حرب على أربع جبهات: هكذا تخطط إيران لتحدي الدفاعات الإسرائيلية والأميركية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • من يسعى لفهم الوضع الفوضوي في هذه الحرب، يجب أن يدرك أن دولة إسرائيل تواجه حالياً أربع جبهات عسكرية وسياسية منفصلة: الأولى، جبهة إقليمية ضد إيران وحلفائها، وهي تركز حالياً على ردة فعل المحور الشيعي، بقيادة إيران، على اغتيال زعيم "حماس"، إسماعيل هنية، وعلى السؤال الذي لا يقل أهمية؛ "كيف ستدافع إسرائيل عن نفسها من الرد الإيراني المتوقع، وكيف سترد عليه؟".
  • الجبهة الثانية، هي جبهة لبلورة صفقة لتحرير الرهائن يمكن أن تؤدي إلى إنهاء القتال المكثف في غزة، وربما التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب في الشمال. أمّا الجبهة الثالثة، فتركز على رد حزب الله المتوقع على اغتيال القائد العسكري البارز، فؤاد شكر، في بيروت، والذي ربما يؤدي إلى تصعيد الحرب في لبنان. والجبهة الرابعة، هي جبهة الحوار مع الإدارة الأميركية التي تطلب إسرائيل منها الدعم العسكري والسياسي في الجبهات الثلاث الأُخرى، بينما يرغب الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونائبه، كمالا هاريس، إنهاء الحرب قبل الانتخابات.
  • هذه هي الجبهات الرئيسية التي تتعامل معها دولة إسرائيل، المتمثلة برئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومنظومة الأمن حالياً. وترتبط هذه الجبهات ببعضها، ويؤثر بعضها في البعض الآخر كما سنرى لاحقاً، لكن هناك أيضاً جبهتين فرعيتين يديرهما الجيش الإسرائيلي والشاباك حالياً: الأولى هي القضاء الممنهج على كبار قادة "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني ونشطائهما، الذين خططوا ونفذوا الهجوم الفظيع في 7 تشرين الأول/أكتوبر على سكان منطقة غلاف غزة.
  • وفي هذه الجبهة الفرعية، تعيد إسرائيل العمل وفقاً لـ "عقيدة جولدا" (على اسم رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير) التي صيغت وطُبقت بعد عملية ميونخ سنة 1972. ناهيك بجبهة القتال الأُخرى التي تدور في الضفة الغربية، حيث تم تصفية خمسة نشطاء من "حماس" صباح اليوم بواسطة صاروخ طائرة من دون طيار في منطقة طولكرم.

ضربة إيران وأذرعها: هل ستلتزم إيران "معادلة نصر الله"؟

  • بطبيعة الحال، إن الجبهة التي تثير اهتمام مواطني دولة إسرائيل وتقلق راحتهم هي جبهة الرد الإيراني على اغتيال هنية، ومن الممكن أن الإيرانيين استخلصوا العِبَر من غارة الصواريخ المجنحة والمسيّرات الانقضاضية التي حاولوا توجيهها إلى إسرائيل في 14 نيسان/أبريل من هذه السنة، والتي اعترضها، بالكامل تقريباً، تحالف إسرائيلي أميركي - عربي. ويدعي الإيرانيون أن الاعتراض كان ممكناً لأن عملية "الوعد الصادق" (وهو الاسم الذي منحوه للغارة التي تشكلت من نحو 300 صاروخ مجنح وطائرة مسيّرة محملة بالمتفجرات أطلقوها في اتجاه إسرائيل) كانت تهدف فقط إلى إظهار قوتهم، وليس إلى إلحاق الأذى الحقيقي بإسرائيل. ويهدد المتحدثون الإيرانيون الآن بأن الرد الانتقامي على اغتيال هنية سيكون "الرد الحقيقي" على حد تعبيرهم.
  • ونظراً إلى فشل هجومهم في نيسان/أبريل، فمن الممكن أن يحاول الإيرانيون تحدي جدار الدفاع الخاص بالتحالف الإسرائيلي - الأميركي البريطاني الفرنسي، وربما أيضاً العربي. وإذا اعتمدنا على تصريحات شخصيات إيرانية لوسائل الإعلام العربية والغربية، وخصوصاً خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في جنازة شكر، الذي كان يحتوي على معلومات مهمة للغاية، فإن الإيرانيين يخططون لهجوم مشترك مع جميع عناصر "محور المقاومة الشيعي" الذي يشمل الحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي)، والميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية الموجودة في سورية، وعناصر الحرس الثوري المتمركزة في سورية، وربما أيضاً حزب الله.
