إسرائيل وحزب الله وقفا على حافة الهاوية واتخذا قراراً آخر
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- فجر اليوم (الأحد)، نفّذت إسرائيل ضربة استباقية في مقابل الهجوم المخطط له من طرف حزب الله. هذه الضربة كانت عبارة عن هجوم واسع على الجنوب اللبناني، استند إلى معلومات استخباراتية دقيقة، عملت في إطارها نحو 100 طائرة تابعة لسلاح الجو على قصف آلاف منصات إطلاق الصواريخ والقذائف والمسيّرات التابعة لحزب الله، وكانت موجهة إلى شمال البلد، جزء صغير منها كان موجهاً، بحسب الجيش، نحو الوسط. وبعد أن أعلن الحزب أنه أطلق مئات القذائف نحو الشمال وخط عكا، وأنه هاجم قواعد وبطاريات القبة الحديدية، وأصاب "أهدافاً مخططاً لها"، انتهى الجزء الأول من الهجمات لليوم في إطار الانتقام لاغتيال رئيس هيئة أركان الحزب فؤاد شُكر في بيروت، قبل نحو 3 أسابيع.
- إن الحزب الذي ادّعى أنه أطلق مسيّرات إلى عُمق "الكيان الصهيوني"، يمكن أن يصمم مرة أُخرى على تنفيذ الرد الذي تم إحباطه اليوم في اتجاه مركز البلد (معادلة بيروت - تل أبيب). وهناك أيضاً السؤال الإضافي عمّا إذا كانت إيران ستنضم إلى خطوة حزب الله، وتطلق صواريخ ومسيّرات في اتجاه إسرائيل، انتقاماً لاغتيال إسماعيل هنية في طهران.
- الاعتراض الواسع لإطلاق النار من لبنان، والذي نفّذته إسرائيل صباح اليوم، كان يهدف إلى إزالة تهديد فوري للدولة، وعلى الرغم من حجمه الواسع، فإنه لا يُعتبر خروجاً إلى حرب، إنما ضربة استباقية محددة ومحدودة جداً من حيث مساحتها وقوتها. وعلى الرغم من ذلك، فإن مجرد تنفيذ الخطوة، أوضح أن إسرائيل لن تتحمل استمرار إطلاق النار من لبنان وقتاً طويلاً، وأنها لن ترتدع جرّاء حرب تُفرض عليها. ومن جانب آخر، بادر حزب الله إلى هجوم غير مسبوق من حيث الحجم، ومن المحتمل أن يكون الحزب وإيران أخذا بالحسبان أن يؤدي الهجوم إلى ردّ إسرائيلي حاد يصل إلى حد الحرب.
- إسرائيل لا يمكنها تجاهُل إطلاق النار الواسع على الشمال، وبصورة خاصة إذا قصف حزب الله الوسط. ومن جانب آخر، إن إنجازات الهجوم الاستباقي والاعتراض على الهجمات من دون إصابات في صفوف المدنيين، يمكن أن يمنح إسرائيل هامش مناورة معيّن لبناء ردّ دقيق ومحدود في محاولة لإغلاق دائرة جولة تبادُل إطلاق النار الماثلة أمامنا. احتمالات منع الانجرار تتعلق، إلى حد كبير، أيضاً بخطوات الولايات المتحدة واستعدادها لتهديد إيران بدخول قيادة (سنتكوم) إلى المواجهة بصورة فعالة.
- إسرائيل وصلت إلى بُعد خطوة واحدة عن حرب في الشمال، ومع إيران، نتيجة إدارة إشكالية للمعركة على مدار الأشهر الماضية، وضيق أفق استراتيجي كبير لدى الحكومة. وكان يمكن أن يحدث هذا في توقيت سيئ بالنسبة إلى إسرائيل، بعد 10 أشهر من القتال بقوة كبيرة في غزة والاشتباك العسكري الكثيف في الحدود الشمالية.
"أيام قتال" في الشمال
- لا إسرائيل، ولا حزب الله، معنيان بالانجرار إلى مواجهة شاملة. وينظر كلٌّ منهما إلى الهاوية وينسحب إلى الوراء، بالتدريج، وهما ينجحان في احتواء التصعيد الحالي والعودة إلى واقع ما قبل "المذبحة" في مجدل شمس. وعلى الرغم من ذلك، فإن تبادُل إطلاق النار، مؤخراً، يشير إلى أن القدرة على الاستمرار في استراتيجيا تترك الشمال كجبهة ثانية - محدودة جداً، وأنه من دون الفصل بين القتال في غزة واستمرار الاشتباك في الحدود مع لبنان (في الأساس عبر صفقة تبادُل أسرى)، لا مفرّ من الانجرار إلى حرب واسعة، عاجلاً أم آجلاً.
مواجهة مستمرة في الشمال وصولاً إلى الانجرار إلى حرب إقليمية
- في هذا السيناريو، يصبح تبادُل إطلاق النار أكثر حدةً، ويخرج عن السيطرة، بالتدريج. وهذا في أعقاب ردّ إسرائيلي واسع وكثيف يشمل بيروت، ويتم الرد عليه بتوسيع إطلاق النار من لبنان. التصعيد في مقابل لبنان يمكن أن يسحب إيران إلى المعركة، في الطريق إلى حرب إقليمية شاملة.
