هذه الحرب تثبت نهاية عهد الفصل ما بين ميدان المعركة وبين الميدانَين الدبلوماسي والقانوني
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- وقف وزير الخارجية البريطاني، الأسبوع الماضي، أمام البرلمان في المملكة المتحدة، مرتدياً بذلة فاخرة، وأعلن أمام الجميع خبر التعليق الفوري لنحو 30 رخصة تصدير إلى إسرائيل، تتعلق بأسلحة تُستخدم في الحرب على غزة. وصرّح قائلاً: "التقييمات التي تلقيتها تشير إلى وجود خطر واضح من استخدام إسرائيل الأسلحة البريطانية في انتهاكات خطِرة لقوانين الحرب". هذا الرجل هو وزير الخارجية البريطاني نفسه الذي زار إسرائيل قبل أقل من ثلاثة أسابيع، وأعلن أنه "لن نتمكن من إنهاء دائرة العنف، إلا بالدبلوماسية". وما جرى تصويره في بيان وزير الخارجية الإسرائيلي، حينها، بأنه زيارة خاطفة في ظل التهديد الإيراني، كان في الواقع إشارة بريطانية إلى التعبير عن القلق مما يحدث في غزة. وكانت العلامات التي جلبها معه واضحة – فما لم يتحقق بالدبلوماسية الناعمة، سيُستكمل بخطوات قانونية صارمة. ولم تفلح التفسيرات المفصلة والتحليلات القانونية والمعلومات التي قدمتها إسرائيل، بالتعاون الكامل مع البريطانيين، في تغيير الأمر. ولذلك، جرى اتخاذ خطوة تصعيدية.
- القرار البريطاني مُقلق فعلاً، لكنه ثانوي بالنسبة إلى الحاجة الأعمق التي يكشفها بشأن تحديث فهم التهديد الإسرائيلي. وبكلمات أُخرى: هذا ليس سوى عارض من الأعراض، وليس المشكلة بحد ذاتها. وفي الواقع، اتُّخذ هذا القرار في إطار حملة دبلوماسية قانونية أوسع نطاقاً، تُدار ضد إسرائيل منذ أعوام. أحياناً، يُطلق على هذه الحملة، في إطار المناقشات المغلقة والمحادثات المهنية، اسم "الحملة المتأخرة"، أي تلك التي تأتي بعد الحملة العسكرية. هكذا كانت الحال في أيام تقرير غولدستون، بعد حملة "الرصاص المصبوب" ["معركة الفرقان" 2008-2009]، وكانت هي الحال أيضاً لدى تسمية لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، بعد انتهاء حملة "الجرف الصامد" ["العصف المأكول" بحسب "حماس"، و"البنيان المرصوص" بحسب الجهاد الإسلامي في 2014].
- كان تسلسُل الأمور واضحاً نسبياً. فأولاً، يُدار القتال في ساحة المعركة – ثم في الساحتين الدبلوماسية والقانونية، استعداداً للجولة التالية، وهكذا دواليك. أمّا "الهسباراه" [الجهاز الرسمي للدعاية]، فكان من المفترض أن تكون حاضرة طوال الوقت، وتقديم الدعم أينما استدعت الحاجة. لم يكن الفصل بين المراحل مصطنعاً طبعاً، وكان بعض هذه المعارك يُدار بشكل متوازٍ، لكن القاعدة كانت ثابتة إلى حد كبير. ونتيجة ذلك، تأثر أيضاً توزيع الموارد بين الحملات، وكذلك الانتباه الذي حظيت به، سواء أكان دبلوماسياً، أم شعبياً. لكن حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر علمتنا كثيراً بشأن تقلّبات الزمن.
- تجد إسرائيل نفسها في خضم حملة متزامنة عليها منذ اللحظة الأولى. فإلى جانب وحدات غولاني وطياري سلاح الجو، كان على محاميها ودبلوماسييها الانخراط في معركة قانونية وأُخرى دبلوماسية من دون تأخير. وسبب ذلك أن الهجوم علينا لم يكن مادياً فقط. بل أيضاً شنّه أشخاص يرتدون الأثواب القانونية، ويضعون الباروكات، ودبلوماسيون في غرف مكيفة. رأينا هذا في مرافعات الجنوب أفريقيين في لاهاي، وفي السلوك التمييزي ضد إسرائيل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت. وسنشعر بذلك أيضاً عندما تحوم أوامر الاعتقال الأوروبية فوق رؤوس جنود الجيش الإسرائيلي.
- إنه أمر دراماتيكي، لأن الدولة التي اعتادت إدارة الحملات بشكل متسلسل، بات عليها الآن أن تتعلم خوضها بصورة متزامنة، منذ اندلاعها. هذا لا يعني أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يرهن تخطيطه لشن حملة عسكرية، استناداً إلى احتمالات وجود، أو عدم وجود دعوى قانونية في العالم ضده. نحن بعيدون كل البعد عن ذلك، لكن ما أقوله يعني أن حربنا باتت متعددة الأبعاد، ويجب التعامل معها على هذا الأساس، بطرق متعددة. سواء من ناحية استثمار الموارد في المجالات القانونية والدبلوماسية، وبالتصميم نفسه في المجال العسكري، والتأكد من أن تبادُل المعلومات بين مقاتلي الجبهات المختلفه، أي بين قائد اللواء، والمحامي، والدبلوماسي، سيكون أسرع وأكثر دقة. وبلورة خطط العملية بصورة شاملة تأخذ في الاعتبار جميع هذه الأبعاد معاً. وإلّا، فإننا سنظل نأخذ زمام المبادرة على الصعيد العسكري، لكننا سنبقى في موقف دفاعي،على الصعيد القضائي الدولي والدبلوماسي.