لخطاب نتنياهو معانٍ أعمق تتعدى حدود صفقة التبادل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو يوم الاثنين، وأعلن فيه أن إسرائيل لن تنسحب من محور فيلادلفيا، كان تعبيراً راقياً عن طريقة عمله: دائماً يردّ ولا يبادر، ويستغل الفرص، بدلاً عن صناعتها. هذه المرة، شخّص نتنياهو فرصة متعددة الأبعاد - كما يقال في اللغة العسكرية الحالية، واستغل قرار "الكابينيت" الأمني- السياسي بشأن البقاء في المحور، ومقتل المخطوفين الإسرائيليين...
  • منذ دخول نتنياهو إلى السياسة، كان لديه ثلاثة أهداف: البقاء في السلطة أطول وقت ممكن؛ واستبدال النخب في إسرائيل؛ وتفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية. يمكنه أن يراوغ ويكذب، ويطرح أفكاراً متناقضة بالدرجة نفسها من الاقتناع، لكنه دائماً ما يعود إلى الثلاثية نفسها: رئاسة الحكومة، والتحريض ضد "اليسار"، وتأبيد الاحتلال في الضفة. إعلانه أن إسرائيل ستبقى في محور "فيلادلفيا"، يعني تجميد المفاوضات مع "حماس" بشأن وقف الحرب وإعادة المخطوفين، يهدف إلى الدفع قدماً بهذه الأهداف معاً مرة أُخرى.
  • أولاً، وقبل كل شيء، يركز نتنياهو الآن على الانتخابات الأميركية. ويسهّل مقتل المخطوفين الستة عليه الوقوف أمام ضغوط الرئيس جو بايدن من أجل التوصل إلى صفقة، لأنه لا يمكن الحوار مع" قتَلة". رئيس الحكومة يدعم دونالد ترامب كلياً، لذلك، لن يمنح كاميلا هاريس إنجازاً بصورة وقف إطلاق نار في قطاع غزة، بل بالعكس. وكما يستمتع بالتفريق ما بين منافسيه السياسيين في الداخل، تُسعده أيضاً رؤية الحزب الديمقراطي منقسماً بشأن فلسطين. فإذا بقيَ الناخبون التقدميون في منازلهم بسبب "جو المؤيد للإبادة" و"القاتلة كامالا" ودعمهما لإسرائيل، وإذا سقطت ولاية مركزية مثل"ميشيغان" في يد ترامب، فستكون هدية جميلة من التابع الإسرائيلي لسيده.
  • ثانياً، قرار "الكابينيت" بشأن البقاء في فيلادلفيا كان ضربة علنية لوزير الأمن يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، اللذين أوصيا بالانسحاب، موقتاً، من المحور الاستراتيجي من أجل تحرير 20-30 مخطوفاً، بينهم النساء المخطوفات. أول أمس، داس نتنياهو على غالانت في المؤتمر الصحافي، وصوّره عميلاً لحركة "حماس"، واستخفّ برؤساء الأجهزة الأمنية لأنهم أخطأوا في التقديرات، وفي نظره، هم مخطئون الآن.
  • يريد نتنياهو دفع غالانت إلى الاستقالة، وحالياً، يستعمله كلعبة كراهية لتعزيز قاعدته الشعبية. وزير الدفاع الذي اتضح أنه الشخص الأكثر شجاعةً في السياسة الإسرائيلية، والوحيد الذي يقف أمام منظومة التحريض التابعة لرئيس الحكومة، وينوي البقاء في منصبه وبناء نفسه، عبر معارضته لنتنياهو كزعيم لليمين العاقل، ليس لديه عدد كبير من الأنصار داخل حزب"الليكود"، ويحتاج إلى حماية من رئيس حركة "شاس" أرييه درعي، وحصل على هذا الدفاع في مقابل تجاهُل المطالب لتجنيد الحريديم - حتى لو كان هذا من خلف الكواليس. من غير الواضح إلى أيّ مدى سينجح غالانت في التمسك بموقفه، وأين يمكنه التوجه من هذا المكان.