- إسرائيل تعيش مواجهة تصعيدية في 7 جبهات قتال: غزة، لبنان، إيران، الضفة الغربية، اليمن، سورية، العراق. لا مصلحة لنا في توسيع حدود وقوة هذه المواجهة والدخول في حرب شاملة مع حزب الله في وقت غير مريح، وهو ما يمكن أن يفرض تحديات على تفوُّقنا في القوة وطول نفَسنا. من الأفضل لنا الدخول في حرب كهذه، ليس نتيجة تصعيد غير مخطط له - إنما بمبادرتنا في الوقت الذي نريده، حين يكون لدينا جاهزية. وهذا على الرغم من أننا لن نرتدع في الوقت الحالي في حال فُرضت علينا الحرب. إن التنسيق الوطيد مع واشنطن وضمان دعمها هما أمران في غاية الأهمية، وخصوصاً في هذا الوقت.
هدنة استراتيجية: وقف القتال، التنظيم من جديد، والترتيبات السياسية
- إسرائيل والولايات المتحدة تنجحان في احتواء المواجهة. إسرائيل تقبل اقتراح الولايات المتحدة والوسطاء، وممثلوها يصلون إلى القمة المخطط لها في القاهرة، مع صلاحيات واسعة وجوهرية، ويخوضون مفاوضات جدية، بهدف التوصل إلى صفقة توقف الحرب في غزة، ولو موقتاً، وتبدأ بإعادة الرهائن إلى بيوتهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر متعلق بـ"حماس" التي تفضل، حتى الآن، الامتناع من عقد صفقة من أجل دفع إسرائيل والمحور إلى حرب.
- إن صفقة كهذه، من المتوقع أن تقلص المواجهة وتساعد على إغلاق بقية الجبهات، وخلق فرصة في التوصل إلى ترتيب سياسي مع لبنان، يسمح بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم ومنح الجيش الوقت اللازم للنهوض من جديد، وتنظيم نفسه، والتحقيق، وتعبئة الصفوف، وملء المخازن، تحضيراً لتحديات مقبلة.
الطريق إلى الأمام
- إسرائيل تدخل في تصعيد مع لبنان بتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة، وميزان الشرعية إيجابي، لأنها هي التي تم الهجوم عليها من طرف حزب الله منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر.
- التنسيق مع الولايات المتحدة والثقة بها ضروريان للاستمرار بهدف حسم المعركة، في حال انجرفنا إليها، ولكي نتأكد من أن إيران لن تنضم إلى المعركة وتدفع إسرائيل إلى استعمال يدها الطولى في جبهة أُخرى. الدعم الذي تمنحنا إياه الولايات المتحدة، بطول النفس، ومركّبات القوة الناقصة في المعركة حتى الآن، وجهود الدفاع والردع والدعم الدبلوماسي، أمور ضرورية لحصر المعركة أيضاً.
- في هذه الظروف، لا مصلحة لإسرائيل في الانجرار إلى مواجهة شاملة مع لبنان وإيران، وسيناريو الهدنة في غزة يخدم مصالحها الاستراتيجية وضميرها الأخلاقي. يجب على رئيس الحكومة قبول مطالب المستويات الأمنية والمهنية لإزالة العصي من دواليب المفاوضات مع "حماس"، وللتوصل إلى صفقة تبادُل. ويجب التذكير بأن كل ما نمنحه لـ"حماس" في الصفقة يمكن العودة عنه.
- بعد توقُّف القتال في غزة، يجب التجهّز لحرب مع حزب الله، في حال فشل البديل الدبلوماسي في إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. وإن كانت الجاهزية والظروف في أفضل أحوالهما، يمكن أن تكون بمبادرة إسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تسنح لإسرائيل الفرصة لإعادة التركيز الدولي على سياسات "الإرهاب" الإيرانية في المنطقة ووقف خطة إيران النووية؛ وتجهيز الائتلاف الدولي ضدها، الذي تبينت أهميته مرة أُخرى.
- بنظرة شاملة، يجب على إسرائيل العودة إلى رؤيتها الأمنية - حروب قصيرة على أرض العدو والتركيز على بناء الدولة والاقتصاد والمشروع الصهيوني برمته. والمطلوب استراتيجيا من أجل إخراج الأعداء من الصورة وإزالة التهديدات التي يفرضونها علينا، بالتدريج، وليس مرة واحدة. وفي الوقت نفسه، ومع مأسسة إيران نفسها كدولة على العتبة النووية، يجب أن تتضمن أهداف إسرائيل منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي.
- في المحصلة، نحن على أعتاب اشتعال إقليمي يمكن أن يمتد إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات، في مقابل تهديدات لم نواجهها منذ سنة 1948، تشمل خطر الانجرار إلى حرب شاملة. هذا هو حلم السنوار - مواجهة في غزة تُشعل كل جبهات القتال بكثافة عالية - واستراتيجية إيران - حلقة نار حول إسرائيل حتى انهيارها من الداخل. وبسبب النقطة التي دفعتنا إليها الحكومة، من الممكن ألّا يكون أمامنا خيار آخر سوى الدخول في حرب صعبة، لكن يجب أن نطمح إلى مساعدة الولايات المتحدة لمنعها الآن. من المحظور أن نخدم أهداف "حماس" وإيران، إنما العمل على أساس استراتيجي ملائم لرؤيتنا الأمنية التقليدية: حروب قصيرة؛ انتصار في كل معركة؛ دعم قوة عظمى؛ وائتلاف إقليمي ودولي كوزن مضاد للمحور المتطرف.