  • ويتمثل الهدف في مهاجمة إسرائيل من عدة اتجاهات، من 360 درجة محيطة بها، في الواقع، مع الاهتمام في الوقت ذاته بإغراق أنظمة إنذار الدفاع الجوي الإسرائيلية والتحالف الأميركي بعدد كبير جداً من الصواريخ والطائرات من دون طيار القادمة من جميع اتجاهات "الحلقة النارية" التي شكلها الإيرانيون عبر أذرعهم حول إسرائيل.
  • يتيح استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة للإيرانيين مهاجمة إسرائيل أيضاً من اتجاه البحر الأبيض المتوسط ومن اتجاه مصر، وسيحاول هؤلاء تحدي أنظمة صواريخ "حيتس" المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية من مسافات طويلة من إسرائيل. ويمكن لصاروخ "حيتس 3" أن يعترض الصواريخ الباليستية في الغلاف الجوي سواء أُطلقت من إيران أم اليمن، أي من مسافة 1400 - 1800 كيلومتر، أم من العراق أم شمال شرق سورية، من مسافة 600 - 800 كيلومتر.
  • من المقبول افتراض أن الإيرانيين لا يريدون أن يطلق حزب الله في لبنان صواريخه الثقيلة في اتجاه إسرائيل، لأنهم يدركون أن الصواريخ الباليستية الثقيلة ذات الرؤوس الحربية التي يبلغ وزنها نصف طن وأكثر من المتفجرات، والتي تبلغ آمادها المئات من الكيلومترات، ستؤدي إلى ردة فعل إسرائيلية قوية وشاملة ضد جميع الأراضي اللبنانية، وهذا ما لا يريده الإيرانيون، فهم يرغبون في أن يحتفظ حزب الله بترسانته من الصواريخ والطائرات من دون طيار الثقيلة والرئيسية من أجل مواجهة ممكنة مع إسرائيل إذا هاجمت الأخيرة المنشآت النووية في طهران. لذلك، فمن الممكن أن يشارك حزب الله في الضربة التي سينفذها "المحور" ضد إسرائيل، لكن ليس بكل قوته، وليس خارج شمال إسرائيل.
  • وتتطلب ضربة مشتركة كهذه من جانب إيران وأذرعها تخطيطاً وتحضيراً دقيقَين، وهذا سيستغرق وقتاً طويلاً؛ فتقسيم العمل الدقيق، أي توزيع الأهداف وأنواع الصواريخ والطائرات من دون طيار بين أعضاء "محور المقاومة" مهمة ليست سهلة، وخصوصاً لأن هذه الأذرع متباعدة عن بعضها بمئات الكيلومترات، وهي تعلم أن الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية تراقب عن كثب استعداداتها.
  • وبالتوازي مع التحضيرات العسكرية، يحاول الإيرانيون إقناع الدول العربية، وخصوصاً السعودية، والأردن، ومصر، بعدم تقديم العون عبر إطلاق الإنذارات واعتراض الهجمات لحماية إسرائيل. ويدعي وزير الخارجية الإيراني الجديد أمام نظرائه الأردنيين والمصريين أن معاقبة إسرائيل على اغتيال هنية تتم باسم العالم والقضية الإسلامية، وليست عملية خاصة بإيران وأذرعها والتيار الشيعي في الإسلام، ولذلك، فإنه لا ينبغي التدخل في هذه الضربة ضد إسرائيل.
  • الأخبار الجيدة في هذا السياق هي أن الأميركيين على علم بالتحضيرات للضربة التي تخطط لها إيران وأذرعها ضد إسرائيل، وقرر البنتاغون، بناءً على اقتراح قيادة المركز الأميركي (سنتكوم)، تعزيز قوات الولايات المتحدة في المنطقة وإعادة تنظيمها وفقاً للخطة المتوقعة للهجوم الإيراني، حتى من دون أن تطلب إسرائيل ذلك.
