الاغتيالان في إيران ولبنان يقرّبان الشرق الأوسط من اشتعال إقليمي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • ليست مرة واحدة، بل مرتان خلال بضع ساعات، تلقى المحور الراديكالي ضربات قاسية في شتى أنحاء الشرق الأوسط في اليوم الأخير. في البداية، قُتل فؤاد شُكر، وهو من أهم الشخصيات في حزب الله، جرّاء هجوم بالمسيّرات على بيروت، في عملية سارعت إسرائيل إلى إعلان مسؤوليتها العلنية والمباشرة عنها. وفجر الأربعاء، أعلن التلفزيون الإيراني وفاة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، جرّاء انفجار في طهران. ومن دون أن تُصدر إسرائيل بياناً رسمياً، من الصعب التصديق أن الأمر مجرد صدفة.
  • الاثنان هما من أهم الشخصيات في "حماس" وحزب الله، التي قُتلت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومنذ انضمام حزب الله إلى إطلاق النار على إسرائيل في اليوم الذي تلا ذلك. وتدل العمليتان على مستوى عالٍ من التخطيط، ومن المعرفة الاستخباراتية، والقدرة التنفيذية، وهما ليستا موجهتين فقط إلى هذين التنظيمين، بل إلى مَن يدعمهما ويشغّلهما من وراء الكواليس، أي إيران. لقد أدى التفجير في طهران إلى مقتل حارس هنية ورئيس طاقم الحراسة الذي قُدّم لهنيّة الذي جاء إلى طهران من أجل المشاركة في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. الآن، أصبح للنظام الإيراني دور مركزي في اتخاذ القرار بشأن طبيعة الرد.
  • من المحتمل أن نكون في مواجهة فصل جديد من التصعيد في الحرب، مع احتمالات مواجهة إقليمية واسعة النطاق. من الصعب على إيران عدم الرد على العملية التي وقعت في أراضيها. من ناحية أُخرى، حتى الآن، يبدو أن إيران، أو حزب الله، يحاولان إبقاء الحرب مع إسرائيل تحت عتبة الحرب الشاملة. لقد كشفت العملية الأخيرة ضُعف المحور الإيراني. زعيما التنظيمين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس الذراع العسكرية لـ"حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، يجدان نفسيهما وحيدين في القيادة، بعد اغتيال عدد كبير من كبار قادتهما، جزء منهم في المواجهة الحالية. ومن المتوقع أن ينعكس مقتل هنية سلباً على الاتصالات بشأن صفقة المخطوفين، التي شهدت في الأسابيع الماضية تعثراً كبيراً، على خلفية التشدد في مواقف إسرائيل.
  • وُلد إسماعيل هنية (62 عاماً) في مخيم الشاطىء للاجئين في غزة، لكن في السنوات الأخيرة، كان يقيم بقطر. وهو جزء من المجموعة التي أسست حركة "حماس" التي أنشأها الشيخ أحمد ياسين في القطاع في سنة 1987. بعد اغتيال إسرائيل الشيخ ياسين ومسؤولين كباراً آخرين خلال الانتفاضة الثانية، تولى زعامة الحركة. لكنه لاحقاً، دخل في مواجهة مع السنوار الذي سعى للسيطرة على "حماس"، فانتقل هنية إلى قطر، حيث يتولى القيادة السياسية للحركة.
  • وهنية هو المسؤول الثاني الكبير الذي يُغتال في الخارج، بعد صلاح العاروري الذي اغتيل في كانون الثاني/يناير في بيروت. وفي قطاع غزة، وعلى ما يبدو، أيضاً اغتيل محمد الضيف هذا الشهر. وقبله اغتالت إسرائيل مروان عيسى، وهو من قادة الذراع العسكرية، وثلاثة من قادة الكتائب في القطاع. ويُعتبر هنية شخصية عامة أعلى مستوىً من سائر الشخصيات الأُخرى، باستثناء الضيف، وتستعد إسرائيل لاحتمالات وقوع هجمات انتقامية في الأراضي المحتلة عقب مقتله.
  • قبل اغتيال هنية بساعات، اغتالت إسرائيل فؤاد شُكر (الحاج محسن)، الشخصية الثانية في حزب الله، في الضاحية، المعقل الشيعي في بيروت. وتحدثت تقارير لبنانية عن مقتل شخصين وعدد كبير من الجرحى في الهجوم. وفي هذه الحالة أيضاً، تستعد إسرائيل لردّ من حزب الله، لكنها تأمل بإمكان احتواء المواجهة وتجنُّب التصعيد إلى حرب شاملة في الشمال.
