صفقة إعادة المخطوفين ماتت قبل أن تولد لأن نتنياهو غير معنيّ بها
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • القتلى الإسرائيليون الستة الذين تم استخراج جثثهم [من خانيونس] ودفنهم في البلد، يمثلون الأيام الحزينة جداً لإسرائيل. وهم جزء من عائلات فشلت دولة إسرائيل في الدفاع عنه. لقد تم أخذهم، وهم في قيد الحياة، وقُتلوا، أو ماتوا، وهم يشعرون بالإحباط من الدولة التي فشلت في إنقاذهم للمرة الثانية. تم دفنهم بصمت، وحازت عملية الإنقاذ اهتماماً أوسع من القتلى أنفسهم، ومن تركهم لمصيرهم في أنفاق "حماس".
  • دولة فخورة كانت ستمنحهم، على الأقل، بعض الاحترام في موتهم، وتحترم إعادتهم بطقس خاص يُلقي فيه رئيس الدولة، أو أيّ وزير خطاباً، ويحني رأسه دقيقة على كل سنة من السنوات الثمانين من العمل، وهو ما كان يمكن أن يجعلنا، على الأقل، دولة أفضل لمدة 6 دقائق. وعلى الرغم من ذلك، فإن الواقع الأليم هو أن إسرائيل منقسمة، حتى إزاء القضايا الأساسية والأكثر إنسانيةً في المجتمع ككل. تُحدَّد قيمة الحياة بحسب الانتماء، وفكرة التعاضد غير موجودة، ومسؤولية الدولة بالدفاع عن مواطنيها باتت محددة، بحسب الانتماء السياسي. النازحون من "غلاف غزة" و"غلاف لبنان" يتم التعامل معهم على أنهم أقل قيمةً، والمخطوفون باتوا مصدر إزعاج، في أفضل الأحوال. أحياء، أم أموات، لم يعد الأمر جوهرياً.
  • في دولة إسرائيل الجديدة لم يعد هناك خجل. بات الفشل لا يُفحص، والكوارث أصبحت أمراً هامشياً، وانهيار أساسات الدولة أضحى مكان نقاش. مقولة "لا مسؤولية، ولا قلق" صارت كالتوراة، والاحترام مخصص فقط لرجل واحد يتمسك بالسلطة. نحن في دولة فيها هويتان: إحداهما لا تزال مع الإخفاق، وتحمّل المسؤولية، حيث لا يزال للخجل مكان فيها- يختارون الألم، بدلاً من الاتهام، أشخاص لا يستطيعون التنفس بسبب الجرح المفتوح في القلب على ما كان يوماً دولة واحدة؛ أمّا في إسرائيل الجديدة، فيُدفن الفخر والاحترام القومي. إلى هناك، يرسلون الناطق بلسان الجيش، وهو ينظر نظرة خجل من أجل نقل الأخبار التي لا تحرك شيئاً في إسرائيل الجديدة.
  • عندما توليت منصبي في سنة 2000 كقائد لكتيبة غزة، كانت قاعدة "ترميت" في رفح موقعاً لرياضة إطلاق القنابل اليدوية. إسرائيل كانت تفتتح صباحها، يومياً، بأخبار "ترميت". أول ما قمت به كان إزالة هذا الوضع المخجل. دخلنا إلى داخل رفح، واغتلنا مَن يلقي القنابل اليدوية، ومَن يرسلهم. وفي يوم من الأيام، عاد اسم "ترميت" ليكون مجرد اسم لقاعدة عسكرية، وذهبت الأخبار لتغطية أمور أُخرى. انتهى الوضع المخجل، والجيش لم يعد كالأوز في ساحة إطلاق نار.
  • منذ 320 يوماً، تشير الأخبار الصباحية إلى إطلاق قذائف على الجليل. عشرات البلدات باتت كالأوز في ساحة إطلاق النار التابعة لحزب الله. وخلال الأيام الماضية، أُضيفت "كتسرين" إلى القائمة. عدنا إلى غور الأردن، إلى ما كان عليه قبل حرب الأيام الستة، ولا يزال وضع الحرب في الشمال يتيماً. لا عنوان، ولا حكومة. لا أحد يحمل علم الخزي، وفضيحة ترك الجليل لا تزعج الائتلاف اليهودي.
  • رؤية ما قبل تشرين الأول/أكتوبر التي قادها رئيس الحكومة تطورت إلى رؤية "الالتزام بالانتصار المطلق". حينها، مع رؤية "الهدوء يقابَل بالهدوء"، تجاهلنا "الوحش" الذي كان ينمو في غزة. اليوم، باسم الالتزام بالإنجاز الفخم للنصر المطلق، نمتنع من نقاش ما يجري في الشمال المشتعل، والضفة [الغربية] الآخذة بالاشتعال، وإيران الموجودة على بُعد خطوة عن السلاح النووي، وفي ظل خطر اندلاع حرب إقليمية فوراً. كما أن تحويل محور فيلادلفيا إلى الأمر الجوهري الذي سيحل كل الإشكالات، بعكس موقف الأجهزة الأمنية، إذ لم يُذكَر حتى في أهداف الحرب، ولم يسعَ الجيش لاحتلاله على مدار 9 أشهر، وتحويله إلى الموضوع الأكثر أهميةً من المخطوفين، يشير إلى شرّ وعدم إنسانية. المخاطرة بحرب إقليمية يحوّل هذا القرار إلى رهان خطِر وغير مسؤول.