  • وأرسلت الولايات المتحدة إلى المنطقة سرباً إضافياً من المقاتلات التي ربما تشارك في اعتراض الطائرات من دون طيار والصواريخ المجنحة، وسفناً مجهزة بنظام "إيجيس" لاعتراض الصواريخ الباليستية البعيدة المدى من جميع الأنواع. ويقترب جزء من هذه القوة فعلاً من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بينما جزء آخر بقيادة حاملة الطائرات "روزفلت" موجود في منطقة مضيق هرمز. ومن المتوقع أن تصل إلى المنطقة حاملة طائرات أُخرى، هي "أبراهام لنكولن" على رأس قوة مهام تتكون أيضاً من عشرات الطائرات، وتملك قدرات اعتراض بعيدة المدى.
  • وإلى جانب هذا كله، يمكننا أن نضيف على الأرجح بضعة أسراب من الطائرات القتالية البريطانية والفرنسية التي ستنضم إلى المعركة من قواعد موجودة في قبرص ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. ويعلم الإيرانيون بشأن التحضيرات الأميركية، إذ تتواصل الولايات المتحدة أيضاً مع الدول العربية عبر مقر سنتكوم الذي يقوده الجنرال الأميركي كوريلا، لذا، فمن المرجح أن طهران تقوم بتسريع تحضيراتها على أمل أن تسبق تلك التي تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة.
  • ويراقب الإيرانيون ما يحدث بقلق، وهم سيسعون، بلا شك، لتقليل الاحتكاك مع الأميركيين قدر الإمكان والتركيز على إسرائيل. ومن ناحية أُخرى، فمن الممكن أن الأذرع الإيرانية، وخصوصاً الميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، ستسعى عمداً لمهاجمة السفن والطائرات الأميركية التي تساعد إسرائيل.
  • وفي إسرائيل أيضاً، تجري التحضيرات على قدم وساق، مع التركيز بصورة أساسية على كيفية اعتراض الهجوم الإيراني الذي من المتوقع أن يكون معقداً وصعباً بالنسبة إلى منظومات الاعتراض. وفي الوقت نفسه، تستهدف إسرائيل شحنات الأسلحة التي يرسلها الإيرانيون إلى حزب الله في لبنان عبر مطار الضبعة بالقرب من بلدة القصير في منطقة الحدود بين سورية ولبنان، وفقاً لوسائل الإعلام العربية. ومن المرجح أن الإيرانيين يرسلون، بصورة أساسية، وسائل للدفاع الجوي وصواريخ دقيقة لكي يستخدمها حزب الله إذا ما هاجمت إسرائيل الأراضي اللبنانية بالكامل.
  • وإن الهجمات التي وقعت في الليلتين الماضيتين كانت تهدف إلى اعتراض هذه الشحنات، سواء عندما وصلت إلى المطار في سورية، أم عندما انطلقت نحو أهدافها في شاحنات كبيرة داخل سهل البقاع في لبنان. كل هذا تذكره وسائل الإعلام اللبنانية والسعودية، وهو ما يوضح الجهد اللوجستي والتخطيطي الكبير الذي تبذله إيران حالياً في التحضير لضرب إسرائيل.
  • وهناك وسيلة أُخرى متاحة لإيران وأذرعها، وهي استهداف المؤسسات والأشخاص الإسرائيليين واليهود في جميع أنحاء العالم؛ فقد قامت كل من إيران وحزب الله بذلك فعلاً في التسعينيات عندما استهدفا السفارة الإسرائيلية، ثم مركز الجالية اليهودية، في بوينس آيرس. لذلك، فقد نقلت إسرائيل والولايات المتحدة رسائل تحذير إلى إيران وأذرعها أنه إذا تم استهداف المدنيين في المؤسسات والأشخاص الإسرائيليين واليهود في الخارج، فإن الرد الإسرائيلي - وربما الأميركي أيضاً - سيكون صارماً وشديداً.
  • إن إسرائيل، في الواقع، تقترح على الإيرانيين التمسك بالمعادلة التي صاغها نصر الله، والتي بموجبها يسعى الجانبان لاستهداف الأهداف العسكرية وتجنُب الأهداف المدنية. صحيح أن حزب الله لا يلتزم دائماً هذه المعادلة، لكن الإيرانيين، في الهجوم السابق في نيسان/أبريل، تبنّوها، ومن الممكن أن تكون الضربة المشتركة هذه المرة موجهة أساساً نحو الأهداف العسكرية.