  • شُكر (62 عاماً) هو من المسؤولين الكبار المخضرمين في الذراع العسكرية لحزب الله، والذي بقي في قيد الحياة حتى اليوم. بدأ نشاطه في الحزب في سنة 1982، فور نشوء الحزب، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في حرب لبنان الأولى. في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، شارك مع عماد مغنية (الذي قُتل في عملية اغتيال في سنة 2008) في التخطيط للهجوم الانتحاري الأول في مدينة صور، والذي قُتل فيه عشرات الجنود الإسرائيليين وعناصر من الشاباك. كما كان شُكر متورطاً في قتل عشرات الإسرائيليين الآخرين، وحمّل الجيش الإسرائيلي شُكر في بيانه، أمس، المسؤولية المباشرة عن إطلاق الصاروخ القاتل على مجدل شمس.
  • منذ مقتل الأولاد الـ12 في قرية مجدل شمس في هضبة الجولان بعد ظهر يوم السبت الماضي، جرّاء صاروخ أطلقه حزب الله، أجرت القيادتان السياسية والأمنية في إسرائيل سلسلة استشارات. وكان واضحاً للجميع أنه من الضروري الرد بعنف على الحادثة الأخطر التي وقعت في الشمال منذ نشوب الحرب. ومع ذلك، كانت النية اختيار عملية تضع حزب الله أمام معضلة، وتدفعه إلى القيام بخطوات لا تؤدي إلى حرب. وطُرحت مجموعة من الاحتمالات، وفي النهاية، قُرر الأسلوب المناسب، مهاجمة مسؤول كبير في حزب الله في بيروت، من خلال عملية دقيقة ومحدودة، لا تؤدي إلى عدد كبير من القتلى من عناصر الحزب، ومن المدنيين. وللهجوم في الضاحية أهمية رمزية: فهي قلب نشاطات حزب الله ومركز قوة الطائفة الشيعية في بيروت. 
  • نصر الله من كبار أنصار أسلوب المعادلات. على الأقل منذ سنة 2006، يصور خطواته ضد إسرائيل كجزء من معركة هدفها تحقيق التوازن، في العمليات نفسها، وفي الردع حيال إسرائيل. وطوال الحرب في غزة، تحدث نصر الله، أكثر من مرة، عن أن الهجوم على بيروت سيرد عليه الحزب بمهاجمة غوش دان.
  • في الأمس، رفع الجيش الإسرائيلي الجاهزية لمواجهة رد عسكري من طرف حزب الله. وكان يمكن رؤية الطائرات الحربية تحلق في الأمس في شتى أنحاء البلد، تحسباً لإطلاق حزب الله مسيّرات هجومية، أو إذا كان هناك حاجة إلى مهاجمة منظوماته لإطلاق الصواريخ. ومع ذلك، امتنعت قيادة الجبهة الداخلية من تغيير التوجيهات الدفاعية للجمهور.
  • من المعقول الافتراض أن إسرائيل بلّغت الولايات المتحدة مسبقاً. لقد كان شُكر مطلوباً للـFBI الذي يحمّله المسؤولية عن عمليات "إرهابية" دولية، ويُشتبه في تورّطه بمقتل مواطنين أميركيين. وفي الأيام الأخيرة، جرت محادثات كثيرة بين كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية ونظرائهم الأميركيين، وطلبت الولايات المتحدة التأكد من أن إسرائيل ستتجنب إشعال حرب شاملة في الشرق الأوسط، وستكتفي بردّ محدود على حادثة مجدل شمس.
  • ردُّ حزب الله سيتأثر بمصير شُكر بصورة كبيرة. في الأمس، أعلن وزير الدفاع أن حزب الله تجاوز الخطوط الحمراء.  ويمكن الافتراض أيضاً أنه من ناحية حزب الله، الخطوة الإسرائيلية تجاوزت الخط الأحمر، ويجب الرد عليها. وهنا تُطرح مسألة صعبة أُخرى. منذ عشرة أشهر، لم تنجح إسرائيل في إعادة الاستقرار إلى الحدود الشمالية وإعادة 60 ألف مواطن نزحوا من المنطقة إلى منازلهم. وحتى لو لم يؤدّ الهجوم على بيروت إلى حرب شاملةـ لا يبدو، حتى الآن، أنه سيكون الطريق التي ستؤدي إلى إعادة الاستقرار على الحدود مع لبنان. وحالياً، يبدو أن المسار البديل، التوصل إلى صفقة مخطوفين مع "حماس" وإعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ثم مسعى أميركي سريع من أجل التهدئة في الشمال، قد وصل الآن إلى حائط مسدود. الحكومة والجيش لم يقتربا من حل المشكلة الاستراتيجية في الشمال، لقد نفذ صبر السكان منذ وقت طويل. عاد قليل منهم إلى منازلهم، وحياتهم ليست آمنة، وليس لدى أحد فكرة بشأن عودة الهدوء إلى الحدود. في ظل هذه الظروف، يصبح خطر التدهور إلى حرب شاملة حقيقياً أيضاً، في ضوء الاغتيال الآخر في طهران.