  • لقد دفع نتنياهو برؤساء الأجهزة الأمنية إلى أزمة كبيرة - رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، ورئيس "الشاباك" رونين بار، ورئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس وحدة الأسرى والمفقودين نيتسان ألون. نتنياهو الذي يفعّل ضدهم منذ 7 أكتوبر آلة التسميم الخاصة به على أعلى مستوى ممكن، رفض الآن توصياتهم المهنية بصورة علنية، وأفشل الصفقة التي أمِلوا بالتوصل إليها لإنقاذ ما تبقى من مخطوفين. حتى قبل الحرب، وخلال الانقلاب الدستوري، تعامل نتنياهو مع قادة الجيش كمنافسين سياسيين، ووضعهم في الخانة نفسها مع المتظاهرين في "كابلان" [ساحة الاحتجاجات]. وأوضح في خطابه يوم أمس أن رأيهم لا يهمه قط، وأنه يفهم أكثر منهم، ويهتم بأمن إسرائيل أكثر منهم.
  • ستزداد الضغوط على رؤساء الأجهزة الأمنية للاستقالة و"قول الحقيقة" عن نتنياهو، حسبما هو متوقع الآن، على أمل أن تعزز انتقاداتهم العلنية حركة الاحتجاجات والمطالبة بتقديم موعد الانتخابات. ومن المؤكد أن نتنياهو يصلّي لكي يستقيلوا، ويتركوا مناصبهم لرجاله. فهو يعرف بالضبط ما سيحدث: ستقدم إيلانا ديان حلقات خاصة يظهر فيها رؤساء الأجهزة الأمنية، الواحد تلو الآخر، ويتحملون المسؤولية عن الكارثة، ويتهمون نتنياهو بتجاهل تحذيراتهم قبل الحرب، وترْك المخطوفين لمصيرهم خلالها، ويمضون ما تبقى من حياتهم في كتابة المذكرات والاتهامات المتبادلة، مثلما فعل أسلافهم في حرب "يوم الغفران". لذلك، ممنوع أن يستقيلوا ويسقطوا في فخ الإغراءات والتشجيع من الخارج، ويتركوا مناصبهم الضرورية لأتباع الحاكم.
  • إن الدلالة الأهم لقرار "الكابينيت" بشأن فيلادلفيا تتعلق باستمرار الحرب. أوضح نتنياهو أن إسرائيل لن تنسحب من محور فيلادلفيا إلى أن يتم التوصل إلى حل دائم. أي إنها ستستكمل محاصرة القطاع، وتسيطر عليه، من الآن فصاعداً. وأقواله مدعومة بعمليات الجيش الذي يشق طريقاً جديدة على طول الحدود المصرية - الغزية، مثلما فعل في محور "نيتساريم" وسط القطاع.  الحصار والتقطيع والجوع وشلل الأطفال، أمور كلها ستساعد إسرائيل على زيادة الضغط على الفلسطينيين لمغادرة بلدهم، وعلى الدول الغربية لاستقبال لاجئين من القطاع.
  • ... حكومة اليمين الحالية تقصد تغيير التركيبة السكانية في قطاع غزة، ومستقبلاً في الضفة الغربية أيضاً، القريبة جداً من درجة الغليان. يمكن أن نتخيّل نتنياهو وهو يتمنى أن يقف في مؤتمر صحافي، ويقول بطريقته المعهودة: "اليسار أخافنا أعواماً طويلة من القضية الديموغرافية، لكنني صمدت أمام الضغوط."
  • أمّا بخصوص المخطوفين المعذبين والذين يعانون في أنفاق "حماس" فيمكن القول إن تعامُل نتنياهو معهم يمكن تلخيصه بمقولة الكاتب اليهودي - الروسي أناتولي ريفكوف، المنسوبة بالخطأ إلى ستالين: "الموت يحلّ كلّ المشاكل. يوجد شخص، توجد مشكلة؛ لا يوجد شخص، لا توجد مشكلة."