  • والسؤال الذي لا يزال مفتوحاً ولم تتم الإجابة عنه حتى الآن هو: "كيف سترد إسرائيل بعد أن تقوم إيران وأذرعها بتوجيه ضربتها الانتقامية؟" من الممكن أن تأخذ إسرائيل في اعتبارها العوامل التالية في ردها:
  1. الخسائر والأضرار التي سيتسبب بها الإيرانيون، إن حدثت.
  2. مطالبة إدارة بايدن إسرائيل بعدم تصعيد المعركة الإقليمية أكثر، والسعي لإنهاء جولة الضربات المتبادلة مع إيران وأذرعها في الإقليم في أسرع وقت ممكن، قبل موعد الانتخابات في الولايات المتحدة.

انتقام حزب الله سيكون محسوباً ومحدود النطاق

  • ستتحدد المعركة الثالثة، من حيث أهميتها، بناءً على رد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر في بيروت، ويمكن لنا أن نستشف بالتأكيد من خطاب نصر الله أن الإيرانيين وحزب الله يفصلون الرد على عملية اغتيال هنية في طهران، التي أذلت نظام الملالي وجعلته يبدو ضعيفاً وغير قادر على حماية أراضيه وضيوفه، عن اغتيال شكر، الذي يُعتبر قضية محلية في المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
  • لقد قال نصر الله فعلاً في خطابه إن حزب الله سيرد على اغتيال شكر، لكن بطريقة لن تؤدي إلى حرب شاملة. وعلاوة على ذلك، فقد قال إن موضع الرد وطريقته والأسلحة المستخدمة في الانتقام لاغتيال شكر سيحددها رجال الميدان في جنوب لبنان، الذين هم في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ولن تكون في إطار عملية استراتيجية ينفذها حزب الله.
  • هذا يعني أن حزب الله لا ينوي تحويل الانتقام لمقتل شكر إلى عملية تمنح إسرائيل سبباً لشن حرب شاملة ومدمرة ضد لبنان. ولقد ترك نصر الله القرار بهدوء لرجاله في جنوب لبنان، وهذا لا يعني في أي حال من الأحوال أن يتساهل جنود الجيش الإسرائيلي وسكان الجليل على طول الحدود اللبنانية، لكنه يعني أن الأمر لا يتعلق بعملية استراتيجية لحزب الله، إنما يتعلق بمسألة محلية مشابهة لما تعاملت معه إسرائيل في الماضي.
  • ربما يحاول حزب الله تنفيذ إطلاق نار في اتجاه مستوطنات أو مناطق في إسرائيل لم يستهدفها بعد، وربما يفعل ذلك في إطار الضربة التي يخطط لها "المحور الشيعي" بأكمله. لكن في كل الأحوال، من الواضح أن حزب الله لا يرغب في إعطاء إسرائيل سبباً "للانقضاض عليه" بكل قوتها.
  • ويقود رئيس الوزراء، نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، تقريباً بمفردهما المعركة السياسية الجارية ضد الأميركيين. كما أن رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، هو عنصر مهم آخر في المفاوضات مع واشنطن.
  • ولقد أشار هؤلاء فعلاً إلى التجند الأميركي غير المشروط للتأهب لصد الضربة الإيرانية المتوقعة، وفي الوقت نفسه، تعبّر الإدارة في واشنطن عن إحباطها من رفض نتنياهو التخلي عن مطالبه بشأن ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وتتعامل إدارة بايدن مع هذا الأمر بمسارين متوازيين، أحدهما يدعم إسرائيل عسكرياً من دون تحفظ، والآخر يعبّر عن غضب واستياء يزيدان من تآكل الشرعية الأميركية والدولية المتوفرة لاستمرار إسرائيل في القتال.
  • وهذا الوضع الغريب سيستمر على الأرجح حتى نهاية الانتخابات في الولايات المتحدة، وربما يستمر حتى بداية سنة 2025. وهذا وضع غير صحي، لأن غضب بايدن يمكن أن يؤثر في نهاية المطاف في السلوك والدعم العسكري الذي تحصل عليه إسرائيل حالياً من دون قيد أو شرط (بما في ذلك الأسلحة وقطع الغيار).

الجمود في صفقة التبادل، ودوافع نتنياهو

  • في معركة تحرير الرهائن، يسود جمود مستمر منذ نحو أسبوعين، والسبب الرئيسي لذلك، بحسب مصادر في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، يرجع إلى مطلب نتنياهو الواضح الحؤول دون عودة مقاتلي "حماس" والجهاد الإسلامي إلى شمال قطاع غزة، وتمركُز الجيش الإسرائيلي في ممر فيلادلفيا لمنع "حماس" من استعادة قوتها والتواصل مع العالم الخارجي.
