الضفة الغربية تحولت إلى غزة وغزة أضحت ضفة غربية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بينما ينشغل النقاش في وسائل الإعلام، بجدية مريبة، بكُرة الطين التي أُلقيت على إيتمار بن غفير، تغرق الدولة كلها في الوحل الحقيقي الذي يُغرقنا فيه بن غفير وشركاؤه: تحويل الضفة الغربية إلى غزة، وقطاع غزة إلى ضفة غربية. وهاتان العمليتان العميقتان المتوازيتان تخلقان واقعاً خطراً على محورَين مرتبطَين ببعضهما البعض، تسارعتا كثيراً منذ حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر وتداعياتها؟
  • في الضفة الغربية، ترفع حرب غزة وتيرة التصعيد، تقريباً على جميع الصعد: ويشهد الجانب الفلسطيني تصاعداً في حوافز العنف، بالإضافة إلى ازدياد تهريب السلاح؛ يتوسع عنف المستوطنين أكثر من أيّ وقت مضى، بحماية من حكومة اليمين المتطرف؛ والجيش الإسرائيلي في الضفة، وفي ظل وجود مكثف لقواته، ينتهج القوة والوسائل التي تتأثر مباشرةً بالقتال في غزة. وتحوّل مقتل الأبرياء في الضفة إلى أمر روتيني، من حيث الأعداد، بصورة لم تكن تخطر في البال، قبل الحرب في غزة، والتي جعلت هذه الأعداد أمراً طبيعياً. ويجري هذا كله تحت وطأة قمع اقتصادي مستمر تفرضه إسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر، ومن خلال سحق السلطة الفلسطينية. إذا استمر هذا الوضع، فإن هذا التوجه سيؤدي حتماً، في مرحلة معينة، إلى جعل الضفة "حمساوية" بصورة كاملة، وإلى زيادة العنف والاحتكاكات اليومية بين الفلسطينيين والمستوطنين والجيش. وستتحول الضفة إلى غزة ثانية.
  • في هذه الأُثناء، في غزة، لا تطالب حكومة نتنياهو فقط بإبقاء وجود إسرائيلي -عسكري دائم على الأرض، بل أيضاً بإقامة حُكم عسكري. هذا ما يظهر من خلال التسريبات والتقارير التي تتحدث عن نية إسرائيل السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع قريباً. في الوقت عينه، أعدّت حركة المستوطنين البنية التحتية للاستيطان المدني في عُمق القطاع. ونحن نعلم بحدوث هذه الأمور، لأننا شهدناها في الضفة الغربية، وفي القطاع، قبل الانفصال [خطة شارون في سنة 2005]. في البداية، تُقام أماكن عبادة، كُنس لخدمة الجيش الإسرائيلي، بعدها يأتي عدد من الحاخامين، وتقام يشيفوت [مدارس دينية] دائمة، ثم تتحول هذه المدارس إلى "مستوطنات"، يتجمع فيها شبان يجري إجلاؤهم عن الكرافانات، المرة تلو المرة، إلى أن تُشرَّع البؤر الاستيطانية في غزة.
  • وحسبما نقلت شاني ليترمان في "هآرتس" في نهاية الأسبوع، فإن أنصار اليمين مستعدون لهذه العملية: "في البداية، يسمحون لنا بإقامة الصلاة ما وراء السياج الحدودي، وبالبقاء هناك فترة قصيرة من الوقت، ثم يسمحون لنا بتمضية الليل هناك، ورويداً رويداً، نأمل أن نتمكن من الاستيطان ما وراء السياج الحدودي". وسألت الصحافية ما هو النموذج؟ فأجابوها "النموذج الأقرب هو نموذج حوميش. هذا ما جرى هناك، لم ينتظروا الموافقة التي وصلت بعد 15 عاماً على بداية وجودنا هناك. لقد أنشأنا مبنى في تلك الفترة، فجاؤوا وهدموه. والآن، بحمد الله، هناك عائلات تسكن في حوميش".
  • هذه الأيام التاريخية، من شأنها أن تطبع التاريخ على مرّ أجيال. إذا لم تتوقف هذه التوجهات قريباً، فمن المحتمل جداً أن تُطمس الفروق ما بين الضفة وغزة بصورة لا يمكن فيها العودة إلى الوراء. وستتعرض الضفة الغربية وغزة، يومياً، للإبادة والتطرف في ظل احتلال إسرائيلي ونظام عسكري- إسرائيلي، إلى جانب المستوطنات والبؤر الاستيطانية والاحتكاك العنيف اليومي بين المواطنين. يجري هذا كله في ظل تهديد دائم بدرجات مختلفة من القوة من كل جبهة في المحور الإيراني؛ من الشمال، ومن الشرق، ومن الجنوب. إنه الجحيم. حتى إن توسيع " اتفاقات أبراهام" يمكن أن نرميه في سلة المهملات، وبدلاً من تحالفات إقليمية، سنحصل على حرب "يأجوج ومأجوح" التي يتمناها الإنجيليون من مؤيدي ترامب.
  • إن التوصل إلى صفقة بشأن إعادة المخطوفين والمخطوفات ووقف إطلاق النار في غزة، قد يكون الفرصة الأخيرة لنا لمنع تحقيق رؤيا يوم القيامة هذه. ستسمح التهدئة في غزة بتهدئة معينة في الضفة. ومن المؤكد أن هذا لن ينهي دائرة العنف، لكنه سيخفف سرعة التدهور، في غضون ذلك، يمكن التخطيط لخيارات أُخرى، إذا كان هناك مَن يريد الدفع بها قدماً.
  • إيتمار بن غفير، أحد كبار قادة الفوضى، لا يريد أن نتحدث عن هذا الآن. بل يريد ذرّ الرمال في العيون حتى فوات الأوان.