نتنياهو يريد حرباً إقليمية شاملة. وعلى قيادات المؤسسة الأمنية الاستقالة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يريد عودة المخطوفين. لا توجد أيّ فرصة للتوصل إلى تفاهمات في المفاوضات الدائرة خلال الأيام الماضية، والتي من المتوقع أن تستمر خلال الأسبوع المقبل، بل لعلها تستمر أيضاً طوال الأسابيع التي تليه. ومن المحتمل أن تستمر المفاوضات من دون أيّ سقف زمني، أو تتفجر في مرحلة ما، فتنتهي بجولة إضافية من الخطوات العسكرية في الجنوب، وفي الشمال أيضاً.
  • في ظل غياب اتفاقية تضمن إطلاق سراح المخطوفين بالكامل، ما من فرصة حقيقية في وقف التحرك العسكري في قطاع غزة، والذي سيستمر أياماً كثيرة أُخرى. في موازاة ذلك، سيستمر الاشتباك العنيف في الشمال، وفي نهاية المطاف، سيتحول إلى حرب واسعة النطاق، تشمل إطلاق صواريخ بعيدة المدى من جانب حزب الله، وردّاً إسرائيلياً بآماد لم نشهد مثلها من ذي قبل، والتدهور نحو حرب شاملة.
  • مثل هذا التطور هو الوحيد الذي يخدم جدول أولويات نتنياهو، وعلى ما يبدو، يخدم أيضاً حاجات يحيى السنوار (فعلى الرغم من أنني لا أعرف حقاً ما الذي يريده هذا الرجل؛ أنا أحاول فقط فهم ما الذي قد يكون مفيداً، من وجهة نظره، ويخدم مصالح "حماس"، ويتماشى مع تحركات نتنياهو)، يبدو لي أن السنوار يفضل جرّنا إلى الحرب، بحيث يبقى المخطوفون، الذين يستخدمهم كورقة قوية، في قبضته. إن استمرار القتال وتوسيعه في الشمال سيزيد في فرص اندلاع حرب شاملة، تشمل منظمات أُخرى إلى جانب "حماس" وحزب الله، مثل الحوثيين والميليشيات الإيرانية في سورية والعراق. وهكذا، تتلاقى آمال كلٍّ من السنوار ونتنياهو بجرّ إيران إلى مواجهة شاملة وواسعة مع إسرائيل.
  • إن مثل هذا السيناريو يشكّل تهديداً كبيراً لإسرائيل، وهو ليس تهديداً وجودياً فورياً، لكنه سيناريو قد يتسبب بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وعدد كبير من القتلى بين الجنود، وأضرار جسيمة في البنية التحتية الإسرائيلية في مناطق كثيرة، بما في ذلك المراكز الصناعية والتجارية. كما سيؤدي إلى تدهور ملحوظ في مكانة إسرائيل الدولية، وإمكان فرض عقوبات عليها من المحاكم الدولية التي تنظر في جرائم الحرب، وربما حتى فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي.
  • هذا هو السيناريو الأسوأ المطروح حالياً: استمرار الحرب، وتعقُّدها، واتساع نطاقها، وحسم مصير المخطوفين.
  • ليس لدى السنوار أيّ سبب يدعوه إلى التنازل عن مثل هذا التطور، فهو يخدم حاجاته. فكلما تعقدت الأوضاع وازداد عدد الأطراف المشارِكة في القتال ضد إسرائيل، كلما ارتفعت فرص اعتبار خطته في تشرين الأول/أكتوبر تحوُّلاً تاريخياً، من وجهة نظر مَن يسعى لإضعاف إسرائيل ويأمل بإسقاطها. ونتنياهو يقود إسرائيل نحو هذه الهاوية، جنباً إلى جنب مع شريكَيه الإرهابيَّين، إيتمار بن غفير والرجل المسؤول عن تجويع غزة، بتسلئيل سموتريتش.
  • لا يوجد سيناريو بديل ووحيد يمكن أن يكون مطروحاً في المفاوضات بين الوسطاء والأطراف المتحاربة سوى الوقف الفوري للقتال، فالتوصل إلى اتفاق يضمن إعادة جميع المخطوفين في وقت قصير، وإدخال قوة قتالية فلسطينية عربية تتولى بناء بنية تحتية حكومية قوية في قطاع غزة، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية (بطبيعة الحال، مع مواصلة هذه القوة القتال ضد ما تبقى من "حماس")، وفي الوقت نفسه، انسحاب جميع القوات الإسرائيلية من غزة إلى النقطة الحدودية التي كنا فيها قبل بدء الاجتياح البري.