  • وهناك دافعان يقفان خلف مطلب نتنياهو هذا: دافع استراتيجي عسكري يهدف إلى منع "حماس" من استعادة بنيتها وقوتها في قطاع غزة، وآخر سياسي داخلي يتمثل في خوف نتنياهو من انهيار الائتلاف والحكومة إذا ما وافق على اقتراح المنظومة الأمنية والمجمع الاستخباري ورئيس الولايات المتحدة بإخلاء ممر نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وممر فيلادلفيا الذي يفصل مصر عن القطاع.
  • وبعبارة أُخرى؛ يخشى نتنياهو أن ينسحب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وعدد من أعضاء اليمين المتطرف من الحكومة إذا تمت الموافقة على صفقة الرهائن التي تتخلى عن هذين الموقعين الاستراتيجيين في القطاع، وهو ما يتيح إنهاء الحرب قبل استعادة جميع الرهائن.
  • وفيما يتعلق بالاعتبار الاستراتيجي العسكري، يقول كبار مسؤولي جهاز الأمن، وعلى رأسهم وزير الدفاع، يوآف غالانت، ورئيس الموساد، دادي برنياع، ورئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس هيئة الرهائن في الجيش الإسرائيلي، اللواء نيتسان ألون، إنه يمكن التخلي عن السيطرة على ممر نتساريم وممر فيلادلفيا، على الأقل موقتاً لإتاحة صفقة الرهائن، وأن الجيش الإسرائيلي لن يواجه صعوبة في العودة والسيطرة عليهما إذا ما انتهكت "حماس" الاتفاق أو إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ويزعم هؤلاء، بصوت واحد، أن الاستجابة لمطالب "حماس" بشأن ممر نتساريم وممر فيلادلفيا ستتيح تنفيذ صفقة رهائن يعود بموجبها على الأقل الأطفال، والنساء، والجرحى، وكبار السن، وأن هناك فرصة كبيرة لصفقة شاملة يعود بموجبها جميع الرهائن، الأحياء والأموات.
  • ولا يُعرف على ماذا يستند رؤساء جهاز الأمن في ادعائهم هذا، لكن من الواضح بالنسبة إليهم، وخصوصاً برنياع، أن اغتيال هنية يزيح إحدى الشخصيات الأكثر سلبية في المفاوضات بشأن الرهائن؛ فهنية، خلافاً لصورته المبتسمة والمعتدلة المرتسمة في أنظار العالم والأميركيين، حاول باستمرار وضع عقبات، وإضافة مطالب إضافية أمام الوسطاء في الصفقة، وكان في بعض الأحيان أكثر صرامة وتطلباً من يحيى السنوار، زعيم "حماس" في غزة. ويمكن أن تسهل إزالته من الطريق بالتأكيد المفاوضات، وفقاً لتقديرات كبار مسؤولي الاستخبارات والأمن في إسرائيل.
  • وربما تعلم ذلك الوسيطتان، مصر وقطر، وربما إلى جانبهم المبعوث الأميركي، ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، ويليام بيرنز، لكن قادة المنظومة الأمنية الإسرائيلية يعرفون ذلك بصورة قطعية، وهم محترفون من الطراز الأول، ويفهمون الأمور بصورة لا تقل عن نتنياهو (بل وربما أكثر منه)، على الرغم من اتهامه لهم بالضعف (كما تدعي دانا فايس على أخبار "القناة 12").
  • وبناءً على معرفتي برئيس الوزراء، فإنني أستطيع القول إنه حينما يستخدم مصطلح "ضعفاء"، فإنه يقصد أن رؤساء جهاز الأمن يخضعون، بخلافه، للضغوط التي يمارسها الأميركيون، ويرضخون لرفض "حماس" المستمر. وفي كل الأحوال، يبدو أن نتنياهو لا ينوي التراجع عن موقفه، وهذه الحقيقة تسبب إحباطاً كبيراً لبايدن ونائبه، وكذلك للأوروبيين والدول العربية الداعمة للولايات المتحدة. ويجب أن نتذكر أن الهدف الرئيسي من الصفقة مع "حماس" بالنسبة إلى هؤلاء لا يتمثل في إطلاق سراح الرهائن كما ترغب إسرائيل، إنما إنهاء الحرب العنيفة في قطاع غزة، وربما أيضاً إنهاء القتال والتوصل إلى تسوية سياسية تمنع حرباً شاملة في الشمال.
