حكومة من العاجزين
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
- حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن الضربة الخاطفة الوقائية التي نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف استراتيجية تابعة لحزب الله، هذا التنظيم "الإرهابي" الذي ينغّص حياتنا ويمرمرها منذ نحو 11 شهراً من دون توقف، قد انتهت. إن إيقاف ضرب الحزب يترك شعوراً بالإحباط لدى العديد من مواطني إسرائيل بشأن تفويت فرصة استعادة قوة الردع العسكرية الإسرائيلية، وإحياء الأمل بإعادة الأمن إلى شمال البلد.
- كانت الضربة الانتقامية التي خطط لها حزب الله، بحسب التقارير، تهدف إلى إطلاق نحو 6000 صاروخ وطائرة مسيّرة مع بزوغ الفجر، كانت ستُلحق أضراراً جسيمة بقلب دولة إسرائيل. لكن بفضل المعلومات الاستخباراتية، والجاهزية، واليقظة الممتازة، والتي أثبتت أن قيادة الجبهة الشمالية وسلاح الجو كانا مستعدَّين لأيّ سيناريو، تم إحباط هذه الضربة في مهدها. لكن السؤال الذي سيبقى مطروحاً فترة طويلة، هو: لماذا توقفت العملية؟ لماذا لم يستمر الجيش الإسرائيلي في ضرب هذا التهديد وإنهائه؟
- لقد حوّلت حرب الاستنزاف، المستمرة منذ 11 شهراً، شمال دولة إسرائيل إلى منطقة "يحتلها" حزب الله، الذي نجح في تهجير نحو 80 ألفاً من سكان الشمال من منازلهم وحقولهم، وإحداث دمار وخراب لم تشهد دولة إسرائيل مثيلاً لهما منذ قيامها. وبعد ساعتين على الهجوم، وبينما كانت القدرات الجوية تتيح لإسرائيل إنهاء حرب الاستنزاف هذه، جاء إعلان الحزب أنه أنجز المرحلة الأولى من خطته الانتقامية ضد إسرائيل، وأن المزيد قادم، وأن حرب الاستنزاف مستمرة.
- كاتبُ هذا المقال ليس شخصاً يهجس عقله دائماً بالحرب، أو مهووساً بالدوافع الانتقامية، بل إن ما يدفعه إلى كتابة ما يكتب، هو الصرخات اليائسة والمدوية التي يطلقها سكان الشمال منذ أشهر طويلة، وإلى جانبها صرخات كلّ مَن يواجه صعوبة في استيعاب وقبول حرب الاستنزاف هذه التي فرضها حزب الله علينا. إن شعب إسرائيل يعيش حالة انتظار يومي، يأمل ويألم، بانتظار الاستماع إلى ما سيقرره حسن نصر الله اليوم، وما الذي يحضّره لنا حزب الله اليوم. وعندما تأتي الكلمة الفصل منهما، على هيئة خراب ودمار، بل على هيئة دماء في كثير من الأحيان، فإننا نبتلع ألسنتنا، ونسكت، ونتجاوز.
- كان يجب أن تستمر هذه الضربة الوقائية التي نفّذتها إسرائيل، والتي أذهلت حزب الله إلى حد كبير، لكي تنهي فصولاً طويلة من العذاب. هذا يثبت أن لدينا حكومة لا خير فيها. حكومة أهملت الشمال بطريقة إجرامية، ولا فائدة تُرجى منها سوى في مجال إطلاق الوعود والكلام. حكومة لا تملك من أمرها شيئاً، وبعيدة كل البعد عن اتخاذ قرارات شجاعة تتطلب قيادة قوية ومفعمة بالعزم.
- صحيح أن أميركا تؤثر، وصحيح أن هناك اعتبارات انتخابية في الولايات المتحدة، وهما يشكلان بعض الضغوط على إسرائيل لكي تبدي اعتدالها وضبطها للنفس، ولكي تتحمل الموقف. لكن عندما يتعلق الأمر بجوهر وجودنا، فإن سلامة المواطنين يجب أن تكون فوق أيّ اعتبار وضغط، حتى لو كان هذا الضغط موجهاً من أعزّ أصدقائنا. فالحال لا يمكن أن تستمر في الشمال على ما هي عليه، وما من سبب في العالم يمكنه أن يمنعنا من التصرف. لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله اليوم، هو الذي انتهك القرار 1701، وكلّ تنازُل، أو احتواء للموقف اليوم، ستكون تكلفته باهظة جداً غداً.
- من الواضح أن الهجوم الناجح الذي نفّذه سلاح الجو الإسرائيلي لم يكن كاملاً، وتم وقفه في بدايته، من دون أن يحقق عودة الهدوء إلى حدود الشمال بصورة تشبه ما كان سائداً قبل تاريخ السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. إن توجيه ضربة قاسية إلى حزب الله، يدوّي صوتها حتى في الأنفاق الخفية في غزة، لتصل إلى آذان يحيى السنوار، الذي كان سيفهم جيداً أن الخلاص لن يأتيه من الشمال، ولا من إيران، وهو ما يسرّع التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
- من شأن أصداء ضربة قاضية يوجهها سلاح الجو، أن تدوّي أيضاً في طهران، فتوضح للإيرانيين أن ألعاب الحرب مع إسرائيل ستكون مكلفة. أمّا نحن، فالمرة القادمة التي نسمع فيها عن إطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار نحو الشمال، فسيكون واضحاً لمن هم بين ظهرانينا ولديهم ذرة من شك في قلوبهم فيما أقوله، أننا بهذه الصورة، لن نتمكن من الانتصار في الحرب، ولا من إعادة الشمال إلى حضن دولة إسرائيل. الأهم من هذا كله، أن هناك حكومة من العاجزين الذين لم يفهموا بعد أن إعادة الهدوء إلى الشمال أهم كثيراً من محور فيلادلفيا، الذي يُعد ذريعة سياسية أكثر من كونه اعتباراً أمنياً.