لقد اصطفوا للصلاة ثم ذُبحوا، كما حدث في زمن غولدشتاين، لكن المجزرة نُفذت هذه المرة بيد الجيش
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ها هو ذا الأمر يحدث مرة أُخرى "من دون قصد"، ومجدداً: "هذه ليست إبادة جماعية"، ولا بأي صورة. فالإبادة الجماعية، كما نعلم جميعاً، شرطها توفُر النية لتنفيذها، لا عدد الضحايا المرعب، ونحن نعلم طبعاً أنه لم تكن هناك أي نية لتنفيذ مجزرة جماعية. أمّا حينما "قتل" حزب الله، قبل نحو أسبوعين، 12 طفلاً في مجدل شمس، تنادت إسرائيل ثم صرخت: "هذه ’مجزرة‘ وهذا ’قتل‘ وهذه ’وحشية"، فهل افترض أي شخص في إسرائيل أن حزب الله نوى فعلاً قتل 12 طفلاً درزياً في الجولان المحتل؟ لكن مسألة النيات لا تُطرح أبداً فيما يتعلق بأفعال حزب الله، إذ إن الافتراض هو أن نياته قاتلة دائماً...، أمّا الجيش الإسرائيلي، فهو قصة أُخرى تماماً؛ فهو يتمتع بطهارة السلاح، وهو غير قاتل، لكن قتلى الأمس في مدرسة التابعين في مدينة غزة قُتلوا تماماً كما قُتل أطفال مجدل شمس في ملعبهم، وتهمة القتل مماثلة بين الحالتين.
- في الأيام العشرة الأخيرة، قصف الجيش الإسرائيلي ثماني مدارس، وقتل في كل منها العشرات من النازحين. وصباح أمس، بلغ القتل ذروته، إذ قُتل نحو 100 شخص كانوا قد نهضوا لأداء صلاة الفجر في المسجد المجاور للمدرسة. وكان بعض القتلى قد فروا إلى هناك قبل فترة وجيزة من ملجئهم السابق، بعدما تم قصفه أيضاً، وبعضهم فقد أجزاءً من عائلاتهم، والآن مُحيت العائلات من السجل المدني بالكامل. كانت الصور المبثوثة على قناة "الجزيرة" مروعة؛ فتيات يصرخن عند رؤية جثث آبائهن، وبطانيات من البلاستيك ملونة داخلها أشلاء مجمعة من بشر عديدين. لقد استيقظ هؤلاء الأشخاص للصلاة وذُبحوا، كما حدث في حالة باروخ غولدشتاين [المستوطن الإسرائيلي الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل سنة 1994]، لكن عدد الضحايا هذه المرة كان يناهز الضعف، ومَن قتلهم كان الجيش الإسرائيلي.
- وكالعادة أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بياناته التي لم يعد أحد في العالم يصدقها: " لقد تم اتخاذ العديد من الإجراءات، قبل الهجوم، لتقليل إمكان إصابة المدنيين، بما يشمل استخدام ذخائر دقيقة، ووسائل التنبؤ والمعلومات الاستخباراتية." فإذا كان 100 شخص قد قُتلوا بعد استخدام كل هذه الوسائل المبهرة التي اتخذها الجيش الإسرائيلي، فتخيلوا كم كان عدد الذين سيُقتلون لو لم يتخذ هذه الإجراءات والوسائل. كما أن محاولة ادعاء أن "الفلسطينيين يبالغون في الأرقام" لأن "حماس" تسيطر على وزارة الصحة الفلسطينية، هي محاولات بائسة؛ فوزارة الصحة في إسرائيل يسيطر عليها حزب شاس، فما الفارق بينهما؟ هذا ناهيك بأن الجيش لم يتمكن أبداً من دحض بيانات وزارة الصحة الفلسطينية بصورة كبيرة.
- هذه السخافات لم يعد يمكن تصديقها، وخصوصاً عندما تكون هذه هي المدرسة الثامنة التي يتم قصفها خلال عشرة أيام، ناهيك بأن القصص التي تتحدث عن وجود مقرات "حماس" في المدارس باتت صعبة التصديق، فالجيش لم يقدم حتى الآن دليلاً قوياً واحداً على وجود مقر في المدارس الثمانية التي تم قصفها، وهذا طبعاً أمر غير مهم بالنسبة إلى الإسرائيليين، فهم يبررون كل شيء مسبقاً، وكل ما يحدث في غزة أخلاقي، لكن أحداً سواهم غير مقتنع بذلك حتى الآن.
- نحن نقول هذا ونحن نؤكد أنه حتى لو كان هناك "مقر" لقيادة "حماس"، وهو مصطلح غامض، فلا توجد أي مبررات لقتل عشرات النازحين العزل الفقراء الخائفين والمذعورين، بمن فيهم كثير من الأطفال. وليس كل "مقر" (يكون ذاك "المقر" أحياناً مبنى يختبئ فيه شرطي من حكومة "حماس") يستحق أن تنفَذ فيه مجزرة جماعية. في الواقع، لا مبرر أبداً لذلك، وحينما يحدث ذلك ثماني مرات في عشرة أيام، فمن الواضح أن هناك سياسة متعمدة هنا لارتكاب جرائم الحرب.
- إن إمكان وصول هذه الحرب الأكثر عبثية وإجرامية في تاريخ إسرائيل، إلى نهايتها، يدفع الحكومة والجيش (فهذه الجرائم معلقة بناصية الجيش) إلى بذل مزيد من الجهود لقتل أكبر عدد ممكن من دون تمييز، ومن دون كابح. ثمانية مدارس في عشرة أيام هي مبرر لتقديم الالتماس العاجل إلى محكمة لاهاي، ولم يولد بعد رجل القانون الذي يمكنه تفنيد تهم كهذه عن بلد.
- في سنة 1996، في عملية "عناقيد الغضب" في لبنان، قتل الجيش الإسرائيلي 100 نازح ونازحة، لجأوا إلى ملجأ تابع للأمم المتحدة في قرية قانا. وفي ذلك الوقت أيضاً، حاولت إسرائيل الإنكار وتكرار الأعذار، وبعد بضعة أيام، اضطرت إلى إنهاء العملية. ومع الأسف، فإن جريمة القتل التي حدثت أمس لن تؤدي إلى نتيجة مشابهة، فإسرائيل أصبحت دولة أُخرى، وجيشها كذلك؛ فقد أصبحت قلوب هؤلاء قاسية ومتحجرة، كما هي قلوب معظم الإسرائيليين.