  • استناداً إلى منظور المصالح الحقيقية لإسرائيل، فإن وقف الحرب هو نقطة انطلاقنا نحو تغيير المسار. فإعادة المخطوفين، وتهدئة الحدود الشمالية، ومنح البلد فترة طويلة من الهدوء تتيح له التعافي، وبدء التئام الجروح، وإعادة بناء المؤسستَين الأمنية والعسكرية، وإعادة الحياة الطبيعية إلى جنوب البلد، وضمان عودة السكان إلى منازلهم. وفي الوقت نفسه، يمكننا التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية، بوساطة من الولايات المتحدة وفرنسا، يتيح إعادة سكان الشمال إلى منازلهم وإبعاد حزب الله عن الحدود. وبعبارة أُخرى، إن وقف الحرب سيسمح بتحقيق ما كان يجب أن تكون أهداف الحرب الحقيقية.
  • من وجهة نظر نتنياهو، هذا لا يُعد "انتصاراً مؤزراً"، ولا تدميراً لحركة "حماس"، ولن يسمح له بمحو عار هزيمة تشرين الأول/أكتوبر 2023. إنه مختلف تماماً عمّا يدّعي أنه الهدف الرئيسي للحرب الذي لا بديل منه.
  • باختصار، سيتعين على نتنياهو الاختيار بين التخلي عن الانتصار الحاسم، وبين استمرار الحرب وتوسيعها إلى مواجهة شاملة متعددة الجبهات، من دون جدول زمني معقول لإنهائها. ونحن، إذا ما وضعنا مصلحة إسرائيل في كفة، ومصلحة نتنياهو في كفة، فخيارات الرجل معروفة. لذلك، لا مفرّ من الاستنتاج أن إسرائيل تتجه نحو حرب شاملة بخطوات سريعة.
  • هذا ما يريده نتنياهو، ويرغب فيه بن غفير، ويتوق إليه سموتريتش.
  • إن هذا الميل إلى محاولة تفسير تصرفات نتنياهو بأنه لا يملك خياراً، لأنه لا يرغب في مواجهة مع بن غفير وسموتريتش، وأنه بحاجة إليهما من أجل الحفاظ على الحكومة، ليس سوى توصيف سطحي وتبسيطي للواقع السياسي الراهن. لقد أُغرم نتنياهو، منذ زمن بعيد، بوضعية ونستون تشرشل، وهو مستعد، في ظل انعدام خيارات أُخرى، للاكتفاء بوضعية فلاديمير زيلينسكي، الذي يرتدي درعاً واقية من الرصاص على صدره، وخوذة فولاذية على رأسه. بيْد إن استمرار الحرب ليس مجرد خيار اضطراري، بالنسبة إليه، بل هو مسار تاريخي حتمي يمكن أن يستمر عدة أشهر، الأمر الذي يسمح له بجرّ جزء كبير من المجتمع الدولي إلى حالة الفوضى التي يؤمن بأنها مرحلة حيوية في المواجهة بين "مناصري الحرية والتقدم" في العالم الغربي - بما في ذلك أميركا وأوروبا، وهو الشخص الذي قُدر له أن يقودهم ويترأسهم - وبين ممثلي "التطرف الإسلامي الأصولي المتعصب"، الذي يستطيع هزيمته.
  • بناءً عليه، يجب علينا أن نتخلص من وهْم أن المفاوضات المتعلقة بصفقة تحرير المخطوفين، يديرها نتنياهو بحُسن نية (فضلاً عن كونها ليست "مفاوضات"، وفقاً لاتهامات نتنياهو لمندوبي إسرائيل فيها). فهذه اللقاءات التي تُعقد في قطر، أو القاهرة، أو في أيّ مكان آخر في العالم، ليست سوى تمثيلية، لا تهدف إلى التوصل إلى أيّ اتفاق، أو تفاهم، أو إلى نتيجة تعيد المخطوفين إلى منازلهم.