  • في الحقيقة، لقد ماتت صفقة إعادة المخطوفين قبل أن تولد حتى، ببساطة، لأن رئيس الحكومة غير معنيّ بها. لديه رغبة في كسب الوقت. وزير الخارجية الأميركي أيضاً، الذي صرّح علناً بأن نتنياهو وافق على المقترح الأميركي، أراد كسب الوقت، لذلك، بيّض اقتراح نتنياهو. بعد ذلك بيوم واحد، قام نتنياهو بإحباط الصفقة بصوته الشخصي، بعدها، هاجم بلينكن نتنياهو علناً، وقال إن عليه أن ينسى أيّ احتمال للاحتلال. بايدن أصابه اليأس، ويريد الهدوء. نتنياهو يعرف أن الولايات المتحدة تقدم له الدعم حتى نهاية الانتخابات في الولايات المتحدة، فالقوات موجودة هنا لكبحه، ولكبح إيران أيضاً.
  • حل قضية التهريب لا يكمن في بناء محور بعرض 50 متراً وارتفاع 40 متراً من الأنفاق. الحل يكمن فقط في التعاون مع المصريين. وعلى الرغم من ذلك، فإن خطوة احتلال رفح، وفي الوقت نفسه، تجاهُل القاهرة، دفعتا إلى أزمة حادة، وهي بدورها، دفعت المصريين إلى حضن "حماس"، لدرجة أنهم غير مستعدين حتى لنقل المقترح إلى السنوار. الآن، تُبذل جهود الأميركيين بصورة خاصة أمام المصريين، في محاولة لحلّ الأزمة.

نتنياهو في البرج العاجي

  • بنى نتنياهو طبقة جديدة فوق طبقة الحرب. هذه الطبقة مخصصة له، مصنوعة من شعارات لا تتماشى مع أهداف الحرب. ودائماً يستطيع أن يقول إن هذا ما قصده على أرض الواقع.
  • الواقع موجود فقط في خطط الجيش الذي يقوم بكل ما هو ممكن من أجل تصحيح الإخفاق الكبير. الجيش يدفع الثمن من الدماء، ويتعامل مع تصعيد مستمر، ويغدو أخطر، في الوقت الذي يعيش المسؤول في الطبقة العلوية، وليس فقط أنه لا يلطخ نفسه في الطبقة السفلى، بل ينزل فقط من أجل التفاخر بالإنجازات، ولا يقترب في أثناء الفشل والحزن. لقد جهّز للحظة التي سيقوم فيها برفض كلّ من هرتسي هليفي ويوآف غالانت، وكل مَن يستطيع اتهامه لتبرئة نفسه. الأنظار إلى المستقبل متجهة نحو موعدين: الانتخابات في الولايات المتحدة يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، وموعد مرور عام على السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • الشك المتصاعد في فوز ترامب يفرض صعوبات على الخطة القديمة، ويستوجب إعادة البناء والتحضير لإمكان فوز هاريس في البيت الأبيض. لقد تحوّل كسب الوقت، حتى تتضح الأمور مرة واحدة، إلى عبء. الآن، يحاول نتنياهو ترتيب جدول مواعيد مريح للتنصل من المسؤولية عن الكارثة. يمكن أن تكون ذكرى مرور عام على 7 تشرين الأول/أكتوبر ملائمة، إلّا إن التصعيد يسرّع الوقت.
  • الشمال مشتعل، وفي الوقت نفسه، يحتاج إلى قرار، ولذلك، يجب اتخاذ قرار في الجنوب. ومن دون صفقة، لا يمكن إغلاق جبهة الجنوب. وكيف يمكن التنازل عن محور فيلادلفيا، إذا كان من الممكن تحويله إلى أهم قضية؟ نتنياهو دخل في لعبة صفرية، وتلاعُبه يشير إلى بلبلة استراتيجية.
  • حتى لو خرجت إسرائيل من أزمة التصعيد المتوقع في الشمال بطريقة ما، ومن غير الواضح كيف تجري الأمور حتى الآن، فإنها ستعود إلى النقطة نفسها في حرب من دون حل. إنجازات الجيش تضيع، وإسرائيل تستمر في استعادة الجثث، بدلاً من مخطوفين أحياء، في الوقت الذي لا يزال الشمال تحت القصف، وخالياً منذ 11 شهراً، والضفة الغربية تشتعل، وغزة تحولت إلى لبنان، مع ثمن مرتفع من القتلى، وجميع مجالات الدولة في حالة سقوط حاد.
  • لا يوجد لدى نتنياهو أيّ استراتيجيا، أو خطة، وهو يتخذ القرارات بعفوية، وفي لحظتها، استناداً إلى مخاوف سياسية خاصة به. وعلى الرغم من أنه لا توجد حملة انتخابية أفضل من حرب سياسية تسمح له ببناء نفسه من جديد، فإنه ليس قوياً كما يلزم لكي يناور في الواقع الحربي لحاجاته. للأسف، مَن يدفع الثمن الكامل هم المخطوفون وعائلاتهم، وبعدهم دولة إسرائيل برمتها.