  • وفي كل الأحوال، وكما ذكرنا سالفاً، فإن هناك جموداً حالياً في هذه الساحة، لكن كما يبدو الآن، فإن الأمر لا يؤثر في استعداد الأميركيين للانضمام إلى مساعدة إسرائيل في صد الهجوم المتوقع من محور المقاومة الشيعي.

"إنتقام غولدا" من قتلة 7 تشرين الأول/أكتوبر

  • إلى جانب الجبهات الثلاث الكبرى التي تواجهها إسرائيل، فإن هناك جبهة فرعية تخوضها إسرائيل في خضم موعد الألعاب الأولمبية في باريس. ولهذا التوقيت أهمية رمزية، إذ تدير إسرائيل حملة اغتيالات منهجية تهدف إلى القضاء على القادة الذين خططوا ونفذوا هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
  • وكما أسلفنا، فإن إسرائيل تعيد تطبيق "عقيدة غولدا"، التي بدأت تنفيذها بعد أولمبياد ميونيخ. وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن إسرائيل استغرقت 16 عاماً لاغتيال أقل من 20 من القادة "الإرهابيين" الذين كانوا في قائمة "الإكسات" الخاصة بغولدا مائير، وقد قامت رئيسة الوزراء آنذاك بتشكيل لجنة عُرفت بـ "لجنة الإكسات"، والتي قامت بتسمية المرشحين للاستهداف في عمليات الاغتيال، وأقرت الاغتيالات بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الموساد والاستخبارات العسكرية.
  • ومن الصعب معرفة ما إذا كان نتنياهو قد شكل لجنة "إكسات" كتلك التي شكلتها مائير لتحديد أسماء المستهدفين بالاغتيال اليوم، لكن العملية مستمرة منذ عدة أشهر. ووفقاً لمصادر أجنبية، فقد كان آخر الاغتيالات في هذه القائمة هو اغتيال هنية، الذي نفذه الموساد في إطار "عقيدة ميونيخ" الخاصة بغولدا مائير.
  • وقد سبقت عملية اغتيال هنية المنسوبة إلى إسرائيل عمليات اغتيال محمد الضيف، ومروان عيسى، وفقاً للتقارير في وسائل الإعلام العبرية، وروحي مشتهى والعديد من القادة الميدانيين الآخرين، والقائمة لا تزال مستمرة، وبناءً على التجربة المكتسبة من عملية انتقام رياضيي ميونيخ، فمن المتوقع أن تستمر العملية الحالية لسنوات عديدة.

تفكيك العبوات وكبح الانتفاضة: الجهد المبذول في الضفة الغربية

  • أمّا في الضفة الغربية، فإن إسرائيل تحقق نجاحات، حتى الآن، في كبح محاولات "حماس" لإشعال انتفاضة، وكذلك محاولات إيران لمساعدة "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني في الضفة الغربية عبر إدخال عبوات ناسفة والعديد من الأسلحة. ويتم إحباط جزء كبير من هذه المحاولات، لكن المعرفة تنتشر فعلاً بين مسلحي جنين وطولكرم وأماكن أُخرى في الضفة، ونحن نشهد زيادة كبيرة في جهود المسلحين من الضفة الغربية لاستهداف الجنود الإسرائيليين والمستوطنين اليهود باستخدام العبوات الجانبية، والعبوات الأرضية التي يتم وضعها بجانب محاور الطرق الرئيسية وتحتها.
  • وينصب الجهد الرئيسي للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية الآن ضد العبوات الناسفة، إذ تُدار كحرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الأرض وفي الجو، والنتيجة من وجهة النظر الإسرائيلية تُعد معقولة، بل أيضاً أكثر من ذلك، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية.
  • وكل ما تقدّم يعني أننا الآن، في الواقع، في فترة انتظار لردة الفعل الإيرانية والرد الإسرائيلي عليها، وانتظار أيضاً لكسر الجمود في المفاوضات المتعلقة بصفقة تحرير الرهائن، وللانتخابات في الولايات المتحدة، وردة فعل حزب الله على اغتيال شكر في الشمال. ونتائج هذه المواجهات، عندما تحدث، ستشكل توقيت نهاية حرب "السيوف الحديدية" وشكل هذه النهاية.