مقارنةً بما يفعله الجيش في غزة، المجزرة في جيت أمر بسيط
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كم هو سهل أن يعبّر الإسرائيليون عن صدمتهم إزاء فظائع المستوطنين. هم ليسوا نحن، ولا علاقة لنا بما يفعلونه، حتى إنهم لا يمثلون إسرائيل. إنهم الأعشاب الضارة التي تنبت على هامش المخيم. الكل يندد، وانضم السياسيون إلى جوقة المنددين، وحتى وسائل الإعلام، عبّرت عن صدمتها، وتكبّدت عناء نقل الخبر، غير مصدّقة. في هذه الأيام الجيدة، من المحتمل أن يكون جرى اعتقال مشتبه فيه، أو اثنين، مدة ساعة، أو ربما ساعتين. مقارنةً بإخفاء جرائم الجيش الإسرائيلي، فإن التطرق إلى جرائم المستوطنين يلمع تحت ضوء برّاق. فجأة، صار يُسمح برؤية الضحية وإدانة المجرم.
- لكن جرائم المستوطنين هي أمر ضئيل، مقارنةً بجرائم الجيش الإسرائيلي. في جيت وحوارة، وكسرى، في جنوب جبل الخليل، وشمال وادي الأردن، يعيش الناس في ظل تهديد المستوطنين، لكن مقارنةً بما يفعله الجيش في غزة، وأيضاً في الضفة، فإن عنف المستوطنين هو بمثابة معسكر صيفي. معسكر للعنف. المجزرة في جيت يرتكبها الجيش، يومياً، وبنسخة أكبر كثيراً، وأكثر إجراماً، في مخيمات اللاجئين في طولكرم، وفي جنين ونابلس، وطبعاً في غزة. كل يوم، تقع مجازر. لكن فقط المستوطنين يثيرون الصدمة. جيت بالتأكيد تصدم، لكن قتل 100 نازح في مدرسة في غزة يمرّ مرور الكرام. الصدمة مما يفعله المستوطنون مصطنعة ومدمرة. وهي تعكس كل مشاعر الذنب المكبوتة والتنصل من المسؤولية.
- عندما ننظر إلى التدهور الأخلاقي الذي لا يوصف، الذي تشهده إسرائيل في الأشهر العشرة الأخيرة، نرى أن الجيش هو المذنب في أغلبية الجرائم. حتى إن مجزرة جيت، ما كانت لتحدث لو قام الجيش بواجبه. الجيش الذي يعرف كيف يقمع أيّ تظاهرة، أو أعمال شغب فلسطينية، يقف موقف المتفرج، أو المؤيد للمجازر التي يرتكبها اليهود. إنها سياسة، وليست حادثة. وهذا مقصود، وليس خطأ، لكن حتى عندما يكون واضحاً أن الجيش هو المذنب في مجزرة جيت، ما من أحد يدينه لأن الجيش هو نحن، ونحن لم نكن في جيت، ولا علاقة لنا بالفظائع التي جرت فيها. نحن إسرائيل الجميلة، وهم [المستوطنون] المختلون. هم سبط آخر، سبط يهوذا، ونحن من إسرائيل، وأكفنا نظيفة.
- لكن "سديه تيمان" هو الجيش؛ واستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية هو الجيش؛ والاغتيالات هي الجيش؛ و40 ألف قتيل هو الجيش؛ وخراب غزة سببه الجيش؛ الحواجز المتوحشة في الضفة هي الجيش؛ وقتل التوأم ذي الثلاثة أيام مع أمهما وجدّتهما، في أثناء قيام الأب بإصدار وثيقة ولادة لهما سببه الجيش؛ ازدياد استخدام المسيّرات في القتل في الضفة هو الجيش؛ الطائرات والمدافع والمدرعات والجرافات والكلاب هي الجيش. هم أبناؤنا، وكلّ مَن يسير في الشارع، أو يقود سيارة، له علاقة بصورة من الصور. وهم الذين يرتكبون معظم جرائم إسرائيل، وليس فقط رجال العصابات من مزرعة رونين، أو المقنّعون من مزرعة جلعاد.
- إن المعسكر الذي يحتج على عنف المستوطنين لا يرى هذا كله. اليمين لا يتردد في إظهار حقده على الفلسطينيين. فهو يعبّر عن تعطشه للانتقام، وللدم. لكن المعسكر الذي يحتج مختلف. هو إنساني وأخلاقي، انظروا إلى أيّ حدّ صدمه ما جرى في جيت. بيْد أن هذا المعسكر لا ينكر فقط جرائم الجيش، بل يواصل تقديسه، ومن الجيش تأتي زعاماته، في معظمها. حتى إن الصوت الأخير من اليسار التي يمثله يائير غولان [زعيم حزب العمل] هو من الجيش.
- في اليوم التالي لما حدث في جيت، والذي يُعتبر من أخطر المجازر، وأودى بحياة شخص بريء، فإن القاتل لن يُحاكم قط، يجب أن ننظر إلى الصورة الشاملة، بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة هو المذنب، المستوطنون، في أغلبيتهم، هم من الخارجين على القانون، وجزء منهم قتَلة، لكن فوق هؤلاء جميعاً تجثم غيمة سوداء تغطيهم: الجيش الذي يدافع عن إسرائيل هو الرأس الحقيقي للجريمة، وهو المذنب. ونحن نواصل عبادته، ونتجاهل كل ما يقوم به؛ هم أولادنا، وقادتهم هم منارة دربنا، وما من أحد مستعد لإدانة جرائمهم التي لا تحصى. المجد للجيش الإسرائيلي إلى أبد الآبدين.