في غزة، وخصوصاً إذا جرى تقديمه على أساس أن السلطة الفلسطينية هي التي تقوده، فمن شأن هذه الخطوة أن تُعرض كفكرة قابلة للتطبيق، وأن تؤدي إلى تحويل الضغط الدولي في اتجاه إسرائيل، وهذا قد يترافق مع مطالب بوقف الحرب، والسماح للسلطة (الضعيفة) بالعمل في القطاع، وهو ما سيتيح استمرار وجود وتأثير "حماس". السبب الثاني الباعث على القلق يتمثل في ازدياد التدخل الصيني في الإقليم. فالصين جهة تُظهر تبنّيها مواقف مؤيدة للفلسطينيين بشكل واضح، إلى جانب تحفظات عميقة بشأن إسرائيل، وهي تسعى لترسيخ نفسها كبديل من الهيمنة الأميركية في الإقليم.
  • سيتعين على إسرائيل وضع حد للادعاءات التي سيتم تناقُلها على الحلبة الدولية (ومن جانب جهات إسرائيلية محلية)، ومفادها أن المصالحة تجسّد إمكان تحقيق استقرار في النظام الفلسطيني، وتعزيز السلطة، وربما تَمَأسُس "حماس" وتحولها إلى الاعتدال. إن كل مقولة من هذه المقولات السابقة تعاني جرّاء سوء فهم للواقع، ولا تزال غارقة في الافتراضات الخاطئة التي سادت إسرائيل قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • يتعين على إسرائيل، في المرحلة الحالية، بذل جهد "هاسباراه" توضيحي يوضح طبيعة "حماس" "السيئة" وغير القابلة للتغيير، وعدم معقولية تحوّلها إلى جزء من نظام مستقبلي فلسطيني. أيضاً على إسرائيل أن توضح أنها، حتى لو سعت للتوصل إلى صفقة مع "حماس" عمّا قريب، فإن إسرائيل لا تعتزم إنهاء نضالها الطويل الأمد، الهادف إلى اجتثاث هذا التنظيم. في المقابل، يجب على إسرائيل البحث عن طرق أُخرى من أجل تحويل السلطة عن مسار المصالحة السلبي هذا، ولهذا الغرض، عليها النظر في وقف الإجراءات العقابية الاقتصادية ضد السلطة، بل ربما تبادر إلى حوار سياسي أولّي بين الطرفين. ويجب أن يتم ذلك كله بحكمة تقول إن السلطة، على الرغم من كونها عنصراً إشكالياً، فإن بقاءها أفضل كثيراً من الفوضى التي سيخلّفها غيابها عن الميدان، كما أن بقاء السلطة أفضل كثيراً من اضطرار إسرائيل إلى حُكم الضفة الغربية حكماً عسكرياً مباشراً، فضلاً عن أن السلطة، بكل تأكيد، أفضل كثيراً من خيار هيمنة "حماس" على الضفة الغربية.
 

المزيد ضمن العدد