  • نحن ننجرّ، بوتيرة مذهلة السرعة، إلى أسوأ سيناريو يمكننا تصوُّره.
  • لقد بات العالم فاقد الصبر إزاء خداع وتضليل وتمثيل إسرائيل. فعندما هددت إيران بمهاجمة إسرائيل مع حزب الله، بعد عمليتَي الاغتيال في بيروت وطهران، قام جو بايدن، صديق إسرائيل، بما لم يقُم به أيّ رئيس أميركي منذ إنشاء دولة إسرائيل: إذ أرسل إلى هنا قوة عسكرية هائلة، يشكل وجودها في الإقليم تهديداً كبيراً لأمن إيران واستقرارها وقدرتها على الردع. الإيرانيون يكرهوننا بشدة، لكنهم ليسوا حمقى تماماً. هم يخافون من أنهم إذا ما أشعلوا حرباً، فسيجدون أنفسهم يقاتلون ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب بعض الدول العربية وإسرائيل، هذا الخوف أضعف رغبتهم في شنّ هجوم علينا في الوقت الراهن، ربما في هذه المرحلة على الأقل.
  • لكن تفجير المفاوضات بسبب خداع نتنياهو قد يسرّع اندلاع المواجهة الشاملة التي يقودنا هذا الرجل نحوها. وعندما يحدث ذلك، قد تكتشف إسرائيل أن الجيش الأميركي غير مستعد للدخول في مواجهة عسكرية معقدة وحساسة في الشرق الأوسط، لا لشيء، إلّا لأن المحتال النرجسي، العديم الأخلاق، الذي يقود إسرائيل، يرغب في ذلك. قد نجد أنفسنا في وسط المعركة، من دون أميركا، ومن دون قوة الردع والاستجابة التي يمكن أن يوفرها لنا الوجود العسكري الأميركي.
  • في حال اندلاع حرب شاملة بيننا وبين إيران وحزب الله وبقية الجبهات الأُخرى، قد ندفع ثمناً لا نريد دفعه، وربما لن نتمكن، حتى من تحمّله.
  • ومع ذلك، لا يزال هناك مخرج. خلال العام الماضي، حين كنت أُعبّر عن رأيي فيه في كثير من الأحيان، وأقوم بنشر مقالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية - وبصورة خاصة في هذه الصفحات من صحيفة "هآرتس" - من دون أن أوصي بمثل الخطوة التي أفصّلها لاحقاً. يبدو أنه لم يعد هناك اليوم مفرّ من اتخاذها. لقد أُعلنتُ في السابق، وأُعلن الآن، أنني أعارض بشدة، بكل جوارحي، وبكل خلية من جسدي، أيّ خطوة تهدف إلى محاولة إسقاط حكومة ديمقراطية بطريقة غير لائقة، وأوصي بعدم التفكير في هذا، أو اقتراحه.
  • لكنني أدعو وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، ورئيس الموساد ديفيد برنياع، إلى إعلان استقالاتهم جماعياً، فور إفشال نتنياهو المفاوضات المتعلقة بالصفقة في الأيام المقبلة. عليهم عقد مؤتمر صحافي مشترك، يصرّحون فيه للشعب بأنهم توصلوا إلى قناعة بعدم قدرتهم على خدمة المصلحة الأخلاقية والأمنية والعسكرية والسياسية لدولة إسرائيل، في ظل ما يرونه ويعيشونه ويسمعونه في الاجتماعات المغلقة، يومياً، من رئيس الوزراء ووزرائه المخلصين، وفي وسائل الإعلام، من أولئك الذين يوجّههم نتنياهو، ويؤثر فيهم، ويحرّضهم.
  • عليهم أن يختاروا بين استمرارهم في الخدمة، في ظل قيادة رجل يعرّض سلامة وأمن واستقرار الدولة للخطر، يومياً، وبين تغيير المسار وإنقاذ الدولة من رئيس الوزراء الذي يهدد وجودها، وأن يعلنوا للشعب الحقيقة، ومنحه فرصة التصرف في حدود الإمكانات المتاحة في إطار النظام الديمقراطي.
  • لدى قيامهم بذلك، يكون كلٌّ من غالانت وهليفي وبار وبرنياع، قد وفوا بأسمى واجباتهم تجاه شعب إسرائيل ودولة إسرائيل.
  • لا أكثر ولا أقلّ.